تبون رئيسا للجزائر.. عام من التفاؤل والإحباط
مر عام كامل اليوم السبت، على انتخاب عبد المجيد تبون، كثامن رئيس في تاريخ الجزائر، بعد حصوله على 56% من أصوات الناخبين
لكن، العام الأول من ولاية تبون الممتدة 5 أعوام، شهدت حالات متضاربة بين التفاؤل والإحباط والغموض، وأثبتت – وفق مراقبين – أن قيادة بلد بحجم الجزائر، لن تكون سهلة، بل مثقلة بالصعوبات والتحديات والإخفاقات، وحتى المفاجآت التي خففت من سرعة "قطار التغيير" كما أسماه الرئيس الجزائري.
- الجزائر تكشف تطورات صحة تبون.. يعود قريبًا للبلاد
- التعديلات الدستورية بالجزائر.. رهان يضع تبون في "اختبار" شعبي
وتباينت قراءات خبراء ومحللين سياسيين جزائريين في أحاديثهم لـ"العين الإخبارية" حول تقييم العام الأول للرئيس تبون في الحكم، بين "تفاؤل" لمستقبل الجزائر رغم خطوات التغيير والإصلاح المتثاقلة، و"إحباط" وعثرات متوقعة.
وتشاء الأقدار أن تمر الذكرى الأولى لانتخاب تبون وهو خارج البلاد، عقب إصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وانتقاله إلى ألمانيا للعلاج، حيث احتفل أيضا بذكرى ميلاده الـ75 الشهر الماضي بعيدا عن الجزائر.
الرئيس الجزائري الحالي، حكم البلاد باستثناءات ميزته عن سابقيه، أبرزها أنه أول رئيس مدني دون أي خلفية عسكرية ولكن بتكوين اقتصادي محض، وكذا أول رئيس يتولى دفة الحكم بعد أضخم حراك شعبي أسقط نظام عبد العزيز بوتفليقة بعد 30 عاما بالحكم.
وظلت هذه الاستثناءات السمة البارزة التي رافقت مشوار "تبون" طوال عامه الأول في الرئاسة، لكن برنامجه السياسي والاقتصادي اصطدم بجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، حيث أخلطت جميع الأولويات التي سطرها وفريقه، وبقيت معها الجزائر معلقة.
وأسدل الستار على العام الأول من عهد تبون بكل ما فيه وما عليه، وسط تساؤلات وتكهنات طرحها المتابعون والجزائريون من منطلقات صفحات ذلك العام، لعلها تستشرف مستقبل البلاد.
المتمرد المجهول
بعد أدائه اليمين الدستورية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، ذكّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بملامح برنامجه الرئاسي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودبلوماسياً.
في 2 يناير/كانون الثاني شكّل حكومة من التكنوقراط بعيدا عن الأحزاب السياسية، خاصة تلك التي سارت في فلك نظام بوتفليقة، أحدث عليها تعديلا محدودا في يونيو/حزيران الماضي.
وعقد تبون معها الاجتماع تلو الآخر، لوضع خطة "فك الألغام" الموروثة من عهد النظام السابق، قبل أن يصطدم في نهاية فبراير/شباط الماضي بعقبة خلطت كل الحسابات وغيرت جميع الأولويات.
وبات شهر فبراير/ شباط، رمزا للتغييرات الراديكالية أو للمفاجآت غير السارة لصناع القرار بالجزائر، بدء من حراك 22 فبراير 2019 الذي أسقط نظام بوتفليقة، إلى شهر جائحة كورونا التي أربكت حسابات وبرنامج تبون.
ويحسب لإدارة تبون بحسب تصريحات المحللين السياسيين لـ"العين الإخبارية"، سرعة استيعاب خطر فيروس كورونا، عبر حزمة الإجراءات العاجلة، التي اتخذتها الجزائر لمنع تفشيه في البلاد منذ ظهور أولى حالات الإصابة بـ"كوفيد – 19" نهاية فبراير/شباط.
