أنقرة وواشنطن.. نقاط مراقبة تفجر تسونامي التوتر شمالي سوريا
رغم كل ما يشاع حول التنسيق والتقارب بين واشنطن وأنقرة، حول مدينة منبج السورية، إلا أن الإحداثيات على الأرض تشي بعكس ذلك تماما.
رغم كل ما يشاع حول "التنسيق" و"التقارب" بين الولايات المتحدة وتركيا، حول مدينة منبج السورية، إلا أن الإحداثيات على الأرض تشي بعكس ذلك تماما، بل قد تتحول المنطقة إلى مسرح مواجهة.
- اجتماع لوزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا حول سوريا الشهر المقبل
- "سوريا الديمقراطية" تتقدم في الرقة بغياب روسيا وتركيا
ولعل أحدث مؤشرات التوتر التي تكاد تتحول لنزاع مباشر بين أنقرة وواشنطن، كان إعلان الأخيرة قرار تشييد العديد من أبراج المراقبة شمالي سوريا، "بهدف التركيز على هزيمة تنظيم داعش بسوريا، ومنع تسلل المجموعات الإرهابية إلى الأراضي التركية".
لكن هناك ما لا تقوله واشنطن، وقد يكون هو الهدف الحقيقي لخطوة من هذا النوع، وهو حماية حلفائها في "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من أي هجمات محتملة للجيش التركي.
طرح تؤيده جملة من المعطيات، فوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، أعلن أن جيش بلاده سيقيم نقاط مراقبة على الحدود الشمالية لسوريا.
ولفت ماتيس إلى أن القرار اتخذ بتعاون وثيق مع أنقرة، وأن "تركيا شريك مهم في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأن لبلاده مخاوف مشروعة حيال التهديد الإرهابي النابع من سوريا التي يحكمها نظام بشار الأسد".
كما أشار أيضا إلى أن تلك المواقع ستكون ظاهرة بوضوح ليعرف الأتراك أين هي بالضبط، وأن من بين الأهداف أيضا، الحد من التوتر بين قوات الجيش التركي ومجموعات "قسد"، ودعم المقاتلين الذين يحاربون "داعش" بسوريا.
قرار لم يخمد فتيل غضب أنقرة، بل حولها إلى بركان ثائر، إلى درجة أن الرئيس رجب طيب أردوغان، اتهم واشنطن بتعزيز وجودها العسكري شمالي سوريا.
فيما أعرب وزير دفاعه، خلوصي آكار، عن انزعاج بلاده من الوجود الأمريكي على الحدود السورية التركية، مطالبا واشنطن بقطع علاقاتها مع وحدات حماية الشعب الكردية.
أما وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو، فدعا واشنطن إلى مراجعة أولوياتها شمالي سوريا، نحو تطبيق خارطة الطريق المتعلقة بمنبح السورية حتى نهاية العام الحالي.
أنقرة وسيناريوهات الرعب
في المقابل، يتملك الرعب أنقرة التي تدرك جيدا أن القرار الأمريكي محمل في باطنه، بسيناريوهات قد تهدد أمنها القومي بشكل مباشر، وهذا ما يفسر تحذيراتها وتهديداتها في موضوع شرق الفرات، وإعلانها أنها لا تحتاج نقاط مراقبة أمريكية من هذا النوع تحميها من الهجمات الإرهابية.
كما تدرك أنقرة جيدا أن القوات الأمريكية ستتحول إلى قوات حماية وفصل بين مجموعات "قسد" والجيش التركي، وأن أمنها القومي سيتعرض للخطر من الناحية الجنوبية، في إطار سيناريوهات تحول المشروع الكردي إلى كيان مستقل يقتطع من الأراضي السورية.
ومن هنا، ما فتئت أنقرة تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية ارتدادات خطوة من هذا النوع على الملف السوري، وعلى مسار العلاقات التركية الأمريكية، وتذكير واشنطن بأنه لا مجال للمقارنة بين علاقاتها معها ومع «قسد»، ودعوتها للتخلي عن قرار حماية هذه المجموعات.
كما لوحت أيضا بأنها لن تتردد في القيام بعملية عسكرية واسعة في منبج وشرق الفرات، في حال شعرت أن مصالحها في خطر.
رسائل مشفرة
أنقرة تدرك جيدا أن القيادة الأمريكية ترمي لتوجيه أكثر من رسالة تعنيها، مفادها أن أي مغامرة عسكرية تركية في شرق الفرات بعد الآن، ستواجه بخطوات أمريكية سياسية وميدانية عسكرية.
فالوضع القائم اليوم، في شرق الفرات يختلف تماما عن غربه، ولولا الدعم الأمريكي ـ السياسي والدبلوماسي ـ لأنقرة حول إدلب، لما كانت تركيا حصلت على ما تريده بهذه المنطقة، ولما كانت موسكو رضخت لتفاهمات سوتشي.
كما أن الجنود الأمريكيين لم يكونوا في معركة إدلب وعفرين في غرب الفرات، لكنهم ينتشرون بكثافة هذه المرة في شرقه، ولذلك، فإن الجنود الأتراك لن يدخلوا في مغامرة القيام بعملية عسكرية برية أو حتى استهداف شرق الفرات جوا وسط هذه الظروف والمعطيات.
يضاف إلى ذلك أن فرض معادلة أمنية ميدانية جديدة في مناطق شمال شرق سوريا، تشكل أولوية بالنسبة للقوات الأمريكية.
وكذلك قطع الطريق على المشروع الإيراني في سوريا، عبر محاولة ربط نفوذه في العراق بوجوده في سوريا، والاقتراب من ساحل البحر المتوسط.
أمر آخر تفضحه المعطيات على الأرض، وهي أن مقولة إنجاز تركيا لبناء جدار أسمنتي بطول 711 كلم على حدودها مع سوريا، بهدف منع تسلل الإرهابيين، لم تقنع واشنطن التي أكدت من خلال الممارسات الميدانية أنها لا تهتم سوى بما تقوله وتريده هي في شمال شرقي سوريا، وبحماية مصالح شركائها المحليين هناك.
كما أن القوات الأمريكية باقية في سوريا، لأن بين مهامها أيضا توفير الغطاء العسكري اللازم للسياسيين خلال مناقشات التفاهمات الكبرى في سوريا.
لا ثوابت أمام الأهداف
باختصار، ورغم ما نسب إلى نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي حول إصرار أنقرة على نقل تجربة غرب الفرات إلى شرقه، فالواضح هو أن التمسك الأمريكي بقرار إقامة 5 نقاط مراقبة على حدود تركيا كخطوة أولى، يؤكد مرة أخرى حقيقة مذكرة التفاهم الموقعة بين واشنطن و"قسد".
تفاهم يشمل تدريب 30 ألف عنصر تابع لـهذه القوات الكردية العربية لمحاربة داعش، وتمسك واشنطن بمواجهة التمدد الإيراني، والتحرك نحو حل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب السوري.
أما أنقرة فتعرف جيدا حجم التحركات العسكرية والسياسية الأمريكية شمال وشرقي سوريا في العام الأخير، وأن واشنطن لن تتراجع عن استراتيجيتها السورية الجديدة المتعددة الجوانب والاتجاهات، حتى ولو كان الثمن التفريط بالكثير من الحسابات والثوابت.
كما تعرف تركيا أيضا أن خياراتها في لعب الأوراق الأمريكية والروسية والإيرانية والأوروبية كلها دفعة واحدة في التعامل مع الملف السوري، تتراجع وتتقلص.
وأنقرة التي حتى لو دخلت في مواجهة سياسية واسعة مع واشنطن بسبب أزمة تسليم طائرات أف ـ 35 الأمريكية، وتمسكت بصفقة صواريخ إس – 400 الروسية، تدرك أن موضوع شمالي سوريا بات مسألة أساسية في استراتيجية واشنطن السورية والإقليمية معا.