لا شك أن إيران ما زالت تلهث وتأمل في مساعدتها من الأوروبيين للوصول لحل يناسبها ويرضيها في مسألة الاتفاق النووي.
ذكرت في مقالي السابق، الذي كان عنوانه "سقوط الملالي المنتظر" أن هناك توجها دوليا لإسقاط نظام الملالي وهذا ما صرح به ترامب كثيراً، وسيتم من خلال فرض عقوبات حقيقية ستؤدي إلى انهيار كلي للاقتصاد وبموجبها سينفجر بركان شعبي ضد نظام الملالي .
مع هذه الأوضاع المتلاحقة، قرر الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارة أوروبا، عندها تبادر إلى ذهني مجموعة من الأسئلة منها، هل ذهابه إلى أوروبا محاولة منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أم لإرسال تهديدات للعالم كالعادة؟ وهل حان الوقت للقبول بالمطالب الأمريكية؟ أم ما زال يكابر؟ وهل منع تدفق النفط الإيراني للأسواق سينجح في كبح نظامها؟
مجرد التهديد بإغلاق المضيق حماقة لأن طهران تعلم أنها غير قادرة على تحمل عواقبها، ولن تُقدم على حماقة مثل هذه طالما بَقِي لها أمل في البقاء كدولة، فهي ربما قد تبدو قادرة على التشويش على الملاحة دون إعاقتها، لكنها غير قادرة على تحمل تبعات أخرى، بل يعتبر انتحارا لها
لا شك أن إيران ما زالت تلهث وتأمل في مساعدتها من الأوروبيين للوصول لحل يناسبها ويرضيها في مسألة الاتفاق النووي، وما هذه الزيارة إلا تأكيد لذلك، وكالعادة وكما هو متوقع، أطلق روحاني العنان لتصريحاته مهددا ومتوعدا بإغلاق مضيق هرمز وتعطيل إمدادات النفط، وأن التصريحات الأمريكية بوقف صادرات النفط الإيراني لا يمكن تنفيذها، وأنها ستجثو نتيجة تخبطها، هذه التصريحات الجديد فيها أن التهديد بالإرهاب واتخاذ سياسة المليشيات والقرصنة أتى من رأس الهرم في السلطة الإيرانية الرسمية، وبالتالي أتى التأييد السريع والمباشر والمطلق من العنصر المؤثر في الدولة وفي الإرهاب في المنطقة ألا وهو الحرس الثوري وقادته.
الحقيقة أننا اعتدنا من إيران التصريحات (العنترية) وهي متوقعة ومكشوفة وتصريحاتها دائما ما تكون مجرد فقاعة لجس النبض كالعادة، فهي نمر من ورق، وبالون هواء فارغ لا تحارب إلا عبر أذنابها.
طبعا السير في هذا الاتجاه خطأ ويفتح باب الحرب وقد اعتدنا من طهران تصدير أزماتها للخارج فهل تفعلها وتعلن بدء الحرب من أجل توحيد واصطفاف الشعب الإيراني نحوها؟ وهو الذي يعاني ألم الحرمان والحصار؟ وإعلان كهذا يجعلها تخرج من عنق الزجاجة، الجواب لا يمكن ولن تجرؤ على خوض الحرب في ظل أوضاعها الداخلية، لأنها لن تتحمل صراعات جديدة واستنزافا لمواردها المادية والبشرية.
على الطرف الآخر الكل لا يريد الحرب وكلفتها الباهظة، لهذا يتم الاعتماد على الحرب الاقتصادية وتضييق الخناق على النظام أفضل بكثير من خوض الحرب معه، فمن يعتقد أن زيادة إنتاج النفط فيها ضرر للمملكة، عليه أن يفهم أن السعودية والإمارات مع بعض دول الخليج يخوضون حربا باردة مع إيران نتيجة تدخلاتها الإقليمية، وبالتالي فتضييق الخناق عليها أمر ضروري وملح لوقف الزحف الإيراني، وأيا كان الثمن فهم جاهزون، وخيار العقوبات الاقتصادية هو الأمثل من خوض غمار الحرب.
إذا مجرد التهديد بإغلاق المضيق حماقة لأن طهران تعلم أنها غير قادرة على تحمل عواقبها، ولن تُقدم على حماقة مثل هذه طالما بَقِي لها أمل في البقاء كدولة، فهي ربما قد تبدو قادرة على التشويش على الملاحة دون إعاقتها، لكنها غير قادرة على تحمل تبعات أخرى، بل يعتبر انتحارا لها، في ظل رد أمريكا بأنها ستتولى حماية الملاحة، فالإدارة الأمريكية الحالية إدارة مختلفة عن الإدارة السابقة، ولديها من الدوافع والقناعات ما يكفي للتصعيد ضد إيران بعد رفضها التفاوض والسلام.
لهذا أتى التراجع سريعا والتغيير السريع في الحرب الكلامية التي لم تصمد كثيرا، وهو أمر متوقع مرده أن إيران كانت تجيد التهريج أيام أوباما وكانت تسترزق منه، بينما ترامب لا تنفع معه هذه اللغة والصوت العالي، فإيران كانت تقول وتقول وبصوت مرتفع رغم أنها واقعيا عاجزة عن الفعل، إيران تنحني وستنحني ولو قليلا حتى تنتهي حقبة ترامب وستنفذ المطالب، وإذا أراد النظام الإيراني بقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة لا بد له من تقديم تنازلات والتوقف عن دعم الإرهاب، فهو يعلم أنه قد تأتي مرحلة سيعجز فيها حتى عن القول، لأن الأيام القادمة سوف تكون أسوأ وأشد سخونة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة