نصر الباغوز.. هل انتهت دولة داعش؟
أرض الباغوز تطهرت ولكن ماذا تحت الأرض؟ ماذا عن الذين تمكنوا من الفرار عن طريق المهربين الأتراك مقابل آلاف الدولارات إلى تركيا؟
يكاد يجمع المحللون والمراقبون ومن قبلهم الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا وقيادات قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت نهاية دولة الخلافة، السبت الماضي، في آخر جيب له بباغوز السورية، على عنونة الانتصار بـ"الانتصار العسكري والجغرافي" ومضمون يختصر القضاء على داعش بعملية مستدامة، ونصر ناقص مع وجود الأدمغة الداعشية، التي أثبتت ضراوة أشد من القتال العسكري، انعكس على ردود فعل الفارين من عوائل التنظيم الإرهابي، ومستسلمين من مقاتليه، خاصة الداعشيات اللاتي تصدرن عناوين الصحف في العنف والشراسة والانتقام والثأر، وأيضاً عبر روايات المختطفات الإزيديات عما عانين منه، أضف إلى ذلك قصص الأطفال الذين تم غسل أدمغتهم كلياً ومحاطون بهالة من الفكر التكفيري.
بعد النصر بيوم
إذن بيان النصر لحد كبير تدارك الخطأ الذي وقع فيه العراق، بإعلان مبكر للانتصار على داعش، العراق وعلى لسان مختصيه من الباحثين في شؤون الجماعات الإرهابية أكدوا أن العراق وقع في أخطاء كثيرة ولم يتهيأ لليوم التالي من إعلان النصر، كانت هناك حاجة ماسة إلى فهم كيفية المرحلة التي تلي إعلان النصر؛ حيث إن رئيس الحكومة العراقي السابق حيدر العبادي أعلن النصر المطلق على داعش في ديسمبر/كانون الأول 2017، لكنه تراجع في مارس/آذار 2018، وقال كان نصراً عسكرياً، وبالتالي النصر يحتاج أن يتبع بمصالحة مجتمعية، بعدالة انتقالية، وعودة النازحين ..التعريف بالآخر، الاعتذار من الآخر، تشجيع المجتمعات على أن تتعايش بعيداً عن الفكر التكفيري، ومحاكمة عادلة للدواعش والإرهابيين، والأهم إعادة تأهيل من اقتصر انتماؤهم للتنظيم على الجانب الاعتقادي.
لكن كل هذه الأمور تبدو غاية في الصعوبة في بلد يعاني من أعقد أشكال الحرب منذ 8 سنوات، لذا ما يمكن أن يتحقق في العراق من مشروع إكمال النصر، يبدو عصياً في الجارة سوريا، وحصراً في منطقة تحيط بها الأخطار، تهديد مزدوج باجتياح تركي من طرف، والنظام من الطرف الآخر، مع جهوزية تامة للأدمغة المفخخة من مشاريع أشبال الخلافة والآلاف المعتقلين الداعشيين ومخيم دويلة الهول الداعشية، كل ذلك سينتعش في أول خلخلة للأوضاع وتغيير في الأحوال.
وتتوالى السيناريوهات المحتملة لمصير الدواعش، ولا تزال الكثير من الفرضيات والتساؤلات تطرح نفسها على الساحة، فمع الإصرار الأمريكي على مغادرة منطقة شرق الفرات وسحب قواتها العسكرية منها، لا يزال الغموض يلف مصير عناصر وقادة من التنظيم البالغ عددهم أكثر من 8 آلاف عنصر وقيادي، ممن يوجدون لدى قوات سوريا الديمقراطية في سجونها ومعتقلاتها من جنسيات سورية وعربية وإقليمية ومغاربية وآسيوية وغربية- إن رفضت دولهم استعادتهم أو استقبالهم- مما يضع القضية في خانة مغلقة، فقوات سوريا الديمقراطية ليست لديها القدرة على استصدار أحكام إعدام أو أحكام سجن طويلة الأمد، في الوقت الذي لا توجد فيه سجون كافية ومجهزة لقضاء العقوبات التي تقرها، كما أن عدم استقرار المنطقة يزيد المسألة تعقيداً، نتيجة التهديدات التركية المستمرة بعملية عسكرية في شرق الفرات.
وبحسب مراقبين فإن هناك آلاف الإرهابيين الأجانب يمثلون أزمة لدولهم، ولكنهم يمثلون أزمة أيضاً في المنطقة، فإذا كانت أعداد الأوروبيين تقدر بما بين 4 و6 آلاف، فإن هناك 40 ألف داعشي حسب بعض تقديرات مركز الإرهاب في الأمم المتحدة من دول عربية وإسلامية، بعضهم هرب وتسرب إلى زحام المدنيين، أو يفكر في العودة لبلاده.
وإذا رفضت أوروبا تسلم مواطنيها من الإرهابيين، فهناك أكثر من احتمال لمصائرهم، منها أن ينتقلوا إلى مناطق أخرى لليبيا، أو يختفوا مؤقتاً في العراق أو سوريا، وبعضهم هرب إلى باكستان أو أفغانستان، ليتحولوا إلى مرتزقة ينفذون عمليات لمن يدفع.
وما زالت هناك خلايا نائمة للتنظيم في المناطق التي تم تحريرها، والفكر الداعشي الذي انتشر في المنطقة التي كانت تحت سيطرة داعش، يعتبر تحدياً لا يحل بالسلاح، كما أن الكثير من الدواعش وعائلاتهم نقلوا إلى إدلب وجرابلس وأعزاز والباب، وما كان عليهم إلا أن يخلعوا لباسهم الأفغاني، ويتحولوا إلى مجاهدين وثوار دواعش بلباس آخر، هناك الآلاف من الأطفال الذين تربوا على ذهنية داعش في مخيمات النازحين في مناطق شمال وشرق سوريا، إذا لم تتم إعادة تأهيلهم وبالتالي دمجهم في مجتمعاتهم الأصلية فهم جميعهم مشاريع إرهابيين.
وبحسب مسؤولين في الإدارة الذاتية فإن الآلاف من المقاتلين بالإضافة إلى أطفال ونساء من 54 دولة ما عدا السوريين والعراقيين، يشكلون عبئاً كبيراً وخطراً أكبر ليس فقط على مناطق شرق الفرات إنما على المجتمع الدولي.
وأحصت قوات سوريا الديمقراطية خروج أكثر من 66 ألف شخص من مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع العام، بينهم خمسة آلاف داعشي على الأقل تم اعتقالهم. كما تمكن آخرون من الفرار، وبين الخارجين عدد كبير من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم، كثيرون بينهم من الأجانب، ممن جرى نقلهم إلى ثلاثة مخيمات للنازحين في شمال شرق سوريا، أبرزها مخيم الهول الذي يؤوي أكثر من 72 ألف شخص، بينهم 25 ألف طفل على الأقل في سن الدراسة، وفق لجنة الإنقاذ الدولية.
داعش واقع وليس افتراضا
إذن بأي حال من الأحوال داعش ما زال هو واقع حال، أرض باغوز تطهرت ولكن ماذا تحت الأرض؟ ماذا عن الأنفاق والكهوف؟ ماذا عن الذين تمكنوا من الفرار عن طريق المهربين الأتراك مقابل آلاف الدولارات إلى تركيا؟ ماذا عن الهاربين عن طريق عناصر من جيش النظام إلى صحراء تدمر؟ وعن طريق العشائر العابرة للحدود السورية العراقية، إلى صحراء الأنبار؟ يضاف ذلك إلى الخلايا النائمة وبقايا التنظيم في صحراء الأنبار العراقية التي يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة آلاف داعشي يتنقلون في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في العراق وهي الأنبار، وأطراف كركوك وجبال حمرين بديالى، أما في سوريا فإلى جانب 72 ألف لاجئ في مخيم الهول غالبيتهم نتاج دولة داعش وفارون من الباغوز، فهنالك حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان 4 مناطق في البادية السورية لا يزال يوجد بها التنظيم، وجبل أبوالرجمين هي الأكبر ومساحتها تعادل 40% من مساحة لبنان، وهي ممتدة على رقعة جغرافية كبيرة، ووجود من 4000 – 5000 عنصر متوارين في قرى وبلدات ومدن خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ممن تسللوا في أوقات سابقة إلى هذه المناطق وشكلوا خلايا نائمة بعضها يتبع تنظيم داعش، والبعض الآخر يتبع جهات إقليمية أو مدفوعاً منها، لتنفيذ عمليات فوضى في المنطقة واستهداف قوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرتها.
أضف إليهم من اجتمع مع داعش في المنهج التكفيري الذي ينتشر على مختلف الجغرافيا السورية، مثلاً مناطق درع الفرات التي تسيطر عليها مليشيات متشددة أبرزها القوى العسكرية التركمانية كالحزب الإسلامي التركستاني غالبيتهم من الإيغور الصينيين أتت بهم تركيا إلى سوريا وفرقة السلطان عبدالحميد وفرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد، إضافة إلى العديد من الفصائل التركمانية الأخرى وفصائل عربية ومن الجيش الحر، كلها مدعومة من تركيا والممتدة على طول الحدود السورية مع تركيا ما عدا شرق الفرات الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، والتي تهددها تركيا بشن حرب ضدها.
تركيا والدور الخبيث
وبحسب صحيفة حرييت التركية، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد عرض على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تتولى تركيا مسؤولية نقل 800 مسلح من تنظيم داعش من الأوروبيين لدى قوات سوريا الديمقراطية، إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي تسيطر عليها في شمال سوريا، ومعروف أن لتركيا علاقات مع قيادات داعش منذ صفقة القنصلية في الموصل 2015.
وتشير المعطيات على الأرض أن هناك من هم أكثر دموية من داعش وأن المعركة المقبلة تتمثل في أعتى وأخطر بؤر الإرهاب والمتمثلة بإدلب، التي تضمنها تركيا، وفق اتفاقية أستانة بين إيران وتركيا وروسيا وتشكيلة الضامنين لوقف النزاع في سوريا.
وتتوزع خريطة التنظيمات الإرهابية في إدلب كالتالي:
هيئة تحرير الشام: كانت تسمى "جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة سابقاً قبل أن تغير اسمها إلى هيئة تحرير الشام.
جيش البادية والملاحم: هما فصيلان جهاديان صغيران، ولاؤهما الأول والأخير لتنظيم القاعدة الأم، انشقا عن هيئة تحرير الشام في أواخر عام 2017، بسبب انفصالها عن تنظيم القاعدة.
الحزب التركستاني الإسلامي هي جماعة من الموالين القدماء لتنظيم القاعدة، نشأ في مقاطعة شينجيانغ شمال غرب الصين ولكن لها وجود راسخ في سوريا.
بقايا دواعش وفصائل أخرى من بينها الفصيل الإسلامي حركة أحرار الشام التي استولت هيئة تحرير الشام على قواعدها في إدلب في يوليو/تموز 2017، وحركة نور الدين زنكي، جيش الأحرار، فيلق الشام، وجيش العزة (جزء من الجيش السوري الحر،) بالإضافة إلى فصائل أصغر.
غالبية هؤلاء من المقاتلين الأجانب جاءوا عن طريق تركيا ومدعومون من تركيا بحسب الوثائق والتقارير الاستخبارتية والصحفية الدولية، وهذا يعني إمكانية استثمارهم مع توفر الدراية والخبرة في التعامل مع هذه التنظيمات التي دخلت كل تركيا وقطر مبكراً على خط التشابك معها.
لذا سيكون الانتهاء من أي تنظيم تكفيري يتوقف على تجفيف منابع الدعم الآتي من الحدود الشمالية السورية التي تخطط تركيا للمرحلة التالية منها باقتراح المنطقة الامنة المشروطة بأن تكون تحت سيطرتها بمبرر عودة النازحين تارة وتارة أخرى حماية أمنها القومي، تركيا تدرك جيداً أن استثمارها الإرهاب ساعدها في إيجاد موطئ قدم لها بأي حل مستقبلي في سوريا، تركيا تدرك جيداً أن المقاتل الأجنبي أكثر خطورة من المتمرد المحلي المتمثل بالمعارضة السورية وجناحها العسكري الجيش الحر، لذا صدرت ما بوسعها من الإرهابيين إلى الداخل السوري وهذا الدور لم يقتصر بالتأكيد على الدواعش التي ضربت بهم الكرد وأرقت تطلعاتهم في سوريا بأن يكون لهم دور في مستقبل البلاد.
داعش والفصائل الأخرى المدعومة من تركيا ستبقى الخطر الأكبر، بحسب خبراء عسكريين، فإن المتطرفين الأجانب ونظراً لدوافعهم الأيديولوجية التي دفعتهم لترك بلادهم والتورط في صراع عسكري في بلد آخر، بحثاً عن الجهاد أو الشهادة على حد اعتقادهم، هذه الدوافع تزداد بمرور الوقت، وتحقيق بعض الانتصارات، خاصة أن الأجنبي مع مرور الوقت والتحالف مع فصائل محلية كالنصرة أو فصائل إرهابية عابرة للحدود كداعش، يتولد لديه شعور كاذب بالانتماء لهذه الأرض، وما يزيد هذه الحالة أن المقاتل الأجنبي في الأغلب لا يفكر في العودة لوطنه الأصلي، إما بسبب رفضه له من البداية أو خوفاً من الملاحقة القضائية، ومن دوافع التوحش في أفعال المقاتل الأجنبي أنه لا يوجد رابط إنساني مع المواطن المحلي، كقرابة أو انتماء قبلي أو عشائري، المقاتل الأجنبي يتعامل بعقيدة التكفير.
تركيا كانت ولا تزال بشكل أو بآخر تدعم جميع الفصائل المسلحة في سوريا، ومعنية باستمرار الأزمة السورية، فتركيا مدفوعة بأحلام إعادة الإمبراطورية العثمانية، على حساب الشمال السوري والشمال العراقي وامتداد النفوذ إلى آسيا الوسطى، وحتى أفريقيا والخليج العربي، وكانت الخطوة الأولى الاستيلاء على شمال سوريا واحتلال مناطق عنونتها تركيا بأسماء غزوتها في الشمال السوري، وهي مناطق درع الفرات وغصن الزيتون عن طريق مرتزقة من بعض فصائل المعارضة الإسطنبولية، يقودها وكلاء من فصائل أجنبية، التركمان هم حصان طروادة الذين دخلوا من خلاله الشمال.
في النهاية الأكراد دفعوا ثمن أضغاث أحلام السلطان العثماني ولسان حال الأكراد يقول "نحن تحملنا مسؤولياتنا وقمنا بواجبنا تجاه مجتمعنا وتجاه منطقتنا ووطننا وتجاه العالم أجمع، بدفع ثمن باهظ قدمنا تضحيات جسام، لدينا أكثر من ١١ ألف شهيد من قواتنا قادة ومقاتلين، كما سقط ضحايا مدنيين كانوا هدفاً لإرهاب داعش، كما أصيب أكثر من ٢١ ألف مقاتل بجراح وإصابات مستديمة في الحرب على داعش، هذا كان بدل حماية مناطقنا من داعش ومن مجازره ومن فكره، وعلى المجتمع الدولي أيضاً تحمل مسؤولياته ويشاركنا في حمل هذا العبء، ودرء الخطر".
من جهته استبق التنظيم الإرهابي خسارته بنشر تسجيلات في الأيام الأخيرة على حساباته على تطبيق تليجرام، دعا في إحداها عناصره الى "الثأر" من الأكراد في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق سوريا، كما دعا أنصاره إلى شن هجمات في الغرب ضد أعداء "الخلافة"، إذن المشهد الأخير سيكون أطول من زمن مسرحية داعش نفسها.
** روشن قاسم: كاتبة كردية
aXA6IDMuMTQ5LjI1MC4xOSA=
جزيرة ام اند امز