كورونا يغير طعم الشاي في الخرطوم.. الأرصفة تبكي محبيها
بيع الشاي على الطرقات من أبرز المشاهد التي تميز العاصمة الخرطوم وغالبية المدن السودانية، وتعرف محلياً بـ"الجنبات".
لم تكن زينب جمعة، إحدى بائعات الشاي بوسط العاصمة السودانية الخرطوم، تتحسر على توقف مصدر رزقها الوحيد جراء التدابير الاحترازية لكورونا، بقدر فقدها زبائنها والتغيب عن مزاولة هذه المهنة التي تشعرها بمتعة خاصة، بعد عقود من العطاء.
ولم يتبق لزينب من نكهة الشاي سوى ذكريات جميلة تدور في مخيلتها، وسط حالة من التفاؤل بغد مشرق يقودها لمعانقة الأرصفة مجدداً لتواصل مسيرة العطاء طلباً للزرق ومؤانسة الزبائن في نهارات وليالي الخرطوم الدافئة.
واختفت زينب ورفيقاتها في مهنة بيع الشاي الرائجة بالسودان عن الأرصفة والنواصي في العاصمة الخرطوم بسبب التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وبدت الأمكنة حزينة لفقدهن، حيث لم تعتد فراقهن على مدى عقود مضت.
وتحكي زينب لـ"العين الإخبارية" قصة شغفها بهذه المهنة لدرجة دفعتها لأن تعد الشاي لأفراد عائلتها في الحجر المنزلي على مدار اليوم، رغم ممانعة بناتها المستمرة لهذا الأمر، إذ يرغبن في أن تستريح والدتهن خلال فترة حظر التجوال الشامل.
وتبدو مهنة بيع الشاي مقدّسة لزينب، لكونها شكلت لها طوق نجاة عندما فرت إلى الخرطوم قبل عقدين من مناطق النزاع المسلح بجنوب كردفان، فاستقبلتها الأرصفة ومكنتها من الوفاء باحتياجات أطفالها الخمسة، وفق روايتها.
ورغم قتامة المشهد، تنتابها حالة من التفاؤل بانتهاء أزمة كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها، وتعود هي مجدداً لمواصلة مسيرة العمل الحر، كسباً للرزق الحلال، ومعانقة مجتمع السوق الذي يمثل لها "العائلة الكبرى".
وليس البائعات وحدهن من تأثرن بمفارقة حنين الأرصفة، بينما يمتد ذات الشعور لغالبية السودانيين من أصحاب المزاج العالي وعشاق احتساء الشاي والقهوة على الطرقات والأسواق الشعبية.
وهذه كحالة إبراهيم الفاضل، الموظف بإحدى الشركات في الخرطوم، الذي ظل متواصلا عبر الهاتف مع بائعة الشاي متفقداً أوضاعها مع الحجر المنزلي، حيث يضعها في خانة والدته، وفق قوله.
ويضيف الفاضل: "بائعات الشاي هن فاكهة الحياة ويكسرن رتابة العمل فهن والداتنا عندما نغادر منازلنا، ويخففن علينا مصاعب الحياة بالنصائح القيمة ويفتحن لنا أبواب الأمل عندما نفقده في لحظات الضغط والغضب".
ولم يتذوق إبراهيم طعماً للشاي والقهوة منذ أن فرض حظر التجوال في الخرطوم بسبب كورونا، فلم تكن ذات النكهة التي يجدها في الأرصفة وعلى مقربة من مكان عمله، حيث الحاجة "حليمة" التي تفتح ذهنك للحياة بالكلمات الحكيمة قبل "المنبهات".
ويقول: "إلى جانب طعم الشاي والقهوة، تمثل أماكن بيع الشاي فرصة تلاق للأصحاب وتفقد الأحوال الاجتماعية، فضلاً عن أنها تمثل مكانا لنشر الوعي من خلال جلسات المثقفين التي تغطي كل مجالات الحياة".
ويعد بيع الشاي على الطرقات من أبرز المشاهد التي تميز العاصمة الخرطوم وغالبية المدن السودانية، وتعرف محلياً بـ"الجنبات" ويرتادها الأشخاص بمختلف أعمارهم وتوجهاتهم.
وغابت هذه المشاهد عن الأنظار بفضل حظر التجوال الشامل الذي فرضته السلطة الانتقالية لمدة 3 أسابيع، ضمن التدابير الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا في البلاد، لتبدو الأمكنة حزينة بعض الشيء.
ورغم ارتفاع حالات الإصابة بكورونا إلى 140 حالة، منها 13 وفاة و8 حالات شفاء، يبقى التفاؤل حاضراً عند الجميع، بانجلاء الجائحة وعودة الحياة لطبيعتها ومعانقة "الجنبات" مجددا.