ظلت هذه الأراضي رخوة بين سري كانييه وتل أبيض لغياب وجود كتلة بشرية حقيقية مكثّفة، باستثناء عدد من القرى العربية المشتتة.
في الشريط الحدودي الكردي السوري مع تركيا، تفكك المجتمع أكثر من مرة، بسبب التغيرات العسكرية والسياسية التي طرأت على المنطقة، وبسبب المحاولات المتعاقبة على تفكيك المجتمع والوقوف أمام الاتحاد الجغرافي الكامل للمدن والبلدات الكردية السورية. عمليات التغيير الديموغرافي التي استهدفت المنطقة الحدودية في سوريا، بدأت مع نشوء الجمهورية العربية المتحدة، التي استولت على أراضي عائلة إبراهيم باشا المللي بين مدينتي سري كانييه وتل أبيض، وأراضي عوائل كردية ثانية في تل أبيض، كانت هذه العملية أول عملية تغيير ديموغرافي في سوريا، نتج عنها تفكك جزئي لإقليمي الجزيرة العليا وكوباني الكرديين.
حولت تركيا الجماعات الجهادية المتطرفة من القاعدة وجماعات ثانية إلى جيش سوري حر، ووفرت لهم غطاء سياسياً متمثلاً بتنظيم الإخوان المسلمين، وما عمليات القتل والسطو المسلح والنهب والتهجير القسري إلا استمرار لمنهجية هذه الجماعات المتطرفة، والتي يصل بها، عبرها، إلى الخطّة التركية، الساعية إلى إحلال الوجود الكردي في سوريا.
والحال أن إمكانية نجاح فكرة التغيير الديموغرافي التركية في المنطقة الحدودية، بحاجة لإزالة البنية التحتية الحالية، وبناء بنية جديدة، مجتمعية وعمرانية على حدودها، هذا ما يبرر الهجوم التركي العنيف، جوياً، على مدينة سري كانييه.
ومطلق الأحوال أن بناء مدن وبلدات جديدة بين مدينتي سري كانييه وتل أبيض، وإعادة توطين ملايين اللاجئين السوريين فيها، وغالباً يكون هؤلاء اللاجئون من المجموعات البشرية الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، فإن تركيا مع حفاظها على الفكرة الاستعمارية القائمة على تأسيس المدن الحديثة الملائمة لمشاريعها التوسعية، فإنها تقضي على أي إمكانية لوجود بقعة جغرافية تجمع الكرد في سوريا، وتقضي على أي محاولة وسعي نحو فيدرالية أو حكم ذاتي محتمل للكرد في سوريا.
ظلت هذه الأراضي رخوة بين سري كانييه وتل أبيض لغياب وجود كتلة بشرية حقيقية مكثّفة، باستثناء عدد من القرى العربية المشتتة في تلك الجغرافيا، وبالتالي فهي حيز جغرافي مفيد لأي مشروع استعماري توسعي، وقد لا تكون عواقب الاحتلال التركي الفعلية لمنطقة تل أبيض وسري كانييه على الحدود واضحة في هذه المرحلة، ذاك أن تركيا تؤسس لحرب ربما تتكون من أربع مناطق وأكثر، لتقوم باحتلال كامل الشريط الحدودي.
والمشروع التركي، غالباً، لا يتوقف على هذه المنطقة الجغرافية فحسب، فتركيا التي تعيش على كابوس الوجود الكردي، لا تضمن الخلاص منه، إلا بإقامة ممر يضمن مكاناً جغرافياً دائماً لمؤيدي وجنود تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، تبدأ هذه الفكرة من سري كانييه وصولاً إلى تخوم اللاذقية. هذا الممر ربّما يتحول إلى تورا بورا جديدة، مع فوارق غياب الكهوف والجبال الكثيفة.
فإلى جانب شرقي الفرات، تحاول تركيا عبر ذراعها السورية تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، تشكيل جمعيات سكنية لعوائل المليشيات الإسلامية التابعة لها، بعد أن قامت بتوطينهم محل العوائل الكردية في مدينة عفرين. لم تحافظ تركيا على هذا الوجود الجغرافي فحسب، بل تحاول تدريجياً بناء مجمعات سكنية في عدة مناطق شمالي سوريا، وبالتالي إعادة تأهيل البنية المجتمعية على حدودها، وبالتالي تحول المنطقة الكردية إلى ثلاث جزر غير مترابطة الحدود.
الفارق الجوهري في هذه المسألة، أن الكرد ليسوا في هزيمة سياسية وعسكرية تضاف إلى سجل هزائم وخسائر كثيرة في تركيا والعراق وسوريا وإيران، ذلك أن هذه الجماعة البشرية، اليوم، تصير من ضمن الجماعات المهددة بحرب إبادة عرقية. ما تريده تركيا فعلياً من المنطقة أن تزيل المجتمع الكردي كاملاً، وتعوضه بمجتمع إسلامي متطرف. بمعنى آخر، تركيا تؤسس لحيز جغرافي متطرف دينياً، يشكل خطراً حقيقياً على المنطقة عموماً، فضلاً عن إنهاء فيزيائي لقومية تعيش على أرضها.
ختاماً؛ حولت تركيا الجماعات الجهادية المتطرفة من القاعدة وجماعات ثانية إلى جيش سوري حر، ووفرت لهم غطاء سياسياً متمثلاً بتنظيم الإخوان المسلمين، وما عمليات القتل والسطو المسلح والنهب والتهجير القسري إلا استمرار لمنهجية هذه الجماعات المتطرفة، والتي يصل بها، عبرها، إلى الخطّة التركية، الساعية إلى إحلال الوجود الكردي في سوريا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة