الأكراد والمعارضة في سوريا.. ماذا تبدد في 10 سنوات من الحرب؟
10 سنوات من الحرب في سوريا كانت كفيلة بتغيير واقع الأكراد، فيما فشلت المعارضة في تقديم بديل جدي فخفت صوتها وتشتت صفوفها.
إحداثيات مغايرة لمشهد عام تتقاطع فيه متغيرات عديدة مع ثوابت ظلت تتأرجح بين مناطق تماس تتسع ثم تضيق لتشكل موازين القوى على الأرض، وتستشرف واقعا صعبا في ظل استمرار نزاع لم يضع أوزاره منذ سنوات.
الأكراد والمعارضة؛ اثنان من أضلع مقاربة بالغة التعقيد للمشهد السوري؛ الأول غيرت الحرب واقعه من أقلية عانت التهميش إلى قوة عسكرية تصدّت للمسلحين والإرهابيين، وبنت إدارة ذاتية شمالي البلاد، فيما تشتت الثاني تحت وطأة عوامل مختلفة.
الأكراد.. واقع يتغير
10 سنوات من الحرب مكنت الأكراد في سوريا من تشكيل إدارة ذاتية وبناء مؤسسات شكلت حلم أقلية عانت التهميش على مر عقود قبل 2011.
نجح الأكراد في الاحتفاظ بإدارتهم الذاتية شمالي سوريا، وذلك رغم استعادة النظام، منذ 2015، بدعم من حلفائه، غالبية المناطق السورية، في تغيير شكل مفهوم المواطنة والاعتراف والقبول بالنسبة لهم.
ألدار خليل، مسؤول كردي، وأحد مهندسي الإدارة الذاتية، قال معقبا عن الموضوع: "قبل 2011، لم يكن هناك أي شيء يمنحنا الأمل أو حافز يثبت لنا أننا مقبولون كمواطنين سوريين".
وأضاف خليل، في تصريحات إعلامية، أن "الأكراد كانوا في حالة اضطهاد كامل، وكان هناك إنكار للغتهم وثقافتهم، حتى هويات لم يكن لدينا"، مستدركا: "لكن بعد 2012، بتنا نشعر أن البلد بلدنا".
تغيير إيجابي تعزز مع توسع الإدارة الذاتية من مناطق ذات غالبية كردية قرب الحدود مع تركيا، لتشمل تدريجيا مناطق ذات غالبية عربية مع سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، على مساحات شاسعة كانت تحت سيطرة "داعش".
و"قسد"؛ تأسست العام 2015، وتضم تضم وحدات كردية وعربية، وباتت بمثابة جيش الإدارة الذاتية وأبرز خصوم الإرهابيين وتركيا أيضا، وتسيطر اليوم على أكبر حقول النفط السورية خصوصا المتواجدة منها في دير الزور شرقي البلاد.
أي آفاق؟
يقف الأكراد اليوم وسط متغيرات تلغم محيطهم رغم أن الدعم الأمريكي يشكل صمام الأمان بالنسبة لهم بوجه أنقرة التي تصنفهم منظمة إرهابية، ما يجعلهم هدفا دائما لها.
في الأثناء، لم تعلن دمشق حتى الآن حربا مفتوحة ضد "قسد"، لكن المؤكد هو أنها ترفض الاعتراف بإدارتهم الذاتية، فيما تمنح الإحداثيات على الأرض مؤشرات بإمكانية تغير الوضع بالنسبة للأكراد في كل لحظة.
طرح يدعمه الانسحاب الأمريكي من مواقع حدودية في سوريا، وانتهاز تركيا الفرصة لشن هجوم في أكتوبر/ تشرين أول 2019، سيطرت من خلاله على منطقة حدودية بطول 120 كيلومتر بين مدينتي رأس العين وتل أبيض.
خبراء يرون أن ما تقدم يؤكد أن وضع الأكراد في سوريا مرتبط بشكل وثيق بالموقف الأمريكي الذي تحكمه العديد من المعطيات، بينها تداعيات توسع سيطرة "قسد" على مناطق واسعة غنية بالموارد الطبيعية، وهذا ما يمكن أن تعتبره واشنطن مشكلة.
ورغم أن معالم السياسة الأمريكية تجاه سوريا لم تتضح بعد، لكن تعيين الرئيس جو بايدن مبعوث التحالف الدولي السابق بريت ماكغورك منسقً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منح الأكراد بعض التفاؤل.
غير أنه، وبغض النظر عما سبق، يرى مراقبون أن السياسة الأمريكية تظل غير مضمونة تجاه الأكراد في سوريا، ما يعزز جميع الاحتمالات والسيناريوهات، من قبيل انسحاب أمريكي متسرع قد يمنح أنقرة فرصة الانقضاض وتغيير الواقع الراهن.
معارضة وأجندات
المعارضة السورية تشكل أيضا أحد أضلع المشهد السوري، وهي التي فشلت بمختلف تشكيلاتها، في تقديم بديل جدي للنظام، ووقعت فريسة أجندات خاصة شتت تحركاتها وأصواتها.
تشكيلات تقيم -في معظمها- خارج سوريا، فشلت في مد الجسور مع الداخل رغم سيطرتها، بالسنوات الأولى للنزاع، على نحو ثلثي مساحة البلاد.
خسرت المعارضة السورية صداها وتأثيرها مع انخراطها في أجندات خارجية هيمنت عليها تركيا وقطر، قبل أن تظهر فصائل مقاتلة متعددة فاقمت حدة النزاع بتلقيها دعما من أطراف تتبنى أجندات تخريبية.
وانطلاقا من 2014، تسبب تصاعد نفوذ داعش وغيره من التنظيمات المتشددة، في إضعاف المعارضة سياسيا وعسكريا، ما دفعها لاستقطاب مقاتلين أجانب واستهداف الخارج.
تكتيك غير محسوب وحد المجتمع الدولي بقيادة واشنطن ضد هدف مختلف، وهو دعم الفصائل الكردية (التي بقيت خارج تكتل المعارضة) وحلفائها لمواجهة المسلحين والإرهابيين عوضاً عن دعم خصوم الأسد.
خسائر وخيبات
رغم تباين موقفها من مصير الرئيس بشار الأسد، إلا أن مجموعات المعارضة وجدت نفسها مطالبة، مع انطلاق جولات المحادثات في 2016، بتوحيد وفدها.
لكن، في الأثناء، كان لحسابات الربح والخسارة على الأرض كلمة مغايرة، حيث دفعت الخسائر الميدانية للمعارضة، أبرزها في مدينة حلب ثم الغوطة الشرقية قرب دمشق، إلى تغيير راوية الدول التي دعمت المعارضة، وباتت تتعاطى بواقعية أكبر مع بقاء الأسد.
وبدءاً من 2017، طغت محادثات أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة، على مسار جنيف وأضعفته.
وبعدما كانت المعارضة تفاوض النظام في جنيف على مرحلة انتقالية بعد رحيل الأسد تمهيداً لتسوية سياسية، باتت المحادثات اليوم تقتصر على لجنة دستورية تضمّ ممثلين عن الطرفين لبحث تعديل أو وضع دستور جديد، بينما لم تحقق أي تقدم نظرا لغياب نية للتسوية باعتراف أممي.
aXA6IDEzLjU4LjYxLjE5NyA= جزيرة ام اند امز