عفرين والقصف التركي.. منعطف جديد للأزمة السورية
من جديد يتأجج الصراع بين الأطراف المتنازعة في سوريا؛ نظرًا لأهمية المدينة وموقعها الاستراتيجي بين إدلب وحلب والحدود التركية.
قرابة 70 قذيفة استهدفت أجزاء من مدينة عفرين السورية، بعد ساعات قليلة من بداية القصف المدفعي التركي على المدينة شمال غرب سوريا.
بعبارة "عملية عفرين بسوريا بدأت فعليًا بالقصف عبر الحدود" أعلن وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، اليوم الجمعة، الهجوم العسكري على عفرين، مؤكدًا أن العملية ستتم دون تأخير بمعاونة المعارضة السورية.
جاءت العملية العسكرية تزامنًا مع تراجع واشنطن عن إنشاء قوة عسكرية قوامها الأكراد شمال سوريا.
ومن جديد يتأجج الصراع بين الأطراف المتنازعة في سوريا؛ نظرًا لأهمية المدينة وموقعها الاستراتيجي بين إدلب وحلب والحدود التركية.
عفرين.. بوابة التدخل التركي
على ضفتي نهرين عفرين تقع المدينة السورية لتوازي تركيا من الشمال والغرب، وحلب من الشرق، وإدلب من الجنوب الغربي. عفرين تصل مساحتها لنحو 3850 كم2، حيث تضم بلدات جندريسة وبلبلة وشرا وراجو وشية وعفرين، إضافة إلى 350 قرية.
موقع المدينة منحها أهمية في الصراع السياسي والميداني، وبمنطقة ميدانكي تكونت بحيرة بعد إقامة سد 17 نيسان منذ 13 عاما، من هنا أصبحت البحيرة مركز اصطياف للزوار وسكان المدن القريبة. كما تحتوي المدينة على قلعة سمعان والجسور الرومانية وتل عين دارة وقلعة النبي هوري.
رغم أن مساحتها تشكل 2% من مساحة سوريا، إلا أن لها دورا اقتصاديا كبيرا بإنتاج الكروم والحمضيات وزيت الزيتون.
الرغبة التركية في السيطرة على عفرين تعود إلى أن التواصل الجغرافي بين جرابلس والفرات والبحر المتوسط يقطع الطريق على جميع أكراد سوريا في التواصل سويًا.
قال فراس الخالدي، ممثل شباب الحراك الثوري: "ذريعة تركيا للتدخل عسكريًا في عفرين هو حماية حدودها والتخلص من الإرهاب، بينما تكمن حقيقة التدخل في عفرين من أجل تقويض قوة الأكراد في الشمال السوري".
رغبة سابقة
تحركات الجيش التركي وتصريحات المسؤولين الأتراك خلال الأشهر الماضية، كانت مقدمة للتدخل العسكري في الشمال السوري، أكد رجب طيب أردوغان الرئيس التركي، نية بلاده اجتياح منطقة عفرين الكردية؛ نظرًا لتمركز قوات سوريا الديمقراطية هناك، وهو ما تعتبره أنقرة خطورة كبيرة على سياستها الداخلية.
وقامت تركيا بنشر عشرات المدرعات والأسلحة الثقيلة بجانب مئات الجنود على الحدود بين إدلب وعفرين، إضافة لإنشاء 3 قواعد عسكرية على حدود عفرين.
ورغم أن اتفاقية خفض التصعيد كانت تمهيدا للحل السياسي في سوريا، إلا أن تركيا استغلت مشاركتها في الاتفاقية بنشر قوات في 14 نقطة بمحافظة إدلب، وهو ما أدى لتصاعد وتيرة العنف في إدلب ونزوح 100 ألف سوري خلال أيام قليلة.
تعهدات الأتراك السابقة بالدفاع عن حدودها، واصفة الأكراد بالمسلحين، كان دليلا على النية المبيتة لدى الحكومة التركية للتدخل البري والقصف المدفعي لشمال سوريا.
التدخل العسكري في عفرين، فسره الخالدي في تصريحات لـ"بوابة العين"، قائلًا: "إعلان واشنطن الذي تراجعت عنه مؤخرًا بشأن إنشاء قوة عسكرية، دفع القوات التركية لبدء التحرك العسكري على الفور"، موضحًا أن مناطق شمال سوريا ستصبح نقطة صراع مقبلة بين الأطراف المتنازعة.
أطماع واشنطن ممتدة
"المسؤولون خانهم التعبير"، بهذه العبارة نفى ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي، وجود أي نية لإنشاء قوة عسكرية قوامها الأكراد شمال سوريا.
ورأى الخالدي تغيرا في الموقف الأمريكي من التدخل المباشر إلى التحرك للحل السياسي، موضحًا أن مفاوضات جنيف والمحادثات المقبلة هي الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأمريكية حاليًا.
وأكد البنتاجون في بيان أن الدعم الأمريكي بالتدريب والأسلحة للأكراد لن يتوقف، مشيرًا إلى أن استمرار الدعم مرتبط بالحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي.
وفي الوقت نفسه، أشارت قوات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، إلى تشكيل قوة أمنية حدودية بنحو 30 ألف عنصر تأمين لشرق سوريا.
وتبقى حماية الحدود السورية تحسبًا لعودة مسلحي داعش، هي الحجة التي تلجأ لها الأطراف للتدخل المباشر في سوريا.
تهديد النظام السوري زائف
بمجرد تلميح تركيا للتدخل العسكري، أعلن النظام السوري عن رد فعل مباشر ضد القوات التركية، مهددًا بضرب الطائرات التركية في حال اقتحام القوات لمجال سوريا الجوي.
وعقب القصف المدفعي التركي لعفرين، لم يتضح موقف النظام السوري بعدُ بشأن المواجهة المباشرة مع القوات التركية أو توجيه ضربات على الحدود السورية-التركية.
واعتبر فراس الخالدي في تحليله للموقف السوري من قصف عفرين، أن المصلحة تتغلب على الاختلافات السابقة، مفسرًا بأن ضرب الأكراد وتقويض قوتهم قاسم مشترك بين النظام السوري المدعوم من إيران وتركيا.
النفوذ الكردي
النفوذ الكردي في الشمال السوري وتحديدًا في عفرين تزايد بشكل أكبر عقب تحرير الرقة من أيدي داعش، خاصة وأن ثلث أبناء منطقة عفرين شاركوا في تحرير الرقة ضمن وحدات حماية الشعب الكردي.
بعد إعلان تركيا التوجه لعفرين، توجه آلاف المقاتلين من الرقة لعفرين؛ بهدف الدفاع عن مناطقهم وقراهم الكردية.
عفرين المدينة الكردية بلغ عدد سكانها بحسب إحصائية 2012 نحو 523 ألف نسمة، وأصبحت الملاذ الآمن لعدد من النازحين من حلب وأعزاز، ليصل عدد السكان أكثر من مليون نسمة.
وقالت روجهات روج، المتحدثة باسم الوحدات في عفرين: "إن القصف المدفعي على عفرين يعد أعنف الضربات التي وجهتها تركيا منذ تصعيد أنقرة تهديداتها ضد الأكراد".
ولكن الإصرار الكردي لحماية الشمال السوري، دفع المتحدثة لتوعد تركيا بهجوم قوى ضد هجماتها على عفرين.
الحل الأمثل
وأشار ممثل الحراك الثوري السوري، إلى أن إنشاء أي قوة عسكرية أجنبية لا يقدم حلولا للأزمة السورية، مؤكدًا ضرورة التعامل مع الأكراد كجزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وإخراج جميع المليشيات الإيرانية الخطوات الأولى لإنهاء الصراع السوري.