ليبيا ضحية تغير المناخ.. شهود على اختفاء «درنة» (ملف خاص)
وقعت ليبيا ضحية لتغير المناخ بفاجعة إنسانية هزت العالم، لترصد "العين الإخبارية" شهادات لناجين من كارثة ليبيا بعد فيضانات العاصفة دانيال.
في ليلة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، خلد محمد أبو ماضي إلى النوم في منزله القريب من الوادي في مدينة "درنة" في ليبيا، ثم استيقظ بعد عدّة ساعات ليجد المشهد قد تغير تماما، بعدما ضربت العاصفة ليبيا وأدت إلى فيضانات شديدة دمّرت المدينة بالكامل.
أصابت السيول الناتجة عن انهيار سدي درنة منزل محمّد بالضرر، وحين هرع إلى الشارع، وسار لمسافة في اتجاه وسط المدينة أصابته صدمة من شدّة ما رآه من دمار، انهارت البنايات المرتفعة ومعالم المدينة ، ورأى المياه تندفع بقوة في كل اتجاه وتحط المنازل والأهالي العالقين يصرخون من الخوف ويطلبون المساعدة، فانطلق برفقة ىخرين لإنقاذ ما أمكنهم، يستخرجون من تحت الأنقاض ما استطاعوا من القتلى والجرحى والمصابين بكسور في أماكن متفرقة من أجسادهم.
يقول محمّد لـ"العين الإخبارية": "لم أشعر بهذا الرعب الشديد من قبل ، لوهلة شعرت أن هذا كان مجرد كابوس سأستيقظ منه، والواقع الآن أشد الما، فقدت الكثير من الأصدقاء والأقارب، كما توقفت أغلب الأعمال وأشكال الحياة في المدينة، وانتقلت إلى منزل آخر".
يدرس محمّد بكلية الفنون الجميلة ويعمل كمصور، اعتاد دائماً على التقاط المشاهد المميزة، لكن هذه المرة، لم يستطع أن يلتقط أية صور من هول ما رآه.
ليبيا ضحية للتغير المناخي
في هذا العام، كانت ليبيا هي الضحية التي فتك بها التغير المناخي بشكل عنيف وتسبّب في كارثة إنسانية واقتصادية لا يمكن محو آثارها، إذ قتلت الفيضانات ما يزيد عن 11 ألفا، بينما ظل أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين، ودمرت الفيضانات نحو 97% من أحياء مدينة درنة، وفقا للأمم المتحدة، وهي الكارثة التي حدثت بعد عام من كارثة مشابهة في باكستان، غمرت فيها الفيضانات ثلث مساحة باكستان تقريبا، وتسببت في وفاة حوالي 1700 شخص، ونزوح ثمانية ملايين، وتضرر 33 مليونا آخرين، منهم حوالي 10 مليون طفل، وهو ما وصفته الأمم المتحدة حينها بأنه "مذبحة مناخية".
ليبيا إحدى دول أفريقيا النامية التي عصف بها التغير المناخي، لكنها لن تكون الأخيرة، طالما لا بزال العالم عاجزاً عن تحقيق العدالة المناخية، مع استمرار الدول الصناعية في نهج إنتاج الانبعاثات الكربونية الكثيفة لتتحمل نتائجها الدول الأضعف والأكثر هشاشة.
ولا تنتهي الكوارث المناخية بمجرد حدوثها، بل تبدأ بعدها سلسلة من الآثار العنيفة التي لا تتمكّن البلدان النامية عادة من التعامل معها كما يجب، بسبب ضعف البنية التحتية ونقص التكنولوجيا ونقص التمويل المناخي المخصص للتكيف مع الآثار المناخية، فعلى سبيل المثال، دمرت الفيضانات في باكستان العام الماضي أكثر من مليوني منزل و30 ألف مدرسة وألفي مرفق صحي، وفقا للأمم المتحدة التي أطلقت فيما بعد حملة بالشراكة مع حكومة باكستان، وأشار إلى إطلاق خطة للاستجابة للفيضانات، بالتعاون مع حكومة باكستان، للحصول على تمويل قدره 816 مليون دولار لإصلاح الضرر وإعادة الإعمار، ومع أن العديد من الدول قدّمت تعهدات بالمساعدة، إلا أن أغلب هذه التعهدات كان على هيئة قروض، وهو ما يعني بالضرورة زيادة أعباء الديون على عاتق باكستان.
وبعد أقل من عام، تكرّرت الكارثة مجددا في ليبيا، ووصلت العاصفة ذروتها في شمال شرق البلاد في 10 سبتمبر، مصحوبة برياح قوية تراوحت سرعتها بين 70 و80 كم/ساعة، ممّا أدى إلى انقطاع الاتصالات وسقوط أبراج الكهرباء والأشجار. وتسببت الأمطار الغزيرة التي تراوحت غزارتها ما بين 150 - 240 ملم في حدوث فيضانات في عدة مدن من بينها البيضاء التي سجلت أعلى معدل لهطول الأمطار.
