القضية السورية على أبواب إتمام عقد من الزمن لم تنجح السياسة الدولية ولا المجتمع الدولي إلا بتأجيلها وإطالة أمدها
ما زال السوريون تحت رحمة التجاذبات للسياسة الدولية التي لم تشهد انقساماً كهذا منذ عقود، انقسامات تضع المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والأقطاب السياسية العظمى في دائرة الفشل المتتابع، فهذه ليست المرة الأولى ولا الثانية ولا حتى العاشرة التي يجتمع فيها ساسة العالم تحت قبة مجلس الأمن من أجل إيجاد حلٍّ للقضية السورية لتنتهي بالفشل, على الرغم من أن الجميع يعلم مصير قرارات المنظومة الدولية قبل حتى صياغتها (راجع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالجولان السوري المحتل وفلسطين المحتلة)، مما يجعلنا نتساءل: لماذا الإصرار على مثل هذه الاجتماعات والمجالس طالما لم توجد تفاهمات سياسية فيما بين الدول الأعضاء؟
كل ذلك يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن القضية السورية ستبقى على ما هي عليه ما لم تنطلق الأطراف السورية من رؤية وطنية تعلي مصلحة الوطن والمواطن على كل مصلحة سياسية أو سلطوية، وذلك بأن تجلس فيما بينها بقرار وطني جاد على طاولة حوار موحدة لصياغة حلّ
لا يغفل عاقلٌ عن هذا المصير، ولكن السياسة العالمية باتت في مرحلة تسجيل المواقف لا إيجاد الحلول، مما يجعل العالم أجمع في حالة ركود سياسي, ركود ينذر بالأسوأ لأنه لا يدل إلا على تضارب المصالح الدولية الكبرى على حساب الشعوب الفقيرة التي تدفع الدماء فيما بينها ثمناً لهذه المصالح، فالقضية السورية على أبواب إتمام عقد من الزمن لم تنجح فيها السياسة الدولية ولا المجتمع الدولي إلا في تأجيل وإطالة أمد القضية التي تستنزف البلاد والعباد دون رحمة، وما استخدام موسكو حق النقض الفيتو للمرة الثالثة عشرة في جلسة الأمم المتحدة الأخيرة بشأن سوريا إلا دليلا على أن ملف هذه الدولة لا يمكن أن تحرك الأمم المتحدة مياهه الراكدة دون التفاهم مع روسيا، الدولة الأقوى التي دفعت بآلتها العسكرية ودبلوماسيتها الخارجية للحفاظ على هذه الورقة المهمة بيد زعيم الكرملين فلادمير بوتين، المحاصر بعقوبات دولية ثنائية أمريكية أوروبية، لذلك لن يفرط الرجل القوي بملفاته التي من خلالها يمكنه الضغط على خصومه الداخليين وإن كانوا قلة والخارجيين المتربصين به.
على الرغم من أن الأمم المتحدة منذ الأيام الأولى للأزمة وهي ترسل المبعوثين والبعثات الدبلوماسية، وتعقد المؤتمرات والجلسات والتشاورات بمبالغ مالية ضخمة ومساعٍ سياسية مهدورة لم تفلح يوماً في تخفيف العناء عن المواطن السوري، الذي لم تبقَ ضريبة إلا ودفعها من دمه وماله ووطنه ويعزى سبب الفشل في إيجاد الحل للقضية السورية إلى أمرين رئيسين:
الأول- واقع السياسة الدولية: لطالما كانت السياسة الدولية قائمة على المصالح وتوسيع النفوذ للدول العظمى، ولكنها كانت تتم وفق تفاهمات وتوازنات دولية تجعل الدول العظمى تسير على مبدأ مراعاة المصالح لا تضاربها، أما اليوم فالسياسة الدولية متضاربة المصالح ولا انسجام فيها، مما جعلها في حالة صدام دبلوماسي حاد أدى إلى اختلال التوازن الاستراتيجي الدولي, كل هذا أدى إلى انعدام القرار الدولي الجاد لحل الأزمات العالمية، ولا سيما القضية السورية التي باتت ساحة صراع سياسي واضح المعالم، بل إنه تفاقم حد الصدام العسكري وإن كان بالوكالة على أيدي الأذرع الميدانية لكل دولة من الدول الكبرى من خلال دعمها لتوجهات محددة، وتجنيد الفصائل أو المكونات الموالية لها لتنفيذ الأجندة السياسية من خلال المكاسب العسكرية وفرض الرؤى المصلحية لداعميها كشروط للتفاوض واقتراح الحلول، ولذلك كلما دعا طرف من الأطراف الدولية لتسوية للقضية اصطدم بمعارضة منافسة تؤدي إلى إفشال المقترح للعودة إلى نقطة الصفر.
الثانية - الواقع السياسي السوري: أياً كانت الأطراف السورية المتصارعة على الأرض إلا أنها محكومة بالسياسة الدولية والإملاءات الخارجية، بحكم سياسة الأمر الواقع دون التقارب بين الأطراف السورية السورية؛ إذ لم يجلس طرفا الصراع فيما بينهما وجها لوجه من ذاتهما لإيجاد حلّ يحقن الدماء في البلاد، بل لم تكن النية موجودة، لذلك إذ يخون كل طرف الآخر في انعكاس واضح لتجاذبات السياسة العالمية مما جعل من ذلك ثغرة لتعدد الجهات الفاعلة على الأرض السورية، مستغلة حالة التشتت الحاصل على الساحة السياسية والميدانية من جهة، كما أدت من جهة أخرى إلى ضعف المواقف الدولية الداعمة للحل لانعدام وجود الرؤية السورية الموحدة، فجعل ذلك من أي قرار يقترح في حالة صدام إما على مستوى السياسة الدولية أو على مستوى الواقع الميداني السوري.
كل ذلك يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن القضية السورية ستبقى على ما هي عليه ما لم تنطلق الأطراف السورية من رؤية وطنية تعلي مصلحة الوطن والمواطن على كل مصلحة سياسية أو سلطوية، وذلك بأن تجلس فيما بينها بقرار وطني جاد على طاولة حوار موحدة لصياغة حلٍّ أو خارطة طريق واضحة المعالم، تجمع كل السوريين دون استثناء أو إقصاء، ومن ثم يتم العمل على المستوى السياسي الدولي بجدية ومراعاة للمصالح الوطنية لسوريا كجزء من المجتمع الدولي العام من جهة وللمصالح الدولية الفاعلة على الميادين السياسية والعسكرية من جهة ثانية، فهذا هو الضامن الوحيد لحقن الدماء وإرساء الاستقرار وإيجاد الحلول الناجعة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة