"طالبان" والصعود الخاطف.. سلطة ما بعد السقوط
من الظهور إلى الصعود الخاطف ثم السقوط والعودة مجددا.. خط بياني بنقاط ارتكاز حادة تختزل مسار طالبان؛ الحركة التي تستعد لتستعيد حكم أفغانستان.
صعود خاطف يعيد الأذهان إلى العام 1996 حين سيطرت الحركة على البلاد، وحكمتها قبل أن يدحر التدخل الأمريكي عرشها في 2001، ثم ينسحب في 2021، ما منحها ثغرات أمنت لها طريق العودة إلى الحكم.
والأسبوع الماضي فقط، تنبأ محللو الاستخبارات الأمريكية بأن سقوط الحكومة المدنية الأفغانية في كابول أمام مسلحي حركة طالبان سيستغرق على الأرجح عدة أسابيع أخرى. لكن في الواقع، لم يتطلب الأمر سوى بضعة أيام فقط.
والأحد، استعاد مسلحو الحركة السيطرة على العاصمة الأفغانية، بعد نحو عقدين على طردهم منها على أيدي القوات الأمريكية، بحسب شبكة "سي إن إن".
ورغم تمويل وتجهيز قوات الأمن الأفغانية، فإنها لم تظهر مقاومة كبيرة مع سيطرة طالبان على أجزاء كبيرة من البلاد بعد بداية الانسحاب الأمريكي بداية يوليو/تموز الماضي.
وقبل يومين، هرب الرئيس الأفغاني أشرف غني من البلاد، متخليًا عن القصر الرئاسي لمسلحي طالبان.
وأقر المسؤولون الأمريكيون بالفعل بسوء تقديرهم للسرعة التي تمكنت بها طالبان من إحراز تقدم في البلاد، حيث قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن قوات الأمن الوطنية الأفغانية: "حقيقة الأمر أننا رأينا أن تلك القوة لم تتمكن من الدفاع عن البلاد.. وحدث ذلك بشكل أسرع مما توقعنا".
وأثار الصعود السريع لطالبان تساؤلات بشأن سبل تمكنها من السيطرة على البلاد بمجرد سحب القوات الأمريكية، وبعد نحو 20 عاما من صراع في أطول حرب أمريكية.
من هي طالبان؟
بتشكيلها عام 1994، تألفت طالبان من مقاتلي المقاومة الأفغان السابقين، المعروفين بـ"المجاهدين"، الذين قاتلوا القوات الأفغانية في الثمانينيات، وكانوا يستهدفون فرض تفسيرهم للشريعة الإسلامية، والتخلص من أي نفوذ أجنبي.
وبعد سيطرة طالبان على كابول في 1996، فرضت الحركة قواعد صارمة.
وكان يتعين على النساء ارتداء ملابس تغطيهن من الرأس حتى أخمص القدمين، ولم يكن مسموح لهن بالدراسة أو العمل، وكن ممنوعات من السفر بمفردهن، وكانت الموسيقى والعطلات غير الإسلامية ممنوعة أيضًا.
لكن تغير ذلك بعد 11 سبتمبر/أيلول لعام 2001، عندما اختطف 19 رجلا أربع طائرات تجارية بالولايات المتحدة ليصطدموا بها ببرجي مركز التجارة العالمي، وواحدة بالبنتاجون، والأخرى المتجهة إلى واشنطن، بحقل في بنسلفانيا. وقتل أكثر من 2700 شخص بالهجمات.
ودبر زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن الهجوم، والذي أداره من داخل أفغانستان الواقعة تحت سيطرة طالبان آنذاك.
وبعد أقل من شهر على الهجوم، غزت القوات الأمريكية والحليفة أفغانستان، بهدف ردع طالبان عن توفير ملاذ آمن للقاعدة، ووقف التنظيم عن استخدام البلاد كقاعدة عمليات للأنشطة الإرهابية.
وعلى مدار حوالي 20 عامًا منذ الإطاحة بطالبان من السلطة، شنت الحركة عمليات تمرد ضد القوات الحليفة والحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيا.
من قادة الحركة؟
يقود حركة طالبان المولوي هيبة الله أخونزاده، وهو رجل دين بارز من الجيل المؤسس لطالبان، وتم اختياره زعيما للحركة عام 2016 بعد مقتل الزعيم السابق الملا أختر محمد منصور خلال غارة جوية أمريكية في باكستان.
وحينها، قال توماس روتيج من شبكة المحللين الأفغان إن الزعيم الجديد للحركة قد يتمكن من "دمج الجيل الأصغر الأكثر تشددا"
واللاعب الرئيسي الآخر هو الملا عبدالغني بردار، المؤسس المشارك، الذي أطلق سراحه عام 2013 بعد إلقاء القبض عليه عام 2010 في كراتشي، أكبر مدن باكستان. ويترأس بردار اللجنة السياسية للحركة.
في عام 2017، أصدرت طالبان خطابا مفتوحا للرئيس الأمريكي المنتخب حديثا وقتها، دونالد ترامب، مطالبة إياه بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وبعد سنوات من المفاوضات، وقعت طالبان وإدارة ترامب أخيرًا اتفاق سلام عام 2020، ووافقت الولايات المتحدة على سحب القوات وإطلاق سراح حوالي 5 آلاف سجين من طالبان.
بينما وافقت طالبان على اتخاذ خطوات لمنع أي جماعة أو أفراد، من بينهم القاعدة، من استخدام أفغانستان في تهديد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها.
بلغ العنف في أفغانستان أعلى مستوياته خلال عقدين من الزمان، وزادت طالبان من سيطرتها على مساحات أوسع نطاقا من البلاد، وبحلول يونيو/حزيران من هذا العام، تنازعت أو سيطرت على ما يقدر بـ50 إلى 70% من الأراضي الأفغانية خارج المراكز الحضرية، بحسب تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
الهدف ومصدر القوة
حاولت طالبان تقديم نفسها على أنها مختلفة عن الماضي، وقالت إنهم ملتزمون بعملية السلام وحكومة شاملة، ومستعدة للحفاظ على بعض الحقوق للنساء.
وقال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين إنه سيتم السماح للنساء بمواصلة تعليمهن من الابتدائي حتى التعليم العالي، وهو كسر للقواعد عما كان عليه حكم طالبان بين 1996 و2001، مضيفا أن الدبلوماسيون والصحفيين والمؤسسات غير الربحية يمكنهم مواصلة العمل بالبلاد.
لكن يقلق العديد من المراقبين من أن عودة حكم طالبان هي بمثابة عودة أفغانستان 20 عاما للوراء، عندما كانت حقوق النساء مقيدة تماما.
وعلى مدار العقدين الماضيين، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار في أفغانستان. ودربت الجنود والشرطة الأفغانية، وزودتهم بالمعدات الحديثة.
وفي فبراير/شباط الماضي، بلغ عدد القوات الأفغانية 308 ألف جندي، بحسب تقرير مجلس الأمن الصادر يونيو/حزيران من العام نفسه، وهو عدد أكبر بكثير من عدد مقاتلي طالبان المسلحين، الذي يتراوح ما بين 58 ألفا إلى 100 ألف. لكن في النهاية، أثبتت القوات الأفغانية أنها لا تضاهي طالبان.
وقال كارتر ملكاسيان، مستشار سابق لرئيس هيئة الأركان المشتركة بالولايات المتحدة، إن القوات الأفغانية كانت تفتقر في بعض الأحيان للتنسيق، وعانت من تدني الروح المعنوية، وكلما ألحقت بها هزيمة، كلما ساءت روحها المعنوية، وكلما زادت جرأة طالبان.
واشنطن وعودة طالبان
حتى يوليو/ تموز الماضي، اعتقد مسؤولون كبار في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن انهيار الحكومة المدنية في كابول قد يستغرق أشهرا، لكن الآن يضغط المشرعون الأمريكيون من أجل تقديم أجوبة ومعلومات بشأن كيف أساءت الاستخبارات تقدير الموقف على الأرض.
وأعرب المسؤولون الأمريكيون عن استيائهم من عدم قدرة الحكومة الأفغانية، التي سقطت، على حماية مدن رئيسية ومناطق من طالبان، بالرغم من وضع استراتيجية لفعل ذلك خلال تواصلهم مع بايدن وقادة أمريكيين كبار آخرين.
aXA6IDE4LjIxNy4yMDguMjIwIA== جزيرة ام اند امز