وتوالت اجتماعات مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للأمن الجزائريين لبحث تداعيات ذلك "المتمرد الجديد والمجهول" على نظام تبون.
7 نقاط إيجابية
وكشف المحلل السياسي الجزائري والخبير القانوني الدكتور عامر رخيلة لـ"العين الإخبارية"، عن جملة النقاط الإيجابية التي تمكن تبون من تحقيقها في عامه الأول.
وقال إن أبرز تلك النقاط هي: "التهدئة" التي أقرها مع ما تبقى من الحراك الشعبي المطالب بالتغيير الجذري، في محاولة لتعزيز الجبهة الداخلية واستعادة ثقة الشارع الثائر.
وخلال الأيام الأولى من 2020، أصدر تبون عفوا رئاسياً عن عدد كبير من نشطاء الحراك، قبل أن يُصدر أكبر عفو رئاسي بتاريخ الجزائر شمل نحو 10 آلاف سجين.
بينما تحدث المحلل السياسي الجزائري الدكتور لزهر ماروك لـ"العين الإخبارية"، عن سرعة تحرك السلطات الجزائرية في التعامل مع جائحة كورونا لمنع تفشيها عبر إجراءات احترازية صارمة، وأخرى لمتابعة ورصد الفيروس، وقرارات اقتصادية لتخفيف الأعباء عن بعض شرائح المجتمع والشركات الحكومية والخاصة.
تبعتها أكبر عملية إجلاء للرعايا الجزائريين العالقين في مختلف قارات العالم شملت أزيد من 30 ألف، بقيت متواصلة حتى مع نهاية 2020.
ولفت الدكتور رخيلة، إلى تواصل محاكمات أركان نظام بوتفليقة في عام تبون الأول بالحكم، حيث صدرت بحقهم أحكام نهائية قاسية شملت أيضا مصادرة جميع أملاكهم التي قدر خبراء اقتصاديون قيمتها داخل الجزائر بنحو 60 مليار دولار، وسط غموض حول مصير الأموال المنهوبة التي تعهد تبون باسترجاعها بـ"خطة سرية" وفق تصريحه الأول عقب فوزه بالانتخابات.
كما قامت الجزائر بسن عدة قوانين رادعة للحد من آفات وسلبيات دخيلة على المجتمع، كانت خلال السنوات الأخيرة من بين مطالب الجزائريين، أبرزها: قانون لمنع "خطاب الكراهية والتمييز"، وآخر لمحاربة "عصابات الأحياء السكنية"، وإقرار عقوبة الإعدام للمرة الأولى ضد مختطفي وقتلة الأطفال والبالغين.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، عادت الجزائر إلى المحافل الدولية بعد غياب مفروض في السنوات الـ5 الأخيرة من حكم بوتفليقة، غيبت معها مواقف الجزائر، إلى أن اقتربت نيران أزمات جيرانها إلى حدودها كما علق تبون.
وكان واضحاً من خطاب التنصيب، أن تبون وضع عودة الدبلوماسية ضمن أولوية ولايته الرئاسية، وكانت ليبيا ومالي بوابتين لتلك العودة المحفوفة بالمخاطر والتحديات وحروب الوكالة، التي قادها النظام التركي المعروف بخططه الشيطانية ضد الجزائر.
وشهدت الجزائر خلال عام تبون الأول، حراكاً دبلوماسياً كبيرا، كانت فيه الأزمة الليبية بمثابة "التأشيرة" لزيارة الجزائر أو لأجندات زيارات المسؤولين الجزائريين الخارجية، والتي اعتبرها الدكتور لزهر ماروك، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بـ"السمة الأبرز" خلال عام تبون الأول.
وخلال العام الأول من حكم تبون زار الجزائر 3 قادة دول و3 رؤساء حكومات، وأكثر من 20 وزيرا للخارجية، كما استضافت البلاد أكبر اجتماع لوزراء خارجية دول الجوار الليبي.
وشارك تبون في قمتين مهمتين، الأولى؛ مؤتمر برلين لبحث الأزمة الليبية وقمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، فيما كانت المملكة العربية السعودية أول محطة خارجية اختارها تبون، حيث قال عنها المتابعون إنها تأكيد على رغبة الجزائر في العودة إلى عمقها العربي.
وأشار الدكتور ماروك في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أنه مع تحرك الدبلوماسية الجزائرية في عهد تبون، زادت معها التحديات والتهديدات الأمنية المحيطة بها، وباتت الجزائر تتوسط محيطاً ملتهباً بالأزمات الأمنية والحروب وتزايد للنشاط الإرهابي.
وأشار في هذا السياق إلى عودة الجزائر للتعامل بـ"ندية" في علاقاتها مع فرنسا في عهد تبون، للمرة الأولى منذ السبعينات، خاصة وأن العلاقات مع فرنسا تحظى بأولوية كبيرة في السياسة الخارجية للجزائر، رغم كل التجاذبات وفترات التوتر التي طبعت علاقاتها بباريس منذ نيل استقلالها عنها في 1962.
وتمكن تبون من استعادة رفات 24 من شهداء المقاومات الشعبية خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وكان ذلك أحد الوعود الانتخابية التي تعهد بها تبون.
اقتصادياً، سعت حكومة تبون للبحث عن منافذ اقتصادية جديدة تغنيها عن احتكار عائدات المحروقات، كان من أبرزها وضع مخطط لرفع الصادرات خارج نطاق النفط، واستغلال المعادن النادرة التي تمتلكها الجزائر للمرة الأولى في تاريخها.
4 إخفاقات
أما الدكتور عبد الرحمن بن شريط، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، فأشار إلى وثيقة الدستور الجديد، التي ظلت من أكثر محطات الإصلاح السياسي التي اختلف حولها الجزائريون، وكانت على قمة أولويات في برنامجه السياسي.
ولم تفلح السلطة الجزائرية في اختيار ذكرى رمزية وهي "عيد الثورة" لإجراء الاستفتاء في إقناع الناخبين بالتصويت.
وسجل عام تبون الأول في الحكم، أدنى نسبة مشاركة في تاريخ جميع الاستفتاءات والانتخابات التي جرت بالبلاد منذ استقلالها، حيث لم تتجاوز 23%، وسط مقاطعة واسعة لـ18 مليون ناخب.
واعتبر "بن شريط" أن الدستور الجزائري الجديد حمل في مضمونه "صدمة كبيرة للمقتنعين بالمسار السياسي الجديد في الجزائر، وخيبة أمل من أي إصلاح أو تغيير جذري".
واعتبر مراقبون جزائريون أن ذلك الدستور ضمن "تفكيك أخطر الألغام على مستقبل الجزائر" بينها مسألة الهوية وصلاحيات الرئيس.
كما اعتبر المحلل السياسي الجزائري أن الحكومة التي شكلها تبون، كانت "النقطة الأضعف" في العام الأول من ولايته الرئاسية، مع انتقادات لـ"أدائها الحكومي"، و"عدم قدرتها على مجابهة التحديات الاقتصادية" وسط تحذيرات من انهيار اقتصادي في العامين المقبلين.
ويرى أيضاً أن هناك غموضا حول مصير بعض أركان النظام السابق، خصوصاً بعد قرار قضائي بإعادة محاكماتهم، وسط حديث عن "صفقة تنازلات تعيد التوازنات داخل أجنحة الحكم في الجزائر" كما ذكر الدكتور بن شريط لـ"العين الإخبارية".
واتفق الخبراء الثلاثة على اعتبار الوضع الصحي لتبون "أكثر المسائل التي تزيد من المخاوف حول مستقبل الجزائر"، سواء من ناحية الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، أو التحديات الخارجية التي باتت تؤرق صناع القرار في الجزائر.