مع انشغال المنطقة والعالم بالمواجهة الجديدة بين إسرائيل وحماس، تمر سوريا بلحظات صعبة، لعلها الأخطر منذ بدء أزمتها عام 2011.
إذ إن التصعيد الجاري في كل الاتجاهات دخل مرحلة جديدة، حيث شكلت المجزرة التي ارتكبت في الكلية الحربية بحمص وأودت بحياة العشرات من مدنيين وعسكريين، منعطفاً جديداً في تاريخ هذه الأزمة، خاصة أن الجيش السوري وبدعم جوي روسي، رد على هذه المجزرة مباشرة بقصف مكثف لمواقع الفصائل المسلحة في مناطق شمال غرب سوريا، لا سيما مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة جبهة النصرة، لتشن هذه الفصائل بدورها هجمات مكثفة على مناطق عديدة.
وبموازاة هذا التصعيد، شنّت تركيا عقب تفجير أنقرة سلسلة هجمات على المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد في شرق سوريا، استهدفت بالدرجة الأولى مرافق البنية التحتية، لا سيما محطات الطاقة، وهو ما سيخلق تداعيات كارثية على حياة الأهالي هناك عشية فصل الشتاء حيث البرد القارص.
وفي ظل هذا التصعيد الميداني، لم تتوقف هجمات تنظيم داعش الإرهابي ضد الجيش السوري في مناطق البادية السورية، كما شكلت الاشتباكات التي تفجرت بين بعض القبائل العربية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرقي دير الزور، مؤشراً لموجة عنف جديدة في هذه المنطقة بعد الاستقرار الذي شهدته عقب هزيمة داعش في الباغوز عام 2019، كل ذلك في ظل مؤشرات لا تقل سلبية في الجنوب السوري، حيث الوضع الأمني الهش في محافظة درعا التي تشهد يوميا أعمال قتل متفرقة وغامضة.
وفي وقت تتواصل المظاهرات الشعبية في محافظة السويداء مطالبة بالتغيير السياسي بعد أن بدأت بمطالب معيشية وخدمية، بينما لا تتوانى إسرائيل بين فترة وأخرى عن قصف مواقع ومنشآت تقول إنها لإيران وحزب الله داخل سوريا، وهكذا تبدو الجغرافيا السورية كلها وكأنها تحولت إلى ساحة حرب مفتوحة من جديد رغم أن الجيش السوري استعاد السيطرة على معظم المناطق التي سيطرت عليها الفصائل المسلحة منذ سنوات.
تحمل موجة العنف الجديدة دلالات كثيرة، أولها تعثر جميع الجهود والمبادرات التي طرحت لإيجاد حل سياسي لأزمة سوريا، وثانيها غياب أي حوار جدي بين الأطراف السورية على الأرض، وقد عزز من ذلك ارتباط هذه الأطراف بجهات إقليمية ودولية لا تفكر سوى بمصالحها وأجندتها، فضلا عن الانقسام الحاصل على الأرض إلى درجة أن البلاد باتت مقسمة إلى مناطق، حيث في كل منطقة أجهزة إدارية وعسكرية وأمنية خاصة بها، وثالثها حجم التناقض في مصالح وأجندة القوى الإقليمية والدولية الموجودة على الأراضي السورية، حيث يحاول كل طرف فرض أجندته، وهو ما جعل من معادلة الجهد الدولي لحل أزمة سوريا من جنيف إلى أستانا وصولا إلى اللجنة الدستورية صفرية، وقد ترجم كل ذلك حرب بالوكالة على الأراضي السورية، وأجساد السوريين، وتدمير هويتهم، ولقمة عيشهم في وقت انهارت البنية الاقتصادية للبلاد.
توقيت التصعيد الجاري، يحمل أسئلة وتساؤلات كثيرة، على نحو هل هو فصل جديد من فصول الحرب والدمار في سوريا؟ وهل ما يجري هو نتيجة فشل كل الجهود والمبادرات التي طرحت؟ وهل ثمة غرف استخباراتية مغلقة تقف وراء جولة التصعيد الجديدة؟ وهل ما يجري ليس سوى جولة جديدة من الدمار فوق الدمار الحاصل أم أنه مقدمة لطرح حل سياسي مختلف عما سبق؟ تساؤلات كثيرة لا تتوفر إجابات عنها في يومنا هذا، ولعل معرفة مسار المرحلة المقبلة يتوقف على معرفة الإجابة عن التساؤلات السابقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة