مناطق تخفيف التصعيد بسوريا.. خروقات بلا ردع
إنجاز اتفاق المناطق الآمنة يبدو أنه لن يستمر طويلا، ما لم تتخذ إجراءات عاجلة تضمن توفير الردع للمخالفين
وصفت مناطق تخفيف الصراع التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا خلال مفاوضات الأستانة الأخيرة، بأنها أول اتفاق حقيقي على الأرض، تتوصل إليه الدول الفاعلة في الملف السوري، غير أن هذا الإنجاز الأول بات مهددا بالفشل، بعد عجز الأطراف الثلاثة إلى الآن عن توفير الحماية اللازمة له.
ومنذ تم توقيع الاتفاق قبل نحو أسبوع في الأستانة، تتعرض المناطق الأربعة التي شملها لخروقات تسبب غياب الردع في استمرارها، هذا فضلا عن وجود خلافات حول خرائط مناطق تخفيف الصراع.
واتهمت وزارة الدفاع الروسية قوات المعارضة قبل 3 أيام بتنفيذ 19 خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد، كما اتهم المرصد السوري نظام الأسد بخرق اتفاق المناطق الآمنة في ريفي حمص وحماة، بعد ساعات من دخوله حيز التنفيذ، كما قال المرصد قبل خمسة أيام أن أربعة من المسلحين المعارضين على الأقل قتلوا داخل إحدى هذه المناطق بمحافظة درعا جنوب سوريا.
ولم تتخذ حيال هذه الخروقات أي إجراءات لردع الجهة المسئولة عنها، حيث لا تزال هناك خلافات حول الدول المشاركة في تأمين تلك المناطق وتوفير الردع اللازم للمخالفين.
وتسعى روسيا إلى أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية إحدى الدول المشاركة في التأمين، وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، جوزيف دانفورد، إن هذا الأمر كان موضوع نقاش بين وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، خلال زيارة الأخير لواشنطن، كما كان مطروحا أيضا خلال اجتماع عقده الرئيس دونالد ترامب مع لافروف.
وأضاف دانفورد أمس في بيان صدر عن المكتب الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية، أن القيادة الأمريكية لم تتخذ القرار في هذا الشأن بعد.
وفي السياق ذاته، ترفض المعارضة السورية أن يكون لإيران أي دور في تأمين المناطق الآمنة، وعبرت الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة، عن هذا الموقف في بيان صدر عنها يوم الجمعة الماضي.
ويرفض النظام السوري من جانبه أي تواجد تركي أو قوات دولية في مناطق تخفيف الصراع، وقال وليد المعلم، وزير الخارجية السوري في مؤتمر صحفي الاثنين الماضي إن بلاده لا تثق في الدور الذي تلعبه تركيا، لافتا إلى أنه لا يستعبد قيام تركيا بخرق اتفاق تخفيض التوتر.
وأضاف المعلم وفقا لما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية: "لن يكون هناك وجود لقوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة.. الضامن الروسي أوضح أنه سيكون هناك نشر لقوات شرطة عسكرية ومراكز مراقبة لهذه المناطق.. إذاً لا دور للأمم المتحدة أو للقوات الدولية في هذه المناطق".
ويتعارض ذلك مع دفع بعض الدول المؤثرة في الملف السوري باتجاه إرسال قوات دولية مشتركة، ومن هذه الدول روسيا نفسها.
ونقلت صحيفة "إيزفيستيا" الروسية أمس الأربعاء عن مصدر بالخارجية الروسية قوله إن "مراقبة مناطق تخفيف التوتر في سوريا، يجب أن تقوم بها قوات من دول لا تدخل في عداد الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا – وهي روسيا، إيران وتركيا، ولا سيما أن الوجود الأجنبي في هذه المناطق يجب أن يساعد على تخفيض مستوى التوتر وليس تصعيده. كما أن إرسال قوات (القبعات الزرقاء) الأممية إلى هذه المناطق غير وارد".
والمفارقة أن وفد قوى الثورة السورية العسكري الذي شارك في أستانا اعترض مؤخرا على الاتفاق، وقال في بيان إن الخرائط المنشورة لما سمي بـ "مناطق تخفيف التصعيد" ليست صحيحة ولن تكون مقبولة.
وأوضحوا أن هذه الخرائط لم تُعرض على الوفد في الأستانة، وطالب الوفد أن يشمل وقف إطلاق النار كافة الأراضي السورية، وأن يأتي متزامناً مع الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية.
وعلى ذلك، يبدو أن الإنجاز الوحيد الذي تحقق منذ بدء الأزمة السورية لن يستمر طويلا، ما لم تتخذ إجراءات عاجلة تضمن توفير الردع للمخالفين والاتفاق بشكل نهائي وقاطع على حدود مناطق تخفيف الصراع.
وكان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا قد ألمح في مؤتمر صحفي اليوم إلى أن جهود تبذل في اتجاه حل تلك الخلافات في الجولة السادسة من مؤتمر جنيف، والمقرر عقدها يوم 16 مايو/ آيار الجاري.
وقال دي ميستورا إن ما تم التوصل إليه في مؤتمر أستانة الماضي يمكن البناء عليه في جنيف، مضيفا أنه سيتم مناقشة مناطق أخرى لتخفيف الصراع، بالإضافة إلى المناطق التي تم إقرارها في الأستانة.
ووعد في الإطار ذاته أن يخرج "جنيف 6" بإجراءات عملية.. فهل سيكون المؤتمر فرصة مناسبة لعلاج أخطاء الأستانة بحيث يخرج اتفاق يحظى بقبول كل الأطراف ويشمل تحديد الأطراف الضامنة لتأمين حدوثه؟.. إن غدا لناظره قريب.