المد الإنساني لسوريا.. هل يعيد دمشق إلى محيطها العربي؟
كارثة إنسانية خلفت آلاف القتلى والجرحى وأطلقت نداء عالميًا، بضرورة مد يد العون إلى سوريا وتركيا، لمواجهة تداعيات زلزال 6 فبراير/شباط.
إلا أن ذلك النداء الإنساني الذي أطلقته الكارثة، كان له وقع خاص على سوريا، ذلك البلد الذي عُزل عربيًا بعد أحداث 2011 وما تلاها، مما أعطى دفعة قوية للجهود التي تنادي بعودة دمشق لأسرتها العربية، في مواجهة التغلغل الإيراني.
وبحسب محللين سياسيين، استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم، فإن الكارثة الإنسانية التي تعرضت لها سوريا نحت الخلافات السياسية جانبا، فيما سارعت البلدان العربية، لإرسال المساعدات إلى دمشق لإغاثة المنكوبين.
آخر تلك المساعدات، وصول سفينة مصرية مُحملة بمئات الأطنان من المساعدات الإغاثية إلى ميناء اللاذقية السوري، تضامناً مع سوريا وشعبها ووقوفاً إلى جانبها في هذه المحنة، بحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية.
ورغم أن يد العون إلى سوريا كانت ممدودة من كل الدول العربية، إلا أن مصر كان لها وقع خاص؛ فرئيسها عبدالفتاح السيسي أجرى في أعقاب الزلزال اتصالا هاتفيًا هو الأول له منذ قدومه إلى السلطة في 2014، بنظيره السوري بشار الأسد، أعرب خلاله عن تضامن القاهرة مع دمشق.
دلالات ومؤشرات
وحمل ذلك الاتصال دلالات عدة، وخاصة وأن العاصمة المصرية تستضيف جامعة الدول العربية، التي جمدت مقعد سوريا، بسبب أحداث 2011، مما دفع مراقبين إلى التنبؤ بإمكانية عودة سوريا إلى الحضن العربي مجددًا من بوابة القاهرة.
ويرى مراقبون أن الاتصال كان بمثابة تحول إيجابي في العلاقات المصرية السورية، مشيرين إلى أن المد التضامني مع دمشق قد يفتح الباب لاتصالات أوسع ومحادثات تمهد لعودة سوريا للجامعة العربية.
ذلك الاتصال أضيف إلى مؤشرات أخرى رجحت تلك التوقعات، بينها زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، العاصمة العُمانية مسقط، للقاء السلطان هيثم بن قابوس سلطان عمان، في ثاني زيارة له إلى دولة عربية (الإمارات) منذ عام 2011.
وتخلل المد تحرك عربي قادته دولة الإمارات التي كان لها السبق في استئناف العلاقات مع سوريا، والدعوة لعودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، لعدم تركها فريسة لتدخلات إقليمية ودولية.
وحول ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن زلزال سوريا المدمر سيمثل دفعة للجهود التي تنادي بعودة سوريا لأسرتها العربية، على أساس أن الاعتبار الإنساني الواضح للغاية يجعل من غير اللائق الاستمرار في عزلة سوريا.
خطوات هامة
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن: عودة سوريا إلى المحيط العربي، فكرة مطروحة منذ سنوات قبل الزلزال؛ فبعض الدول العربية خطت بالفعل خطوات هامة لإعادة هذه العلاقات مثل دولة الإمارات، بالإضافة إلى سلطنة عمان.
ورأى السياسي المصري أن "التأثير المحتمل للزلزال سيكون عاملا مساعدا، ما يعني أن الزلزال لم ينشئ توجها عربيا لإعادة العلاقات مع سوريا، لكنه سيقوي الاتجاه لعودة العلاقات مع دمشق على أساس أن هناك دوافع إنسانية تدعو إلى ذلك.
وأشار إلى أنه رغم أن قطع مصر العلاقات مع سوريا جرى في ظل نظام الإخوان البائد، إلا أن القاهرة لم تقد مبادرة رسمية، حتى الاتصال الهاتفي بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي، وبشار الأسد، الذي كان له مدلول سياسي واضح.
ويتفق الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، مع تأثير التضامن الإنساني كعامل مساعد على تهدئة التوترات بين سوريا ودول أخرى، وإعادة الأخيرة إلى محيطها العربي.
وقال الخبير السياسي في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "المقاربة الإنسانية في التعاطي مع أزمات سوريا، تفتح المجال لإعادة النظر من جديد في إعادة دمشق إلى الحاضنة العربية في مواجهة التغلغل الإيراني".
وأشار إلى أن المحنة الإنسانية تلاقت مع عدة تحديات؛ فسوريا تقع تحت طائلة العقوبات والعزلة من قبل المجتمع الدولى، بالإضافة إلى أن هناك معاناة كبيرة يتعرض لها الشعب السوري، زاد الزلزال من تداعياتها.
النفوذ الإيراني
وأكد الخبير بمركز الأهرام أن احتواء سوريا واحتضانها يقلل بلا شك من تغلغل النفوذ الإيراني فيها، وخاصة أن البعد العربي عن سوريا أتاح المجال لتدخلات إيرانية وإقليمية، مما أضعف المصالح العربية داخل سوريا بشكل كبير وأبعدها عن العرب والعروبة، مشيرًا إلى أن انهيار سوريا ليس في مصلحة أي طرف، وإنما يعزز الاختراقات غير العربية في سوريا، ويفاقم نفوذ داعش.
وطالب ببناء مقاربة جديدة مع سوريا تمنع التغلغل غير العربي، وتوقف ذوبان دمشق في إيران، وتضع نهاية لعودة داعش مجددا، مشيرًا إلى إمكانية فك عزلة دمشق في ظل المحنة الإنسانية الحالية.
وأوضح: من الضروري تبني مقاربة جديدة، ومحاولة تفعيل التسوية السياسية للأزمة، وإقناع النظام السوري بأنه حتى يعود مجددا لابد من تقديم تنازلات، والجلوس مع المعارضة، والاستعانة بالمرجعيات الدولية لتسوية الأزمة.
في السياق نفسه، قال المحلل السياسي اللبناني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، الدكتور خطار أبودياب، في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "الزلزال الذى ضرب تركيا وسوريا لم يسهم بشكل مباشر في إعادة تركيب المشهد الجيوسياسي، فقبله كان هناك سعي تركي للتطبيع مع دمشق".
بدوره، توقع المحلل السياسي اللبناني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والخليج العربي، نضال السبع، عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية قريبًا، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بوجود مقاربة جديدة للتعاطي والحوار مع سوريا.
وأكد المحلل السياسي اللبناني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والخليج العربي، أن دولة الإمارات تلعب دورًا أساسيا ومركزيا في هذا الإطار؛ نظرا لمكانتها بالمنطقة وقربها من المملكة العربية السعودية.
ضغط عربي
اتفق مع السبع، الكاتب والمحلل السياسي المصري، أحمد رفعت، والذي قال إنه لا مبرر واحد لبقاء سوريا خارج الجامعة العربية، مشيرًا إلى أن عدة دول تضغط من أجل عودة سوريا منها الجزائر ومصر واللتان رفضتا وجود المعارضة في مقعد سوريا بالقمة العربية في شرم الشيخ 2015.
وشدد رفعت في حديث لـ"العين الإخبارية"، على ضرورة توافق الدول العربية على عودة سوريا للجامعة، ومحاولة إقناع الدول الرافضة بتغيير موقفها، نظرا للوضع الراهن الذي يتطلب ضرورة توحيد الصفوف العربية.
مزيد من الوقت
من جهة أخرى، قال المحلل والكاتب السياسي السعودي والباحث في الشؤون الاستراتيجية، حمود الرويس، إن العلاقات السورية العربية ما زالت متباينة بين القبول بنظام الرئيس بشار الأسد والرفض له، على خلفيات ملفات كثيرة؛ أبرزها طريقة تعامل حكومته مع مواطنيها بعد أحداث 2011.
ورغم تأكيده على أن كارثة الزلزال حركت العالم والدول العربية ونحت الخلاف جانبا لصالح العمل الإنساني في سوريا، إلا أنها لن تحرك المياه الراكدة في العلاقات السورية مع الدول الرافضة للرئيس بشار الأسد؛ لأن الأسباب الرئيسة في الخلاف لا زالت قائمة، على حد قوله. واستبعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية قبل موعد قمتها القادمة.
aXA6IDMuMTQyLjEzMS41MSA=
جزيرة ام اند امز