على مضض تابعتُ خطاب الشيخ تميم، وكم كنتُ أشفقُ على حاله وهو يقلب الحقائق، ويضربُ أخماساً بأسداس.
ما إن بدأ الأمير تميم حديثه أمام المجتمع الدولي حتى تكشفت من حيث لا يدري سوءات النظام الذي يقوده بالوكالة؛ ليبدأ في التبخر على طريقة الخدع السينمائية ثم يتحول هباء تذروه الرياح.
مقولة "سارق وزعيم" التي كنا نحسبُها مجازاً جسدها الشيخ تميم واقعاً على منبر الأمم المتحدة؛ مع أن سعيه لربط قطر بمحاربة الإرهاب التي هي صانعته ضرب من العبث لا تكون الزعامة واللصوصية إذا ما قورنا به نقيضين.
تابعتُ خطاب الشيخ تميم، وكم كنتُ أشفقُ على حاله وهو يقلب الحقائق، ويضربُ أخماساً بأسداس، إذ يعي هو أكثرَ من غيره أن لا أحدَ في القاعة ولا خارجها يساوره أدنى شك في أن ما يلوكه بلسانه لا علاقة له بالواقع، وأنه خطابٌ صيغَ بليل في مخدع عزمي
كانَ مضمونُ الخطاب غريبا إلى أبعد الحدود، فما كنتُ لأتصور يوماً أن يقف الشيخ تميم على رؤوس الأشهاد، ليتشدق بمحاربة الإرهاب، وليحثَ زعماء العالم على الاستقرار والسلم الدوليين؟ ذلك أن دولته قطر غارقة حتى الودجين، في تمويل الإرهاب ودعم المتطرفين، وتحشرُ أنفها في شؤون أشقائها، في تآمر مكشوف على أمنهم واستقرارهم.
على مضض تابعتُ خطاب الشيخ تميم، وكم كنتُ أشفقُ على حاله وهو يقلب الحقائق، ويضربُ أخماساً بأسداس، إذ يعي هو أكثرَ من غيره أن لا أحدَ في القاعة ولا خارجها يساوره أدنى شك في أن ما يلوكه بلسانه لا علاقة له بالواقع، وأنه خطابٌ صيغَ بليل في مخدع عزمي.
شرد ذهني لبرهة، بحثاَ في الذاكرة عن الخطاب المشابه..آه.. نعم تذكرته، وهو ليس بالبعيد طرحاً عن تميم، إنه حليفه السابق سيف الإسلام القذافي.
مرّ أمامي شريط الأحداث وذلك الخطاب الذي عصف بصاحبه سيف الإسلام وأبيه معمر القذافي، وبمشروعه، وبليبيا في بدايات الثورة، حين كان البعض يتوقع أن ينعكس مشروع "ليبيا الغد" الذي كان يحمله سيف الإسلام في ذلك الخطاب ليجنب ليبيا الكارثة.
الأيام دولٌ؛ فقطر التي كانت تحمل لواء الكارثة التي حلت بليبيا بعد ذلك الخطاب؛ ها هو أميرها يتجرع الكأس ذاتها ويقع في الخطأ نفسه؛ بالكذب على نفسه وعلى العالم أجمع؛ والتعنت وضرب مطالب الأشقاء بعرض الحائط.
ومن سخرية القدر أن المكان الذي وقف فيه الشيخ تميم ليسمع العالم كذبه هو المكان نفسه الذي وقف فيه القذافي ومزّق ميثاق الأمم المتحدة، وحاضر العالم حول الديمقراطية.. وهنا أذكر أن عبد الرحمن شلقم حدثني أن ذلك الخطاب كان نهاية معمر القذافي عند المجتمع الدولي، فهل يكون حال الشيخ تميم كذلك بعد هذا الخطاب؟
استوقفتني أول فقرة في خطاب الشيخ تميم وهي أن حفظ السلم والأمن الإقليمي والدولي يمثل أولوية في السياسة الخارجية القطرية ـ يا للعجب ـ وأن قطر تستند في مبادئها وأهدافها إلى ميثاق الأمم المتحدة وقواعد الشرعية الدولية الداعية إلى التعاون البناء بين الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحسن الجوار، وتعزيز التعايش السلمي، واتباع الوسائل السلمية لتسوية النزاعات.
