اللاجئون السوريون يعدون أنفسهم للبقاء في مصر
الكثير من اللاجئين السوريين فقدوا رغبتهم في العودة إلى بلادهم أو السفر لأوروبا ويمهدون لإقامة دائمة في مصر التي تقدم لهم تسهيلات
بعد 5 سنين من مجيئه لمصر، أقام السوري محمد أمين مخبزا في شرفة منزله في القاهرة كمشروع يساعده على الاستقرار في مصر، وتخلى مثل عشرات من اللاجئين السوريين غيره، عن حلم الهجرة إلى أوروبا أو حتى إلى سوريا.
وحين وصل أمين (43 عاما) وأسرته الى مصر في 2012، كان معظم تفكيره أن تكون القاهرة مجرد محطة قبل الانتقال والاستقرار في أوروبا.
ويوجد أكثر من 120 ألف لاجئ سوري في مصر مسجلين لدى المفوضية العليا لشئون اللاجئين، بحسب الأرقام الصادرة في نهاية فبراير/شباط 2017، لكن الحكومة المصرية تقدر عددهم بنصف مليون، خاصة وأن العديد من السوريين لا يسجلون أنفسهم كلاجئين لدى المفوضية، وذلك بخلاف أعداد أخرى تدخل مصر بشكل غير شرعي عبر المنافذ الحدودية.
ويقول أمين: "قدمت أوراقي لإعادة التوطين في دول أوروبية عدة وانتظرت دوري".
وسبق أمين في الحصول على الموافقة للسفر إلى كندا وهولندا اثنين من جيرانه في مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) المكتظ الآن بالسوريين.
لكن الرياح أتت بما لا يشتهي الخباز، حيث يقول أمين وهو يمسك ابنته ندى البالغة عامين: "أصدقائي الذين سافروا للسويد وألمانيا أخبروني أن الحياة ليست وردية كما كنا نتوقع، هناك عنصرية، والثقافة الغربية مختلفة عن ثقافتنا الإسلامية والعربية بشكل كبير حتى لو كان مستوى المعيشة أفضل".
وبنى أمين الفرن باستخدام الطوب الحراري في الشرفة الضيقة التي يبلغ عرضها بالكاد مترا واحدا، مضيفا مادة عازلة بينه وبين الحائط لتفادى أي حريق.
مسؤول أممي: السيسي أبلغني باستمرار مصر في استضافة اللاجئين
ومع اكتشاف صعوبات التأقلم في الغرب وسد الطريق أمام اللاجئين بتوقيع الاتحاد الأوروبي اتفاقا للهجرة مع تركيا في 2016 أغلق طريق البلقان، قررت مئات الأسر الاستعداد لبقاء طويل في مصر.
ويؤكد الناطق باسم المفوضية العليا للاجئين في مصر طارق أرجاز أن "سوريين أقل يغادرون مصر الآن".
ويوضح ذلك بالأرقام قائلا إن "السوريين شكلوا 1% من أعداد الموقوفين أثناء محاولات الهجرة غير الشرعية من مصر في العام 2015، وهو انخفاض حاد مقارنة بعامي 2013 و2014 عندما كانوا يشكلون أعلى نسبة بين هؤلاء".
ويفسر أرجاز هذا التراجع بـ"حسن معاملة الحكومة المصرية لهم وتأقلمهم مع الوضع، إضافة الى أن بعض التوتر في أوروبا تجاه اللاجئين".
وللسوريين في مصر الحق في الالتحاق بالمدارس الحكومية والحصول على الخدمات الطبية الأولية بشكل مدعم مثل المصريين، وهو أمر يشعرهم براحة كبيرة، بحسب أرجاز.
ويقول أمين: "لا أشعر أنني لاجئ في مصر. اللغة والعادات والتقاليد واحدة".
وتقول حماته أم الهيثم: "أشعر بأنني أعيش في بلدي".
وبعد مقتل 6 مسلمين أثناء أدائهم الصلاة في مسجد في كيبك الكندية مطلع العام الجاري، بات كثيرون من السوريين يرون في مصر ملاذا آمنا.
وبين هؤلاء أيمن (42 عاما) الذي يقول: "حين سمعت بهجوم كيبك شعرت بالخوف وقلت لنفسي: على الأقل هنا يمكنني الذهاب للمسجد في أمان".
ويقول المحامي يوسف المطعني: "كنت أستقبل حوالي 10 أسر سورية أسبوعيا للمساعدة في تسريع الإجراءات القانونية لإعادة التوطين خارج مصر. وتراجع العدد خلال الشهور الماضية حتى وصل إلى صفر حاليا".
ويقول مسؤول مصري مطلع على ملف السوريين طلب عدم ذكر اسمه: "في كل الأحوال مصر لن تقول لهم ارحلوا مهما طالت مدة إقامتهم"، مشددا على أن "مصر لا تعاملهم كلاجئين".
وفي إشارة إلى أن مصر ستستقبل كذلك أعدادا أكبر من السوريين للتمهيد لبقاء طويل، قال المسؤول إن بلاده باتت توافق أخيرا على العديد من طلبات لمّ الشمل التي تقدمها الأسر السورية بعد سنوات من الرفض لأسباب أمنية، وهو ما أكده أرجاز وثلاث أسر سورية.
ولمّ الشمل المقصود به استقدام بقية أفراد العائلة التي يوجد جزء منها في مصر وجزء خارجها.
وكما لم يعد السفر إلى أوروبا وكندا خيارا مطروحا أمام اللاجئين، كذلك ليس مطروحا لديهم العودة إلى بلدهم سوريا.
وتعيش العديد من الأسر السورية على تلقي مساعدات خيرية شهرية؛ لذا يسعى أولئك الذين قرروا البقاء في مصر إلى تأمين مصادر دخل ثابتة.
فبعد 29 سنة من الانشغال بالكرة لاعبا ووكيلا للاعبين، قرر السوري محمد فواز (44 عاما)، تغيير مهنته وفتح محل لبيع الملابس بالمشاركة مع رجل أعمال سوري ليستطيع أن يؤمّن دخلا لأسرته.
وجاء محمد إلى مصر مع أسرته في سبتمبر/أيلول الماضي "كمحطة ترانزيت" قبل التوجه لأوروبا حيث تقيم شقيقتاه.
لكنه لاحقا غيّر رأيه لأن "كل الذين سافروا حذروني من وهْم السفر لأوروبا".
وداخل محله الجديد، يقول محمد بارتياح: "لم أعد اتعامل مع مصر كمحطة ترانزيت بل قررت أن اعتبرها موطن إقامة دائما". إلا أن زوجته صفاء لا توافقه الرأي.
وتقول وهي تحمل ابنتهما رقية: "أريد أن نرحل إلى أوروبا من أجل مستقبل أبنائنا. فرص التعليم والنجاح هناك أكبر، فحاضرنا شبه مدمر والأهم الآن مستقبل الأولاد".
لكن محمد يحسم الجدل قائلا: "المجتمع هنا يتكلم لغتنا ويفهمنا ويتقبلنا. فلماذا الرحيل؟".
وغير معروف نتائج بقاء هذه الأعداد في مصر التي يعاني اقتصادها منذ أحداث يناير 2011 التي انتهت بتنحي الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك عن الحكم، وتسعى إلى الحد من زيادة عدد السكان.
وإضافة إلى السوريين، استقبلت مصر لاجئين من جنسيات عدة، وخاصة العراق وليبيا واليمن والسودان ودول إفريقية أخرى، وقدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في تصريحات متكررة أن مصر بها 5 ملايين لاجئ.
وسبق أن دعا مسؤولون في ألمانيا والنمسا والمجر والمفوضية الأوروبية مصر إلى إنشاء مخيمات أو مراكز لاستقبال المزيد من اللاجئين، خاصة أولئك الموجودين في أوروبا وتراهم عبئًا عليا، أو المهاجرين غير الشرعيين القادمين من إفريقيا ودول أخرى ويريدون أن يهاجروا إلى أوروبا عبر السواحل المصرية والليبية.
وفي لقائه مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، خلال زيارتها للقاهرة مارس/آذار الماضي رفض السيسي إنشاء مخيمات، قائلا إن اللاجئين يعيشون بين المصريين بشكل طبيعي، لكن لم يتضح بشكل صريح موقفه من استقبال أعداد جديدة من اللاجئين المرحلين من أوروبا أو القادمين من إفريقيا، ومناطق الصراع.
aXA6IDE4LjIyNC41Mi4xMDgg
جزيرة ام اند امز