العدوان التركي ضد سوريا أماط اللثام عن المشروع التوسعي لدى أردوغان
العدوان التركي ضد سوريا أماط اللثام عن المشروع التوسعي لدى أردوغان، وعزز القناعة لدى المجتمع الدولي بأن غزوه لجزء من الأراضي السورية يندرج ضمن أهدافه التي وظف لتحقيقها جميع عناصر العدوان والابتزاز على حد سواء، وهو ما يفسر حملة الإدانات الإقليمية والدولية لهذا السلوك الذي يترافق مع تلويحه في استخدام أوراق الابتزاز، المتمثلة باللاجئين السوريين لديه؛ حيث أشهرها في وجه الأوروبيين لفتح أبواب هجرتهم مجددا باتجاه تلك الدول إن هي وقفت في وجه نزعته التوسعية، وكذلك ورقة تنظيم داعش كخطر داهم يمكن أن يهدد أمن واستقرار بعض الدول الإقليمية والأوروبية، والجميع يعلم دور أردوغان في رعاية هذا التنظيم الإرهابي وتسهيل مروره إلى الأراضي السورية والعراقية قبل عدة سنوات.
الهروب إلى الأمام أحد معالم عدوان أردوغان، فهو مأزوم داخليا، وخارجيا خياراته تتقلص بفعل تناقضات علاقاته الإقليمية والدولية، وكلما انزلق في المستنقع السوري أكثر فسيجد نفسه أمام صعوبات وتحديات داخلية وخارجية أكثر
هل يتمكن أردوغان من تحقيق أغراض نزعته التوسعية جراء العدوان على سيادة واستقلال دولة جارة؟ وهل يحقق أهدافه من وجهة نظره بالقضاء على التنظيمات الكردية وإنشاء منطقة آمنة؟ وما الدور الفعلي المطلوب من المجتمع الدولي لوقف هذا العدوان وتجنيب سوريا كارثة محتملة إنسانية ووطنية بسبب احتلال تركيا جزءا من أراضيها؟ وكيف يمكن للدول الأوروبية مجابهة الابتزاز الأردوغاني؟ وإلى أي مدى عكس العدوان على سوريا بؤس السياسة التركية إقليميا ودوليا؟
الحجج والذرائع التي يسوقها النظام التركي لتبرير عدوانه لا تنطلي على أحد، فالتنظيمات الكردية موجودة ضمن نطاق الجغرافية السورية ولم تقم بأي عمل يهدد وحدة وأمن تركيا، العمل السياسي كان يمكن أن ينتج عنه كثير من النتائج الإيجابية التي تصب في خانة طمأنة تركيا من جهة، وتحفظ من جهة أخرى حرمة وسيادة سوريا، خاصة في وجود دول ذات ثقل مؤثر وترتبط بعلاقات قوية مع الجانبين السوري والتركي، مثل روسيا التي يمكن لها أن تبلور نقاط التقاء بين الجانبين تنزع فتيل التوتر والأزمة، لكن العمل السياسي والدبلوماسي هذا مرهون بحسن النوايا والإرادة السياسية المخلصة، وهي ما لم تكن في حسابات أردوغان وأطماعه التوسعية، فلجأ إلى العدوان مستغلا حالة ضعف الدولة السورية وتواطؤ بعض الدول.
النزعة العدوانية سمة من سمات سلوك ونهج أردوغان، توضحت معالمها جلية داخل بلاده أولا ضد خصومه السياسيين والحزبيين في أكثر من منعطف، على مستوى حزبه الذي يحكم البلاد باسمه، حزب العدالة والتنمية ، بات معروفا للقاصي والداني نهجه العدائي لأقرب مقربيه وقادة الحزب، ومنهم من كان من المؤسسين لمجرد مناهضة رأيه وسياسته الداخلية والخارجية في بعض الأحيان، وكذلك على المستوى الداخلي لا تزال قرارات العزل والفصل والاعتقال والسجن تتوالى ضد من يظن أردوغان وزبانيته أنهم منتمون لحركة غولن أو لمجرد التعبير عن ميلهم لهذه الحركة، عدد من الصحفيين الأتراك معتقلون اليوم بسبب تعبيرهم عن رفض عدوانه على سوريا، على الصعيد الخارجي لم يقتصر نهج أردوغان على العمل بوحي نزعته العدوانية في علاقاته الإقليمية والدولية فحسب، بل لجأ كثيرا إلى سياسة الابتزاز حين يشعر أن العدوان المادي بصيغته العسكرية أو الأمنية غير متاح، الأنكى من ذلك أن رأس النظام التركي يغلف جميع أوراق الابتزاز التي يحوزها بين يديه بطابع إنساني أو يوظفها للترهيب ضد الآخرين، سواء أكانوا دولا أم جماعات أم مؤسسات.
ليس من شك في أن المتضرر الأكبر من العدوان التركي هي سوريا، دولة وشعبا، لذلك لخصت دمشق موقفها بوضوح بأنها ستتصدى لهذا العدوان وتبعاته بكل الوسائل المشروعة، العبء الآخر لإجهاض أهداف العدوان التركي يقع على عاتق المجتمع الدولي عموما وعلى بعض العواصم الغربية بشكل خاص، من خلال العمل على انتزاع أوراق الابتزاز التي يلوح بها رئيس النظام التركي ورفضها، سواء ورقة اللاجئين السوريين أو ورقة داعش؛ حيث يمكن للأوروبيين توظيف وسائل ضغط سياسية واقتصادية ضد النهج الأردوغاني ببعديه العدواني والابتزازي، لترتد على نظام حكمه تبعات هذا النهج.
الهروب إلى الأمام أحد معالم عدوان أردوغان، فهو مأزوم داخليا، وخارجيا خياراته تتقلص بفعل تناقضات علاقاته الإقليمية والدولية، وكلما انزلق في المستنقع السوري أكثر فسيجد نفسه أمام صعوبات وتحديات داخلية وخارجية أكثر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة