الإعلام الرصين يرتكز على التطور في مفاهيم المسؤولية المهيئة باعتبارها عصب مهنة الإعلام ومرتكزها الأساسي.
خلال شهري أكتوبر ونوفمبر لعام 2018 شاءت الظروف أن أوجد في بلد ليس بالإمكان فيه مشاهدة العديد من القنوات التلفزيونية العربية. ولسوء الحظ كانت قناة «الجزيرة» القطرية واحدة من القنوات المتاحة التي أُجبِرت على مشاهدتها لمعرفة ما يدور من أحداث في العالم العربي.
كانت المسألة بالنسبة لي صادمة، حيث اتضح من خلال هذه القناة أن دور الإعلام القطري يدور في حلقة مفرغة من التكرار واللغو واللغط بإعادة نفس الموضوعات التي تستهدف الإساءة إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، بطريقة فجة تسيء إلى قطر وإلى الإعلام القطري، وحيث إن الجماهير التي يُوجَّه إليها باتت تعلم بأنه كاذب ومضلل وسمج، فما جدوى الإساءة إلى السعودية والإمارات والبحرين ومصر وغيرها من الدول العربية التي تقف في وجه قطر نتيجة دعمها للإرهاب ومساندتها واستضافتها لرموزه من «الإخوان» و«القاعدة» و«طالبان» وغيرهم من الفلول التي جلبت من شتى أصقاع الأرض ونواحيها؟
الجماهير العربية صارت تعي وتعلم بأن ما تسوقه قناة «الجزيرة» وتردده على مدار الساعة، ولأربع وعشرين ساعة في اليوم، أنه سلوك خارج عن الأخلاق والأعراف والتقاليد القويمة لأهل الخليج العربي الأبرار وعن السلوك الإنساني القويم لبني البشر
وعند القول بأن ما يمارسه الإعلام الذي توظفه قطر يسيء إليها ذاتها وينال من مصداقيتها وسمعتها كدولة وحكومة فنحن لا ننطلق من فراغ، إنما من كون ما يجري هو ابتعاد عن المهنية والسير بلا هدى في بحور من الظلام والأنفاق عديمة النهايات.
الإعلام الرصين يرتكز على التطور في مفاهيم المسؤولية المهيئة باعتبارها عصب مهنة الإعلام ومرتكزها الأساسي، ولأنه توجد صلة بين مهنة الإعلام وبين عمليات صنع السياسة ورسمها وتطبيقها فإن نتائج العمل الإعلامي لا بد وأن تنعكس على الجماهير إما إيجابا أو سلبا، وهذه النتائج تتضح في ما يسمى بالمعايير وحدود القبول والتصديق في أوساط الجماهير المتلقية، بمعنى أن الإعلام الرصين له أدوار إيجابية في تقييم السياسات، وأن الإعلام المضلل له أدوار سلبية في تقييمها، إن من المنطقي أن يتم تقييم السياسات التي ترسمها وتمارسها الجهات الرسمية المسؤولة وفقا لدرجة تطابق أو توافق تلك الأدوار والنشاطات مع الأهداف السياسية العليا للدولة والحكومة ومصداقيتها.
ولو اتفقنا على أن الإعلام السياسي هو تقنية ممارسة النفوذ على السلوك البشري عن طريق التناول البارع الرصين لأمور الساعة والأحداث التي تدور؛ لوجدنا أن الإعلام القطري بعيد عن ذلك تماما.
فما يطرحه ويقوله سقيم وممجوج وغير متناغم ولا مقبول، والتفاوت واللاتناغم الموجودان فيه يجعلان من اللاتناسب المتوقع بين التداعيات المحددة وردود الأفعال الجماهيرية السلبية تجاه ما تقوله وتفعله قطر أمرا قائما مشهودا.
إن الجماهير العربية صارت تعي وتعلم بأن ما تسوقه قناة «الجزيرة» وتردده على مدار الساعة، ولأربع وعشرين ساعة في اليوم، أنه سلوك خارج عن الأخلاق والأعراف والتقاليد القويمة لأهل الخليج العربي الأبرار، وعن السلوك الإنساني القويم لبني البشر.
ما يقوله ويمارسه الإعلام القطري يبرز التصنيف الخاص بالإعلام «الصنيع» أو المعمول أو المرتب له سلفا بطرق ووسائل يراد بها الإساءة المتعمدة للآخرين، وهذا هو الإعلام المضلل بأم عينه، وضمن هذا السياق العديد من الممارسات والتصرفات القطرية الرسمية المتعلقة بإدارة الإعلام الخارجي والسياسة الخارجية فاقدة لأهميتها وفائدتها؛ انطلاقا من كونها موجهة إلى جماهير لا تصدقها لأن أكاذيبه ووسائله الملتوية صارت مكشوفة، وذلك على العكس مما يعتقده من يملكونه ويوجهونه بأن ما يقومون به هي أمور جيدة ومميزة وتعود عليهم بنتائج خارقة للمعهود والمتوقع.
وهذا هو الغباء السياسي بأم عينه، فما يقال ويفعل لا يهز شعرة من رأس السعودية والإمارات، و«يا جبل ما تهزك ريح».
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة