تواصل قوات الحكومة السورية زحفها نحو مدينة إدلب وريفها بمساندة من سلاح الجو الروسي، حيث سيطرت هذه القوات خلال الأسبوعين الأخيرين على عشرات القرى والبلدات
تواصل قوات الحكومة السورية زحفها نحو مدينة إدلب وريفها بمساندة من سلاح الجو الروسي، حيث سيطرت هذه القوات خلال الأسبوعين الأخيرين على عشرات القرى والبلدات الواقعة في ريف إدلب على الطريق الدولي الذي يربط حلب شمالاً، بدمشق جنوباً، فيما تتراجع منها قوات المعارضة السورية المسلّحة والتي يهيمن عليها الإرهابيون بالدرجة الأولى وتنسحب نحو إعزاز وجرابلس وبقية المدن والبلدات السورية الأخرى الخاضعة لسيطرة الجيش التركي والمليشيات الموالية له.
إن البلاد تنتظر مخاطر كبيرة وجديدة في المرحلة المقبلة، خاصة أن هذه المناطق باتت معقلاً للجهاديين المدعومين من أنقرة ويقيم فيها قيادات من تنظيم "داعش"، لذلك من الضروري أن يتحرّك المجتمع الدولي لمحاربة جهاديي أنقرة الذين تقوم بوصفهم بأنهم "معارضون مسلّحون ومعتدلون".
وتبدو هذه المعركة الحاسمة امتداداً للهجوم العسكري الذي تشنه قوات الحكومة السورية بدعمٍ روسي منذ نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، حيث تحاول السيطرة على إدلب وريفها ومناطق أخرى يسيطر عليها الإرهابيون المتعاونون مع أنقرة في أرياف حلب وحماة واللاذقية.
والواقع يقول إن تركيا تخلت عن جهادييها في هذه المناطق ووافقت على هذه المعركة النهائية والتي ستتمكن من خلالها قوات الحكومة السيطرة عليها جميعاً بعد تراجع الإرهابيين المستمر منها، مقابل حصولها على موافقة روسيا لشن هجومها العسكري على مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية شرقي نهر الفرات، ما يعني أن الهجوم التركي الأخير على الأراضي السورية قبل أكثر من شهرين دفعت أنقرة إدلب ومناطق أخرى تقع بالقرب منها ثمناً له.
وفي إدلب وريفها وأرياف حلب وحماة واللاذقية والتي يسيطر فيها الإرهابيون المدعومون من أنقرة على جيوبٍ صغيرة، لم يكن هدف هؤلاء الإرهابيين محاربة قوات الحكومة السورية على الإطلاق طيلة السنوات الماضية، بل كانوا أوراقاً رابحة لدى أنقرة تهدد بها الأكراد وكذلك موسكو التي تمكنت أخيراً مع دمشق من الحصول عليها وشرائها من البائع التركي.
ويُضاف لهؤلاء الإرهابيين، مجموعات مسلحة صغيرة من المعارضة السورية، لكن هؤلاء أيضاً لم يقودوا معارك ضد الحكومة السورية، ذلك أن قرار الحرب والسلم في تلك المناطق تتخذه أنقرة، لا هؤلاء ولا الإرهابيون المدعومون منها. وبالتالي ستعود مناطقهم كلها تباعاً لسيطرة الحكومة، فيما هم سيتوجهون لمناطق أخرى تسيطر عليها أنقرة وجماعاتها السورية المدعومة منها بعدما قادوا مع الجيش التركي معركته ضد الأكراد.
وتشهد هذه المناطق الواقعة شمال غربي سوريا نتيجة المعارك الأخيرة، تغييراً ديموغرافياً كبيراً، فأهالي إدلب يتجهون لمدينة عفرين التي هجرت أنقرة سكانها الأكراد منها باتجاه منطقة الشهباء، حيث ما زال بقاؤهم هناك مرهونا بصفقات موسكو وأنقرة، لا سيما أن الأخيرة تطالب باستمرار بفرض سيطرتها على قرى وبلداتٍ تقع شمال حلب ويسيطر عليها مقاتلون أكراد.. وكذلك تطالب بالسيطرة على مدينة منبج.
وبالفعل نزح خلال الأيام القليلة الماضية نحو أكثر من 200 ألف مدني من إدلب وريفها باتجاه مناطق سورية أخرى تخضع لسيطرة أنقرة ومن بينهم موالون للجيش التركي كانوا يتظاهرون باستمرار دعماً للغزوات التركية الثلاث على الأراضي السورية وهؤلاء ستستخدمهم أنقرة في المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً شرقي نهر الفرات، لتصنع منهم عازلاً بشرياً بين أكراد تركيا وأكراد سوريا.
وقد يكون الهجوم الحالي الذي تقوده الحكومة السورية بدعمٍ روسي على إدلب وريفها، بداية الحسم العسكري في البلاد، فهي آخر معاقل المعارضة السورية والإرهابيين وعودتها لسيطرة الحكومة، تعني عدم وجود معارك أخرى مستقبلاً في عموم البلاد باستثناء البادية السورية والتي تواجه فيها قوات الحكومة ما تبقى من فلول تنظيم "داعش" الإرهابي.
لكن رغم هذا كله، لا يمكننا القول إن سوريا تخلصت من الإرهابيين وإماراتهم، فهم ينتقلون على دفعات إلى الشريط الحدودي مع تركيا في المدن التي سيطرت أنقرة عليها مؤخراً، لذلك باعتقادي أن البلاد تنتظر مخاطر كبيرة وجديدة في المرحلة المقبلة، خاصة أن هذه المناطق باتت معقلاً للجهاديين المدعومين من أنقرة ويقيم فيها قيادات من تنظيم "داعش"، لذلك من الضروري أن يتحرك المجتمع الدولي لمحاربة جهاديي أنقرة الذين تقوم بوصفهم بأنهم "معارضون مسلحون ومعتدلون"، بينما على أرض الواقع، فهم إرهابيون من تنظيم القاعدة وجماعة "الإخوان المسلمين".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة