لاجئو سوريا في لبنان.. لا أرض تأوي جثث النازحين
هيثم طعيمي قال إن السوريين لم يعودوا يمتلكون حقهم الطبيعي في الحداد أو توديع أقاربهم الموتى.
مقابر الأطفال سهلة التمييز.. فمستطيل من 4 كتل خرسانية يكفي لاحتواء جسد الطفل بأكمله.. لا توجد أسماء على رخام المقبرة، مجرد عشب ذابل يصدر صوتاً ناعماً مع النسيم في وادي البقاع بلبنان.
في مقبرة "الرحمة" بلبنان لا يوجد سوى شاهد قبر لطفل لاجئ سوري واحد فقط يحمل علامات.. اسم الطفل ليس مقروءاً على الصخرة التي حُفر عليها بأداة خشنة تعكس علامة والد يائس.
يقول مسئول المقبرة، حسني شقيف، وفقاً لما أوردته صحيفة "إندبندنت" البريطانية، إن القبور الصغيرة الموجودة على الجانب جميعها تحتضن أطفالاً وجمعيهم سوريون تقريباً، موضحاً أن هناك العديد من الأطفال يُدفنون في الأركان أو على الجوانب أو بين القبور الأخرى، وفي أي مساحة متاحة.
وصل عدد السوريين الفارين من بلادهم بعد الحرب الممتدة منذ 6 سنوات إلى 5 ملايين سوري، بينهم أكثر من مليون مسجلون بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، فيما بلغ عدد سكان لبنان قبل الحرب 4 ملايين مواطن.
فى الوقت الحالي تعاني عائلات الموتى السوريين في لبنان مشقة كبيرة للعثور على مكان لدفن أحبابهم، فيما يضطر آخرون منهم لترك موتاهم لأسابيع أو أشهر في مشرحة المستشفيات، بينما يبحثون عن مقابر تحتضنهم.
يكافح السوريون هناك لجمع ما يكفي من الأموال لدفع تكاليف المستشفيات، وفي بعض الأوقات يحملونهم في صناديق كرتونية أو في صناديق سيارات الأجرة، ويحفرون المقابر بأياديهم العارية.
لكن في بعض الأوقات، تتفاوض المنظمات غير الهادفة للربح مع البلديات، للمشاركة في بناء القبور، لكنها مكتظة بشكل متزايد بسبب العدد الكبير للسوريين.
تتراوح تكلفة الدفن بين 200 إلى 300 دولار، وتشمل الغُسل والأكفان وشواهد القبر، لكن المتبرعين، مع الأسف، قليلون، وفقاً للصحيفة.
وقال هيثم طعيمي، مؤسس جمعية خيرية تساعد السوريين على إيجاد قبور ودفع ثمنها، إن السوريين لم يعودوا يمتلكون حقهم الطبيعي في الحداد أو توديع أقاربهم الموتى.
ولا توجد معلومات شاملة عن معدلات الوفاة بين اللاجئين السوريين في لبنان، لكن مفوضية شؤون اللاجئين احتسبت نحو 2087 حالة وفاة في 2015، على الرغم من أن من المرجح أن يكون الرقم أعلى بكثير نظراً لتزايد السوريين وقيود الإبلاغ.
وقال المتحدث الرسمي باسم المفوضية، إنه بينما يعلمون المشكلات المتعلقة بإيجاد أماكن للدفن، وبينما لا يمكن للمنظمة تقديم المساعدة فيما يتعلق بإجراءات الدفن، إلا أنها تقدم المشورة للعائلات وتحاول توصيلهم بالمنظمات غير الهادفة للربح، التي يمكن أن توفر لهم المساعدة.
وأوضح أنه عندما يتم تنبيه المفوضية بمشكلات محددة تطلب من شركائها المحليين مساعدة اللاجئين على حل هذه المشكلة عبر الحوار، مشيراً إلى أن السلطات المحلية والدينية والشركاء المحليين والمحليات في لبنان من بين الأطراف الذين قد يقدمون المساعدة للاجئين لحل هذه المشاكل.
ويعترف المسؤول في هيئة الأوقاف الإسلامية، وليد لويس، بأن المشكلة بلغت حد الأزمة، لكنه قال إنه "حتى عندما تشتري الحكومة قطعة أرض لإنشاء مقبرة غالباً ما يرفض الجيران السماح بالدفن".
ويرد "طعيمي" بأن الناس لا يرغبون في وجود مقابر بجوار منازلهم: "إنها خرافة شهيرة.. إنهم يحبون الحياة ولا يريدون أن يفتحوا نوافذهم ويتذكروا الحياة الآخرة"، ويقول إنه يجب إخفاؤهم عن الأنظار على الرغم من أن "الموتى هم الجيران الأفضل، لأنهم لن يفعلوا أي شيء لإلحاق الأذى بك أبدًا".
وتوصلت بعض البلديات اللبنانية إلى حلول، من بينها السماح للسوريين الذين يعيشون في معسكرات اللاجئين في مدنهم بدفن موتاهم في منطقة محددة من المقبرة مع إبعاد الغرباء.
وتستضيف مدينة العمرية اللبنانية نحو 15 ألف لاجئ سوري إلى جانب 7 آلاف لبناني، ويحتل الموتى السوريون نصف المقبرة المحلية.
وقال محمد الأحمد ، عمدة المدينة، إنها "أزمة حقيقية"، متابعاً القول: "تخيل أن يأتيك شخص لا يجد مكاناً لدفن عزيزه القتيل، وعندما يسألك أين أذهب بقريبي الميت؟ أنا شريد في سوريا ولا يمكنني حتى دفن قريبي هنا.. لا تعرف ماذا تفعل.. يجب أن يمتلك مكاناً للدفن بالطبع".
ومن كوارث هذة المعاناة أيضاً، أن اضطر رجل سوري، رفض ذكر اسمه، لحمل والده في ظهر شاحنة صغيرة لساعات حتى تمكن من إيجاد مكان لدفنه دون نعش في مقبرة في وقت متأخر من الليل، وسار الرجل بعيداً مغالباً دموعه وهو يقول "لا يريدون منا سوى أن نلقى بموتانا في الشوارع".
ووصف متطوع في جمعية شبابية يدعى سعد نايل الأمر بالكارثة والمعاناة، وقال إنهم اضطروا لدفن رجل يبلغ من العمر 50 عاما، ظل في المشرحة 40 يومًا.
وغالبًا ما تحتجز المستشفيات الجثث إذا لم تمتلك الضحية أوراقًا أو تدين الأسرة بأموال للمستشفى، ويقول حسني شقيف إن هناك رجل وصل في سيارة أجرة كان يحمل نجله في صندوق كرتوني.
وأضاف أن "صندوق كرتوني وليس حتى نعشًا خشبيًا.. صندوق كرتوني ربما احتوى على بطاطس أو أحذية بداخله.. لقد رأيت ذلك بنفسي.. والأب هناك يحفر بيديه ليدفن طفله.. إنه أمر مفجع".
aXA6IDE4LjE5MS4xODkuMTI0IA== جزيرة ام اند امز