تأجيل أردوغان عدوانه على شمال سوريا.. إعلان خبيث لنوايا شريرة
أردوغان الذي أعلن رغبته في "التخلص" من الأكراد في سوريا يتحرك بحذر نحو هدفه المشبوه بمساعدة مليشيات الإرهاب.
حسابات وتوازنات جديدة يعاد صياغتها في شمال سوريا بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من المنطقة ذات الأغلبية الكردية.
إعلان ترامب أثار الجدل ونال معارضة واسعة من دول الغرب وحتى داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما تجلى في استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي قال في خطاب استقالته إنه "سيتنحى حتى يتمكن ترامب من تعيين وزير دفاع أفكاره متقاربة مع أفكاره".
في انتهازية معهودة، التقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، طرف الخيط مرحبا بالقرار الأمريكي في البداية كونه يفسح المجال لقواته لتنفيذ مخططاته العدوانية ضد الأكراد.
عاد أردوغان للتريث بنوايا خبيثة لا تخفى على المتابعين للشأن السوري معلنا الجمعة، تأجيل عدوانه المزمع على وحدات حماية الشعب الكردية شمال الفرات.
تأجيل عدوان النظام التركي بدا في ظاهره حفاظا على العلاقات مع الولايات المتحدة، وانتظارا لإجلاء القوات الأمريكية من المنطقة حتى لا يحدث "احتكاكات عسكرية"، لكن مراقبين يرون أن تأجيل أردوغان للعملية العسكرية يأتي بهدف إفساح المجال لعناصر تنظيم داعش الإرهابي القيام بدور تمهيد لدخول الجيش التركي.
إعلان خبيث
اللافت أنه قبل إعلان أردوغان بساعات شن مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي هجوما ضخما صباح الجمعة، استهدف مواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية في بلدة "هجين" بمحافظة دير الزور، شرقي سوريا.
هجمات داعش جاءت بعد أسبوع من سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على بلدة "هجين"، أبرز وأكبر بلدات الجيب الأخير الذي كان يسيطر عليه التنظيم الإرهابي في شرق سوريا بمحاذاة الحدود العراقية.
داعش، الذي يعاود ترتيب صفوفه ويوقظ خلاياه النائمة مع الإعلان الأمريكي الانسحاب من سوريا، يرى متابعون أنه سيمهد الطريق للجيش التركي الذي يستعد لحسم المعركة مع قوات سوريا الديمقراطية.
ورغم التنديد الدولي والعربي بانتهاكات أردوغان داخل سوريا، ودعوته أكثر من مرة إلى وقف نشاط قواته المشبوه في محيطه الإقليمي، إلا أن أردوغان يصر على تنفيذ مخططاته العدوانية بـ"التخلص" من الأكراد في الشمال السوري، بالتزامن مع تحقيق الاكراد نجاحات في محاربة تنظيم "داعش" وحفظ الأمن في المنطقة.
دعم مفضوح
يواجه أردوغان اتهامات متزايدة من سياسيين ودبلوماسيين خارج وداخل تركيا باحتضان تنظيمات إرهابية من بينها "داعش"، وتقديم كل أنواع الدعم والحماية لها منذ بداية الأزمة في سوريا.
فمن رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كليجدار أوغلو إلى القنصل التركي السابق لدى مدينة الموصل العراقية أوزتوك يلماز، مرورا بوزراء ومسؤولين في دول أخرى، وصولا إلى مقاتلين سابقين في صفوف تنظيم داعش نفسه.. العشرات من الشهادات والاتهامات تؤكد دعم أردوغان عناصر التنظيم الإرهابي، الذي يخوض معارك بالوكالة في سوريا ويتلقى كافة أشكال الدعم من أنقرة.
ويرى مراقبون أن العملية التركية التي ينوي أردوغان تنفيذها في شمال سوريا سيتم تأجيلها حتى بعد خروج القوات الأمريكية من المنطقة، وأن موعد انطلاقها سيكون مرتبطا بتقدم وسير المعارك التي سيخوضها التنظيم الإرهابي بدعم أردوغان ضد قوات سوريا الديمقراطية خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
الأكراد في المواجهة
كشف الخروج الأمريكي من سوريا الغطاء عن القوات الكردية وجعلها في مواجهة مباشرة مع تركيا وحليفها داعش الإرهابي في سوريا، بعد سنوات من الوجود الأمريكي الذي مثل عائقا أمام تركيا، التي تخشى من قيام منطقة كردية تتمتع بحكم ذاتي على حدودها الجنوبية.
ومع إعلان ترامب خروج قواته من سوريا حذر مجلس سوريا الديمقراطية، يوم الجمعة، من التهديدات العسكرية التركية بالمنطقة، وطلب مساعدة فرنسا لفرض حظر جوي في شمال سوريا لمواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة.
وفي مؤتمر صحفي عقد في فرنسا، أكد رياض درار وإلهام أحمد، الرئيسان المشتركان لمجلس سوريا الديمقراطية، أن التهديدات التركية "ستؤدي لمزيد من سفك الدماء".
وتابعا أن "التدخل التركي في سوريا يعطي مزيدا من حرية التحرك للفصائل المتشددة، لأنهم يجهزون أنفسهم للقتال مع قوات أنقرة".
وذكرا بأن "مأساة عفرين يمكن أن تتجدد، وما تفعله الفصائل المتشددة هناك معروف"، معتبرين أن تركيا تحتمي بـ"عقلية متشددة"، و"إذا امتدت مثل تلك العقلية ستعيد إنتاج تنظيم داعش الإرهابي".
وتسيطر القوات التركية مع فصائل سورية موالية منذ مارس/آذار الماضي على منطقة عفرين السورية ذات الغالبية الكردية في محافظة حلب، بعد عدوان شنته ضد المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم واشنطن.
وأجبر الهجوم على منطقة عفرين، وفق الأمم المتحدة، نصف عدد سكانها البالغ 320 ألفا على الفرار، ولم يتمكن العدد الأكبر منهم من العودة إلى منازلهم بعد.
توتر مرتقب
تتجه الأنظار إلى منطقة شمال سوريا خلال الفترة المقبلة وسط حالة التوتر الأمني في أعقاب الخروج الأمريكي من المنطقة البعيدة نسبيا عن قواعد وأماكن تمركز القوات الروسية وقوات النظام السوري التي تشاهد هذه التغيرات في ترقب حذر.
الإصرار التركي على التصعيد أكده وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الجمعة، معللا إرجاء بلاده العملية العسكرية بـ"تجنب الفوضى والنيران الصديقة"، مشيرا إلى أن "التأجيل لا يعني تغييرا في الرأي بشأن العملية العسكرية المزمعة."
في المقابل أعلنت القوات الكردية أن المعركة التي تخوضها ضد تنظيم داعش الإرهابي في شرق البلاد "مستمرة حتى الآن"، رغم إعلان واشنطن قرارها سحب جميع قواتها من سوريا.
وتحت وطأة القرار الأمريكي والتهديد التركي، يبحث أكراد سوريا عن حلفاء جدد أو داعمين دوليين لمساندتهم في المواجهة العسكرية الحتمية القادمة مع الأتراك وأذرع أردوغان الإرهابية في سوريا.
فرنسا التي يصف إعلامها أردوغان بـ"الديكتاتور" كانت محطة الأكراد الأولى في مواجهة أطماع النظام التركي ولكنها لن تكون الأخيرة بالتأكيد، خاصة مع السياسات العدائية التي بات الرئيس التركي يتبادلها مع العديد من الدول، ولا سيما الأوروبية منها.
معركة ليست سهلة
الإعلان الأمريكي المفاجئ الذي أربك حسابات الجميع دفع البعض إلى التصور بأن واشنطن أطلقت الضوء الأخضر لأنقرة كي تتصرف بحرية في شمال سوريا لـ"التخلص" من الأكراد، كما يزعم أردوغان.
لكن بالنظر إلى ما تمتلكه قوات سوريا الديمقراطية من خبرات واسعة على الأرض ومعدات أمريكية متطورة فإن المعركة لن تكون سهلة أمام أردوغان ومليشياته، ولا سيما بعد إقامة نقاط المراقبة في شمال سوريا قرب الحدود التركية، والتي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أنه تم إنجاز إقامتها، قبل أيام من إعلان ترامب الانسحاب.
تلك النقاط، التي طلبت تركيا من الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة على مدى أشهر عدم إقامتها، ليست السلاح الوحيد بيد الأكراد الذي يهدد أردوغان، ولكن كون هذه القوات التي تفوق أعدادها الـ20 ألف مقاتل تلقت التدريب والتسليح من الولايات المتحدة الأمريكية.. تجعل نوايا أردوغان واطماعه رهينة بتماسك الأكراد وتجاذبات المجتمع الدولي بشأن الملف السوري.