فقدت 50 فرداً من عائلتي
عقب كارثة الفيضانات في مدينة درنة، فقدت محبوبة خليفة، روائية وشاعرة ليبية ، 50 فرداً من عائلتها، منهم بنات عمها وأولاد خالتها والعديد من الأقارب، كما انهار بيتها بالكامل ولم يعد صالحاً للسكن.
تقول محبوبة لـ"العين الإخبارية": " أعيش خارج ليبيا، لكن الحكايات التي سمعتها من الناجين من كانت "مروعة"، كلهم أجمعوا على أن ارتفاع المياه بلغ ثلاثين متراً على الأقل، بل إن المياه وصلت للطوابق التاسعة وامتدت لأسطح العمارات، حفيد ابنة عمي هو الناجي الوحيد من أسرتها قال إنه شاهد البناية التي يسكنون فيها تنقسم شطرين وتبتلع أشقائه وجدته ووالده وعمه وأولاده، أما هو فبمعجزة تشبه الخيال أخذته الموجة العاتية لحوالي كيلومتر لترميه على سطح عمارة في شارع آخر".
تضيف محبوبة : "حال المدينة حالياً مزرٍ ولا شيء في الأفق .. لا عونٌ واضح للأسر المنكوبة ولا إحصاء حقيقي لعدد القتلى والكثير من المتضررين عاجزين عن العثور على أماكن تأويهم".
شاركتها المشاعر "نور الماجري" موظفة في صندوق الضمان الاجتماعي في ليبيا، والتي لا تزال تحاول استيعاب صدمتها من الكارثة التي لم تشهد مثلها في حياتها من قبل.
قبل عدّة سنوات، تركت "نور" وعائلتها منزلهم في قلب مدينة درنة وعرضوه للبيع، ثم استأجروا منزلاً آخر لا تصل إليه الرطوبة، وتبيّنوا بعد ذلك أن الحظ حالفهم لأن الفيضانات التي نجمت عن تحطم السدود بفعل العاصفة، قضت على منزلهم القديم وبعثرت محتوياته.
بفعل الفيضانات الشديدة، خسرت نور خالها وعائلتها بالكامل، كما خسرت منزلها القديم الذي دمرته السيول من بين عشرات المنازل التي راحت ضحية لأحداث درنة، ممّا أصابها بحالة صدمة لم تستطع التكيف معها حتى الآن.
الخسائر والأضرار في البلدان النامية
ويبدو أن المشهد قد يكرّر نفسه مرات ومرات في بلدان نامية مختلفة، وجدت نفسها تتحمّل بلا ذنب الأثر الأعنف للتغير المناخي، مع أنها الأقل مساهمة في التغيرات المناخية، فعلى سبيل المثال، تنتج إفريقيا كاملة أقل من 3% من الانبعاثات الكربونية، في الوقت الذي تنتح سبع دول صناعية نحو نصف الانبعاثات تقريبا، وتنتج دول مجموعة العشرين أكثر من 75% من الانبعاثات، وفي المقابل لا تمتلك البلدان الفقيرة بنية تحتية قوية أو تكنولوجيا تمكنها من التعامل مع الآثار الكارثية لتغير المناخ، ومن هنا اصبح الخلل واضحاً في تحقيق العدالة المناخية.
وتصنف الأمم المتحدة لخسائر والأضرار على أنها اقتصادية أو غير اقتصادية، لكن الآثار الاقتصادية رغم صعوبتها يمكن تعويضها، بجمع المال لإعادة بناء البنية التحتية التي تضررت بسبب الفيضانات، أو خسارة الإيرادات من تدمير المحاصيل الزراعية، بينما يصعب تعويض فقدان الأرواح أو علاج الصدمات الناتجة عن الكوارث المناخية وآثارها المجتمعية.
آمال معلقة على كوب 28
تبقّت أيّام قليلة على بدء مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لمناقشة أولويات العمل المناخي، بينما يعلق الكثيرون الأمل على الكوب هذا العام للخروج بنتائج فعالة تخص تفعيل صندوق تمويل الخسائر والأضرار في البلدان النامية، والذي تم الاتفاق على إنشائه في كوب 27 الماضي في مصر، إضافة إلى مناقشة زيادة التمويل المناخي خاصة المتعلق بـ"التكيف" لمساعدة البلدان الضعيفة على التصدي لآثار تغير المناخ.
ولا زال العالم يعاني من فجوة ضخمة بين الاحتياجات الحقيقية لتمويل التكيف في البدان النامية، وبين ما يتم جفعه بالفعل، فوفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تعد تدفقات تمويل التكيف الدولي إلى البلدان النامية أقل من 5 إلى 10 مرات من الاحتياجات المقدرة، كما قدر البرنامج احتياجات التكيف السنوية بما يتراوح بين 160-340 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 ، وما بين 315 إلى 565 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2050.
aXA6IDMuMTMzLjE0NS4xNyA= جزيرة ام اند امز