ينطوي استهداف ميليشيات الحوثيين وعلي عبدالله صالح الإرهابية الأسبوع الماضي سفينة الإغاثة المدنية الإماراتية «سويفت»
ينطوي استهداف ميليشيات الحوثيين وعلي عبدالله صالح الإرهابية الأسبوع الماضي سفينة الإغاثة المدنية الإماراتية «سويفت» على دروس مهمة ومفيدة في المواجهة التي يخوضها التحالف العربي ضد القوى التي سعت إلى التهام اليمن وإكمال استتباعه لإيران، مُحتكمة إلى قوة السلاح وحده، بعد فترة طويلة من المناورات الخبيثة التي كانت تمهد من خلالها الأرض لنشر الفوضى وخلط الأوراق على الساحة اليمنية، وإفشال كل محاولات الوصول إلى تفاهمات وتوافقات سياسية على أرض اليمن المنكوب بولاءاتهم الخارجية التي جعلتهم مجرد رصاصات في البندقية الإيرانية، تُطلق على أبناء الشعب اليمني وعلى حقه في الاستقرار والتنمية وفي مستقبل أفضل بعد أن تركه علي عبدالله صالح خراباً بسبب حكمه الفاشل الفاسد.
أول هذه الدروس يتعلق بمعركة الإعلام التي تُخاض بضراوة لا تقل عن ضراوة المواجهات العسكرية. فعلى رغم أن الأداء الإعلامي لدول التحالف العربي أثبت فاعليته وقوته وقدرته على كسب معركة العقول والقلوب طوال عام ونصف العام من الحرب، فقد كانت هناك في حال استهداف «سويفت» ثغرة زمنية لا تزيد على الساعتين، لم يكن الأداء الإعلامي لدول التحالف خلالهما على النحو الذي عهدناه منذ شن الحرب على العدوان الحوثي على اليمن. وكانت هذه الثغرة كافية ليقدم الحوثيون ومن يقف خلفهم روايتهم للواقعة، وهي الرواية التي تهاوت بعد ذلك أمام ما قُدِّم من وقائع حقيقية دحضت الأكاذيب الحوثية وأعادت الأمور إلى نصابها الصحيح.
قدّم الحوثيون قصتهم سريعاً إلى فضاء إقليمي وعالمي متعطش لأي معلومة من أي نوع، وأتيح لها أن تنتشر من دون أن تسبقها القصة المضادة أو تواجهها في اللحظة ذاتها كما هو مفترض، وهو ما أتاح لقصة الحوثيين أن تجد لها حظاً من الانتشار قبل أن يتوالى ظهور الحقائق الدامغة وتنهار أركان الرواية الحوثية ركناً وراء الآخر، ويتبقى منها محاولة لخداع الذات لدى الحوثيين وقلة من مناصريهم الذين يحسبون أن الإصرار على الكذب على الآخرين وعلى النفس يمكن له أن يبدِّل هزيمتهم نصراً، ويمنحهم مهرباً من المأزق الذي زجوا بأنفسهم فيه، ومن الاندحار التام الذي يشعرون بأن أوانه اقترب كثيراً.
لم يكن مُقدَّراً للأكاذيب الحوثية أن تعيش أكثر من بضع ساعات، ذلك أن دولة الإمارات العربية المتحدة اتبعت منهجاً واضحاً وصريحاً منذ بداية عملية «عاصفة الحزم» وما تلاها، وهو الشفافية والوضوح في شأن ما يحدث في ميدان المعركة، انطلاقاً من فهم لطبيعة العالم المعاصر ويقين بانعدام جدوى إخفاء المعلومات أو حجبها أو تقديم معلومات وأخبار كاذبة، وأن مثل هذه الممارسات ترتد على أصحابها وتنزع عنهم الصدقية والثقة. ولم تتردد دولة الإمارات في إعلان معلومات مثل أعداد الشهداء الذين قدموا أرواحهم لإعلاء كلمة الشرعية وردع المعتدين، ومنح أبناء اليمن فرصة للحياة الكريمة التي يسعى الحوثيون وصالح إلى حرمانهم من الوصول إليها.