هنا وددت أن أكون بجنب الشيخ تميم لأسأله: ماذا تقول في جلوس الأمير الوالد الشيخ حمد مع القذافي ليتآمر على الشقيقة المملكة العربية السعودية؟، وماذا تقول في التآمر على شقيقتكم وجارتكم مملكة البحرين ومكالمات حمد بن جاسم مع المعارضة فيها لقلب نظام الحكم؟، وماذا تقول في دعم قطر لتنظيم الإخوان المصنف تنظيما إرهابيا في الدول المقاطعة لكم؟، وماذا تقول في دعم قطر للجماعات الإرهابية في ليبيا وسوريا ومصر؟، وماذا تقول في أكاديمية التغيير التي كنتم تدربون فيها الشباب للانقلاب على حكامهم؟، وماذا تقول في إعلامكم المؤجج للصراعات في العالم والناشر للطائفية والداعم للجماعات الإرهابية؟ أيعقل أن تتحدث بوصفكم أمير قطر عن حفظ السلم والأمن الدوليين وأنت الوالغ في دماء الأبرياء على امتداد الخارطة العربية؟.
وبكل ثقة يخاطب الشيخ تميم العالم، معتبرا أنه بعد الحرب العالمية الثانية ورواندا وبروندي والبلقان في القرن الماضي أصبح إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب هو القاعدة وليس الاستثناء... ما الذي يدعوكم سمو الأمير للعودة للقرن الماضي؟ أليس في الحاضر كفاية أدلة؟، وأنتم من مولتم سفك الدماء في ليبيا وسوريا ومصر وتونس واليمن، في هذا القرن أنتم من شرد الملايين من بني جلدتكم في سوريا وليبيا.. أنتم من دعمتم ميليشيا فجر ليبيا ومجلس ثوار بنغازي والجماعة الليبية المقاتلة وجميع الكتائب المتطرفة التي عاثت في ليبيا فسادا، وأنتم من دعمتم جبهة النصرة وأخواتها من الجماعات المتطرفة في سوريا.
ويواصل الشيخ تميم في اتهاماته مدعيا أن حيازة دول المقاطعة للمال أهّلها للضغط على دول أخرى للمشاركة معها؛ وهي التي يجب أن تحاسب دوليا على ما قامت به، هنا أوجّه لسمو الشيخ سؤالا آخر: ألم تكن حيازة قطر للمال هي ما أصابها بجنون العظمة وتضخم الأنا؟ ألم يتدخل المال القطري في جميع صراعات العالم؟
لم يسكت الشيخ تميم عند هذا وليته سكت؛ ليمضي إلى اتهام الدول المقاطعة بعدم تقديم الأدلة ورغم عدم صدقية هذا الادعاء إلا أن رجل الشارع البسيط لا يحتاج لأدلة على أن قطر تدعم الإرهاب؛ فقطر قدّمت بنفسها على طوال العشرين عاما الماضية أدلة دامغة على نفسها؛ لكني أعطيكم دليلا بسيطا على دعمكم للإرهاب انظر يا سمو الأمير لمن يقف معكم خلال هذه الأزمة، ستجد أن أعداء الإنسانية هم السواد الأعظم لمن يساندكم وهم تنظيم الإخوان والحركات الإرهابية المتطرفة ونظام الملالي، وجميع من لا يريد الخير للأمة العربية والإسلامية.
أبشر يا سمو الأمير.. سيذوق رجالٌ مُر ما صنعوا، والأيام دول، ولم يشتك الضرب ضارب نفسه.
حفظ الله دولة قطر وشعبها الكريم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة