"الانسحاب مقابل الحياة".. خطة الأسد للسيطرة على مدن سورية
تغيير التركيبة السكانية في سوريا، يسير عبر اتفاق يمنح السكان والمعارضة المسلحة فرصة البقاء على قيد الحياة، بالسماح لهم بالانسحاب إلى مناطق أخرى
"الوطن ليس لمن يسكن فيه، وليس لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته، الوطن لمن يدافع عنه".. هذه العبارة التي جاءت بخطاب للرئيس السوري بشار الأسد في يوليو/تموز 2015، تلخص إلى حد كبير خطته التي بدأها قبل هذا الخطاب بعام لإفراغ مدن سورية بأكلملها من سكانها، لإحداث ما يمكن وصفه بـ"التغيير الديمغرافي الشامل" في سوريا.
والديمغرافيا، تعني خصائص السكان متمثلة في الحجم والتوزيع والكثافة والتركيب والأعراق ومكونات النمو (الإنجاب والوفيات والهجرة) ونسب الأعمار والجنس، ومستوى الدخل، وما يفعله الأسد منذ عام 2014 هو إحداث تغيير شامل في تلك الخصائص بالمناطق التي يحكم حصاره عليها.
وتسير هذه الخطة عبر اتفاق يعقده نظام الأسد مع المعارضة المسلحة وأهالي المدينة أو المنطقة التي يريد إخلاءها من سكانها، يمنحون بمقتضاه فرصة البقاء على قيد الحياة بالسماح لهم بالانسحاب في أمان إلى مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة، ليقوم النظام بتوطين قواته ومؤيديه بتلك المناطق.
وكان أول اتفاق من هذا النوع في 7 مايو/أيار 2014، حيث تم إخلاء أحياء حمص القديمة من سكانها والمقاتلين بها، بعد أكثر من عامين على حصار تلك الأحياء، وتم إبعادهم إلى أرياف حمص الشمالية.
ونفذ الاتفاق ذاته في 28 ديسمبر/كانون الأول 2015، وخرج جرحى ومقاتلو الزبداني المحاصرة بريف دمشق الغربي إلى لبنان وإدلب، ضمن ما عرف باتفاق الزبداني–الفوعة وكفريا.
وكان الاتفاق الأكبر في 26 أغسطس/آب 2016، حيث خرج أهالي مدينة داريا، وأخليت من جميع سكانها، بعد حصار استمر 4 سنوات.
واستكملت السلطات السورية الخطة التي بدأتها في 2014، لتفريغ مدينة حمص بأكلملها من السكان، وتوصلت إلى اتفاق تم تنفيذ أولى خطواته يوم الجمعة 23 سبتمبر/أيلول ويقضي بإجلاء مئات المعارضين السوريين من حي الوعر، آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة المسلحة في مدينة حمص.
ورغم قبول المعارضة بهذه الاتفاقيات من أجل الحفاظ على الحياة، إلا أنها تعتبرها جزءًا من سياسة الترحيل القسري المفروض على السكان المحاصرين بعد سنوات من الحصار والقصف، وذلك من أجل إحداث تغيير ديمغرافي شامل في المدن التي تعارض نظام بشار الأسد.
وعلق الأسد في 13 سبتمبر/أيلول على هذا الاتهام في مقابلة مع وكالة الأنباء السورية بعد أدائه صلاة عيد الأضحى في مدينة درايا، الخالية من السكان، قائلًا: "عمليا سوريا كأي بلد متنوع.. الحالة الديمغرافية تتبدل عبر الأجيال بسبب مصالح الناس الاقتصادية.. والحالة الاجتماعية والظروف السياسية تتنوع لذلك لا تستطيع أن ترى مدينة كبرى ولا صغرى.. طبعًا لا أتحدث عن الريف.. فالقرى وضع مختلف.. لكن المدن دائما تكون متنوعة خاصة داريا .. والمدن التي تكون قريبة من المدن الكبرى كدمشق وحلب فهي مدن متنوعة لا يمكن أن تكون من لون واحد وشكل واحد".
وتابع: "مصطلح التغيير الديمغرافي في سوريا لا يستهدف داريا وحدها، بل يستهدف سوريا بأكملها، وذلك بإعطاء صورة لبعض السوريين الذين لا يحللون وللعالم أن المجتمع السوري هو مجتمع مفكك ومن ثم إن المجموعات تعيش ضمن الوطن الواحد، ولكن كل مجموعة تعيش في مدينة لا تقبل مجموعات ولا تقبل شرائح أخرى، ليظهروا بأن المدن تنتمي إلى طوائف وإلى أعراق وإلى أديان وإلى شرائع.. فالصورة هي أكبر من قضية داريا.. يريدون استخدام داريا فقط لتكريس الصورة التي حاولوا تكريسها منذ بداية الأزمة.. وهي القضية الطائفية بالدرجة الأولى".