دخلت دولة الإمارات الحرب وهي تعلم أنها ليست نزهة، وأن لها تكاليفها، ولم تجد غضاضة في إعلان أسماء الشهداء وظروف استشهادهم ما لم تكن هناك دواعٍ تحول دون ذلك لاعتبارات عسكرية بحتة. وقد تحولت جنازات الشهداء إلى ملاحم للترابط الوطني وإظهار اصطفاف الشعب وراء قيادته وتسابق شبابه إلى ميادين البطولة والشرف. و «سويفت» ليست استثناء، ولم يكن هناك ما يدعو إلى إخفاء أي معلومات عن هويتها لو كانت سفينة حربية، فالحرب قائمة ومعلنة وشرعية بحكم قرارات من مجلس الأمن الدولي، وليس وجود سفينة حربية إماراتية بالأمر الذي يستوجب الإخفاء أو التعمية، ولا مبرر حتى لإنكار سقوط شهداء إماراتيين لو كان ذلك حدث، وسجل «عاصفة الحزم» و «إعادة الأمل» شاهد على ذلك. ولهذا كله لم يكن مقدراً للكذبة الحوثية أن تعيش إلا بالقدر الذي تأخر فيه ظهور الحقائق من جانب التحالف العربي، وهي حال نادرة يجب ألا يُسمح بتكرارها.
من الدروس المهمة أيضاً أن عمل المنظمات الدولية ومسؤوليها أصبح يثير كثيراً من علامات الاستفهام في بعض الأحيان، وأن التصريحات والإعلانات والمواقف التي يُتوقع أن تكون دُرست وروجعت بعناية وتأنٍّ لم تعد كذلك، وهو ما تشهد به حالات عدة، ما يؤكد أن هناك خللاً ما يستوجب العلاج. وكانت الأمم المتحدة مسرحاً لكثير من هذه الحالات، إذ صرح نائب الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق الاثنين الماضي بأنه «لا يعتقد» أن سويفت هي سفينة للمساعدات الإنسانية. وفي اليوم التالي قال في رد على سؤال وُجِّه إليه إن المنظمة الدولية «لا تعرف طبيعة السفينة الإماراتية التي تعرضت للهجوم قرب ميناء عدن اليمني»، وأن المنظمة «طلبت معلومات إضافية في شأن تلك السفينة ولا نملك التعليق على الحادثة من دون معلومات».
ويمكن لمن يقرأ تصريحات المسؤول الأممي أن يلاحظ أنه بنى موقفه على اعتقاد شخصي ليس لديه ما يدعمه. وفي اليوم التالي تراجع عما قاله، لكنه حرص على إبقاء أجواء التشكيك، ربما انطلاقاً من موقف شخصي. وعلى رغم وضوح المضمون، فقد تلقفت جهات تصريحات فرحان حق، واعتبرتها تأكيداً من جانب الأمم المتحدة بأن «سويفت» سفينة عسكرية. وجاء الرد واضحاً وسريعاً وساحقاً من أهم أجهزة الأمم المتحدة في اليوم نفسه. فصدر عن مجلس الأمن الدولي بيان دان هجوم الحوثيين على السفينة الإماراتية، وأكد فيه أعضاء المجلس أنهم يأخذون على محمل الجد تهديدات حركة الملاحة قرب باب المندب الذي يعد ممراً استراتيجياً مهماً. وشدَّد البيان على ضرورة دعم حرية الملاحة في مضيق باب المندب وحوله وفقاً للقانون الدولي. وعلى رغم أن البيان أزاح ما سبقه من تشكيك لا أساس له، فإن موقف نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، لأن تكرار مثل هذه الممارسات يجعل المنظمة الدولية عاملاً من عوامل تعقد الأزمات وليس حلها، ويثير البلبلة والارتباك في شأن ما يواجهه العالم من مشكلات.
الدرس القديم - الجديد في حادثة «سويفت» هو الدور الإيراني في تسعير الحروب والنفخ في نارها، إذ استُهدفت السفينة بصاروخ إيراني الصنع، وهو ما ينقل المواجهة مع إيران إلى مستوى جديد. ويبدو النهج الإيراني الخبيث في التصريحات المتضاربة والمتناقضة التي تفاخر بتهريب السلاح بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي حيناً ثم تُنكره حيناً، في لعبة مكشوفة لتقاسم الأدوار بين المفاخرين والمنكرين. وأياً كان الأمر، فقد صار واضحاً أن إيران تسعى من خلال تهريبها السلاح إلى إطالة أمد المواجهة بعض الشيء، ووضع الألغام في طريق التسوية السياسية والحل السلمي الذي يعرف الحوثيون أنه يعني انتهاء مشروعهم، لأنهم لا يستمدون وجودهم إلا من الحرب التي لا يريدون لها أن تنتهي.
الأمر المؤكد أن نتيجة هذه الحرب محسومة لمصلحة التحالف العربي، وأن الحوثيين وشركاءهم يمضون إلى نهايتهم، وكل ما يفعلونه لا يعدو كونه محاولات يائسة للبقاء على الخريطة لتنفيذ أهداف سادتهم في طهران، ولكن ذلك لن يطول، لأنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح.
نقلا عن / الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة