الموت يحاصر سوريا.. "تراجيديا ثلاثية" من الزلزال والحرب والإرهاب
التقطت الرضيعة السورية "رغد" قطعة خبز بيدين صغيرتين، ووضعتها بين شفتيها، ليهتز عالمها الصغير بقسوة فجأة، وتجد نفسها في هوة سحيقة.
في هذه اللحظات المرعبة، ربما كانت صاحبة الـ18 شهرا، تسأل نفسها عن سر قطعة الخبز التي حولت العالم لجحيم فجأة، لكنها بالتأكيد لم تكن تعلم حجم مأساتها الحقيقي، وربما لن تعلمه لسنوات طويلة.
ورغم مسارعة رجال الإنقاذ في نقل الطفلة السورية رغد إسماعيل إلى بر الأمان من بين أنقاض منزلها الذي انهار بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، فجر الإثنين، لكن والدتها وشقيقتها وشقيقها قتلوا في الكارثة التي حلت بالبلاد.
وكأن سوريا التي بكت دما من حرب أهلية مزقت أوصالها على مدار ١٣ عاما، كانت تنتظر سببا آخر للموت والمعاناة، أو كانت بحاجة إلى زلزال لتكتمل ثلاثية "التراجيدية السورية"؛ الكوارث الطبيعية والإرهاب والحرب.
١٠٠٠ قتيل
ففي 59 ثانية فقط مدة الزلزال العنيف، قتل ألف شخص على الأقل في أنحاء سوريا في حصيلة جديدة غير نهائية، وفق ما أعلنت وزارة الصحة السورية وفرق إغاثة.
إذ أعلنت وزارة الصحة السورية ارتفاع عدد القتلى إلى 570 وإصابة 1403 آخرين، في حصيلة غير نهائية يتم تحديثها تباعاً من مناطق سيطرة الحكومة السورية.
وسجلت الوزارة هذه الإصابات في محافظات حلب (شمال) واللاذقية (غرب) وحماة (وسط) وطرطوس (غرب). فيما بثّت وكالة سانا الرسمية صوراً تظهر دماراً كبيراً في مدن عدة بينها جبلة واللاذقية، انهارت فيها مبان بأكملها موقعة خسائر بشرية وأضرارا جسيمة.
وفي مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة دمشق، أوردت منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني) ارتفاع عدد القتلى إلى 430 شخصاً وإصابة أكثر من ألف آخرين.
ورجّحت ارتفاع حصيلة القتلى مع "وجود مئات العائلات تحت الأنقاض" وسط "صعوبات كبيرة والحاجة لمعدات ثقيلة للإنقاذ".
وتعميقا للمأساة، أفاد مراسلو "فرانس برس" في شمال سوريا عن سقوط مبان بأكملها فوق رؤوس قاطنيها. وبدت الأضرار جسيمة في المناطق الأقرب إلى الحدود التركية مثل مدن أعزاز وجرابلس وجنديرس (شمال حلب) وسرمدا (شمال إدلب).
وكان مركز الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجة، منطقة قرب غازي عنتاب في جنوب شرق تركيا، ووقع عند الساعة 04,17 بالتوقيت المحلي (01,17 ت غ) فجر الإثنين، على عمق حوالي 17,9 كيلو متر، وفق المعهد الأمريكي للمسح الجيولوجي.
300 ألف قتيل
الألف قتيل هو عدد مرشح للارتفاع في الساعات والأيام المقبلة، ونتج عن ركن واحد في ثلاثية التراجيدية السورية، وهو الزلزال، لكن الموت داهم السوريين من ثغرات أخرى في السنوات الماضية.
ففي يونيو/حزيران الماضي، قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن ما لا يقل عن 306887 مدنيا قتلوا في سوريا خلال الحرب الأهلية التي بدأت في مارس/آذار 2011، أو ما يعادل نحو 1.5 بالمئة من عدد السكان قبل الحرب.
وبذلك بلغ المتوسط اليومي للقتلى، خاصة في فترة السنوات العشر الأولى من الحرب، 83 قتيلًا في المتوسط كل يوم، من بينهم 18 طفلًا، ما يعني أن يوم الزلزال، الإثنين، هو الأكثر دموية في البلاد منذ بداية الأزمات.
التقرير الأممي قال بوضوح أن هذه التقديرات لا تمثل "سوى جزء من إجمالي الوفيات"، لأنها تشمل فقط أولئك الذين لقوا حتفهم كنتيجة مباشرة للحرب وليس الوفيات غير المباشرة بسبب نقص الرعاية الصحية أو الطعام أو الماء. كما أنها لم تشمل الوفيات من غير المدنيين.
رعب الإرهاب
التراجيديا السورية شملت سنوات الرعب في مناطق متفرقة من البلاد؛ تلك السنوات التي بدأت باجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي مناطق واسعة في صيف 2014، واتخاذه الرقة عاصمة لخلافة مزعومة استمرت حتى ٢٠١٩، مستغلا الفراغ الأمني الكبير.
وتشير تقديرات صحفية وحقوقية إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في سوريا على يد عناصر تنظيم "داعش" الذين أظهروا دموية كبيرة، منها قطع الرؤوس بقسوة كبيرة.
وعلى سبيل المثال، قال تقرير سابق للمركز السوري للعدالة والمساءلة ومقره واشنطن، إنه تم اكتشاف ما يقرب من 6 آلاف جثة في عشرات المقابر الجماعية التي أقامها داعش في شمال شرق سوريا.
ويشكل هذا الرقم، وفق التقرير ما يقرب من نصف العدد الإجمالي للأشخاص المفقودين في الشمال الشرقي لسوريا.
aXA6IDE4LjE5MS4xOTUuMTA1IA== جزيرة ام اند امز