الإنقاذ المناخي يزاحم أجندة السياسة.. حرب "خاصة" تخوضها سوريا
شهدت الشهور الأخيرة خطوات إقليمية وعربية ملموسة نحو التعافي السياسي في سوريا، وعودة دمشق إلى محيطها وحاضنتها العربية سياسيا.
عودة تسعى لإنهاء أكثر من عقد من الدمار والتوتر والقطيعة بسبب الصراع المسلح في الداخل السوري قاد لارتباك المشهد السياسي بأكمله.
في الوقت نفسه وبالتزامن يأتي ملف المناخ ليزاحم أجندة السياسية والدبلوماسية في سوريا.
رسميا، دعت دولة الإمارات العربية المتحدة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة المناخ COP28 للأمم المتحدة، التي ستنعقد في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في دبي.
وقالت سفارة دولة الإمارات في دمشق في تغريدة سابقة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إن الأسد تلقى دعوة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات لحضور مؤتمر COP28.
جاءت الدعوة بعد شهرين من زيارة الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة في مارس/آذار الماضي استجابة لدعوة رسمية لأول مرة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، كأول زيارة له إلى دولة عربية منذ عام 2011.
وفي ملف المناخ المهم لسوريا ولأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، قد لا تمتلك دمشق خطة وطنية شاملة لمكافحة تأثير التغيرات المناخية، شديدة التأثير على البلاد، لكنها تبدو "دمشق" في حاجة لخطة إنقاذ وتعاف مناخي لا تقل أهمية عن التعافي السياسي.
ويكفي مؤشرا لخطورة ما تتعرض له سوريا مناخيا على المستوى الغذائي، أن دمشق التي عرفت لسنوات طويلة بالاكتفاء الذاتي من القمح حتى خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي سبقت الصراع المسلح في البلاد عام 2011، تحولت إلى دولة مستورد لغذائها الرئيسي من للقمح.
إنهاك "الحرب" والتغير المناخي
"تغيرات المناخ سواء بارتفاع درجات الحرارة والعواصف الرملية والجفاف والتصحر، تضاف للحرب الإرهابية التي تعرضت لها بلادنا ما يحتم ضرورة العمل على مجابهتها".. هكذا وصف وزير البيئة السوري حال بلاده في كلمة دمشق أمام مؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ المصرية العام الماضي، في معادلة جمعت بين الحرب على الإرهاب ومواجهة التغيرات المناخية التي لا تقل ضراوة في تأثيراتها على حياة السوريين من الصراع والحرب.
بدورها حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في تقرير لها في مايو /أيار الماضي من أن البلدان التي تشهد نزاعات في الشرق الأوسط هي من بين الأكثر عرضة للتأثر بتغيرات المناخ، لكنّها تبقى مستبعدة تقريبا من أي تمويل متعلق بمكافحة هذه الظاهرة.
وفي التقرير المشترك الذي يركّز على العراق وسوريا واليمن، طالبت المنظمة بمساعدة إضافية، وقالت إن الآثار المشتركة لتغير المناخ والنزاعات المسلحة باتت تفاقم المشاكل الإنسانية في هذه المنطقة.
واعتبارا من يناير/كانون الثاني 2022، أدرجت قاعدة بيانات صناديق المناخ التي تجمع المعلومات من 27 صندوقا، 19 مشروعا فقط في العراق وسوريا واليمن صدرت الموافقة على تمويلها.
وقالت إن المبلغ الإجمالي الذي تم إنفاقه حتى الآن على هذه المشاريع في الدول الثلاث هو 20,6 مليون دولار فقط، أي أقل من 0,5 في المئة من الأموال التي تم إنفاقها على المشاريع المرتبطة بمكافحة التغير المناخي في جميع أنحاء العالم.
وذكرت الأمينة العامة للصليب الأحمر، آن بيرغ: "يستبعد التمويل المتعلق بالمناخ بالكامل تقريبًا أكثر الأماكن هشاشة وعدم استقرار"، مضيفة "يتضح من منظور إنساني أن هذا الوضع لا بد أن يتغير".
وفي ظل حرب أهلية وصراع مسلح استمر لأكثر من 10 سنوات تُصنف سوريا كواحد من أكثر البلدان تأثراً بالمناخ، لتظل سورا في خطر متزايد بعد أكثر من عقد من الحرب التي دمرت البنية التحتية للبلاد.
وقال المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر، فابريزيو كاربوني: "الوفيات والإصابات والدمار هي الآثار المدمرة والمعروفة للنزاعات المسلحة".
وأضاف: "بيد أن ما يغفل عنه الكثيرون التحديات التي يجب على السكان تحملها والتغلب عليها بسبب تزامن الآثار الوخيمة للنزاع وتغير المناخ وتدهور البيئة".
كيف تأثرت سوريا؟
يطرح الباحث، جان سيلبي، في تقرير التقييم الاقتصادي لمشروع الشرق الأوسط للبحوث والمعلومات (MER) حول "الطبيعة والسياسة" وجهة النظر القائلة إن اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 كان من بين أسبابه التأثير الكبير للتغير المناخي في البلاد، موضحا أن هذه الرؤية تقول إن الجفاف تسبب في هجرة واسعة النطاق من المنطقة.
ووفقا لهذه الرؤية التي تبناها قادة سياسيون غربيون ومنظمات الدولية ومنظمات بيئية غير حكومية ومراكز الفكر الدفاعية وعدد كبير من الأكاديميين والنشطاء فإن هذه الهجرة أدت إلى تفاقم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الداخلية التي عززت احتجاجات البلاد عام 2011 وانزلاقها في نهاية المطاف إلى الحرب.
ورغم انتقاده لهذه الرؤية يقول الباحث إنه من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى التيار الليبرالي الغربي السائد وداخل التفكير الراديكالي الأخضر وأحزاب الخضر في أوروبا يُنظر إلى الصراع السوري ليس فقط على أنه رعب في حد ذاته ولكن أيضًا كمؤشر مبكر على ما ينتظر العالم حيث يستمر كوكب الأرض في الاحترار.
وحسب تقديرات وتقارير محلية ودولية وتحليلات التي أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) فإن الجفاف بشكل مباشر أو غير مباشر تسبب في انهيار الإنتاج الزراعي في سوريا، مما دفع 2 إلى 3 ملايين شخص إلى الفقر المدقع.
كما أدى إلى نزوح حوالي 1.5 مليون من الشمال الشرقي إلى دمشق، حلب، مدينة درعا الجنوبية. وإلى أماكن أخرى خلال السنوات العشر الأخيرة.
وحسب الأرقام الرسمية السورية أفادت الأمم المتحدة بالفعل أن النزوح في فترة الجفاف التي سبقت اندلاع الصراع (من 2006 – حتى 2009) بلغ 40.000-60.000 أسرة.
منطقة الحسكة في الشمال الشرقي لسوريا على سبيل المثال، إحدى النقاط الملتهبة خلال فترة الصراع والتي كان ينظر إليها كسلة الخبز البارزة في سوريا - قلب إنتاج المحاصيل الإستراتيجية - شهدت تدهورا في موارد المياه الجوفية ووفقًا لأرقام الحكومة السورية، وكانت عمليات سحب الري داخل حوض الخابور في الحسكة أكثر من ثلاثة أضعاف مستوى التجديد الطبيعي.كما تأثرت المنطقة بشدة بالتنمية المكثفة للري والإفراط في استخراج موارد المياه الجوفية داخل تركيا، وظهرت أزمة زراعية في الحسكة جراء سياسات حكومية سابقة غير فعالة فشلت في تعزيز التنويع الاقتصادي وتسهيل الزراعة في عمق البادية (الصحراء) مع الإفراط في استغلال موارد المياه السطحية والجوفية، حسب التقرير.
وبلغ الحديث عن سوريا كنموذج لتداعيات تغير المناخ ذروته في عام 2015، في الفترة التي سبقت مؤتمر الأمم المتحدة في باريس بشأن تغير المناخ، ولتوضيح الحاجة الملحة للعمل الدولي للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
"الذهب الأصفر" وتغير المناخ
أعلنت دمشق الشهر الماضي أنها سوف تستورد، هذا العام، نصف كمية القمح التي استوردتها العام الماضي، البالغة نحو 1.5 مليون طن، غالبيتها من روسيا، بسبب زيادة متوقعة في المحصول المحلي.
وبلغ إنتاج سوريا من الذهب الأصفر (القمح) نحو مليون طن، العام الماضي، بانخفاض نسبته 75% عما كان عليه قبل عام 2011، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
وحسب الأرقام الحكومية الرسمية التي أعلنها وزير الزراعة محمد حسان قطنا، تقدر احتياجات السوريين من القمح العام الحالي بنحو 3.2 مليون طن شاملة إنتاج لخبز والبرغل والفريكة والسميد وغيرها.
ويشهد إنتاج القمح في سوريا تراجعا كبيرا تسبب في أزمة خبز في بعض المناطق حيث بلغ إنتاج سوريا العام الماضي مليون طن، وهو أقل مستوى للإنتاج منذ خمسين عاماً بحسب منظمة الفاو، بينما بلغ إنتاج القمح العام الذي سبقه 2.8 مليون طن، وما يزيد عن 4 ملايين طن سنوياً قبل الحرب.
ويقول وزير الإدارة المحلية والبيئة السوري حسين مخلوف، في تصريحات له، إن التغيرات المناخية أثرت بشكل كبير على الإنتاج الزراعي في بلاده ولا سيما إنتاج القمح مع تعرض سوريا لعواصف ترابية والجفاف وارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية وقلة هطول الأمطار.
وحسب خبراء بيئة ومزارعين سوريين يعود تراجع إنتاج القمح ونموه إلى قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، وتأخر موجات الصقيع كما حدث منذ عام، حيث يحتاج القمح حتى ينمو إلى درجات حرارة منخفضة جداً يتبعها المطر، وقبل خمس سنوات، كنا موسم زراعة القمح في سوريا يبدأ بمطر خفيف، يليه برد قارص، ومن ثم هطول مطر كافٍ، وهذا يعطي البذرة مقومات النمو والإنتاج.
ويظل مستقبل زراعة القمح في سوريا في خطر يلزم الجميع بتوفير التمويل اللازم لمواجهة التغير المناخي والتكيف ايضا مع تلك التغيرات ويوجب على الحكومة السورية وضع خطة عاجل للإنقاذ المناخي مع توفير التمويل اللازم بالتعاون من مؤسسات التمويل الدولية والشركاء الإقليميين والدوليين.