يتوجب على دعاة الدين الإسلامي أن يصوبوا أخطاء جماعات الإسلام السياسي وبؤر التطرف ويحاربوا أفكارهم التي نشروها لعقود في الغرب والشرق
بعد مرور أسبوعين على الهجوم العنصري في مدينة هاناو الألمانية، يزور وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر تركيا، ويعلن من هناك أن بلاده لا تزال تسعى لمعرفة ما إذا كان الجاني قد تصرف منفردا أم كان على اتصال بيمينيين متطرفين أو إرهابيين. أما الإعلان من أنقرة فهو من باب التضامن مع أصحاب الأصول التركية من ضحايا الهجوم.
وأما التحقيق المستمر في الحادثة دون تصنيفها بالإرهابية فهو ما يستحق التأمل. خاصة أن الهجوم قد وقع بعد أيام قليلة فقط من إعلان برلين إحباطها عدة هجمات يمينية كانت تستهدف المهاجرين واللاجئين في البلاد.
بدافع من "رهاب الأجانب" اقتحم الألماني (توماس آر) مقهيين للشيشة (النرجيلة) في مدينة هاناو بفرانكفورت، وقتل تسعة مدنيين أبرياء فقط لأنهم لا ينتمون للعرق الأوروبي. بدافع الرهاب وليس الإرهاب، لأن الإرهاب متلازم مع "القتلة" المسلمين فقط.
أما قَتَلَةُ المسلمين فهم من اليمين أو مجانين أو مصابين برهاب الأجانب أو غيره من قائمة الأمراض النفسية المحرضة على القتل في أوروبا. ولكنهم حتماً ليسوا إرهابيين برأي السلطات الأمنية والرأي العام في الغرب.
في أخبار جرائم القتل بدافع العنصرية والتمييز على أساس الدين في الغرب، تبحث عن كلمات مفتاحية لتعرف إن كانت الجريمة رهابا أم إرهابا. فإن قرأت اسماً إسلامياً للمشتبه به، أو كتب عنه أنه من أصول إسلامية، أو أنه كان يصيح الله أكبر، فأنت تدرك بسرعة أن الجريمة إرهابية، وتنتظر الإعلان الرسمي لهذا التصنيف من قبل شرطة الدولة التي وقعت فيها الحادثة. غالبا لا يتأخر هذا الإعلان، ودائما يليه رفض شعبي وموقف حكومي يظهران جليا في وسائل الإعلام.
يتوجب على دعاة الدين الإسلامي والمؤسسات التي تمثله أن يصوبوا أخطاء جماعات الإسلام السياسي وبؤر التطرف، ويحاربوا أفكارهم المسمومة التي نشروها لعقود في الغرب والشرق، فتحولت مع الزمن إلى أمراض نفسية وسلوكيات غير أخلاقية تسيء للإسلام أولاً وللإنسانية عموماً
عندما تكون الحادثة ترتبط بالرهاب وليس الإرهاب يبدو الغضب الشعبي والسخط الحكومي أكثر حكمة، ليس لأن الضحايا لا قيمة لهم، وإنما لأن القاتل برأيهم لا يعبر عن ثقافة الجماعة. قاتل المسلمين برأي الغرب يعبر عن نفسه وليس عن الدين الذي ينتمي إليه وراثة أو قناعة. أما القاتل "المسلم" فهو يعبر عن ثقافة سائدة في الدين، ويعكس قناعة متأصلة في المسلمين أينما ولدوا أو عاشوا.
هذا الفهم جعل الإرهاب متلازماً مع الإسلام، وجعل كل جريمة ينفذها مسلم بحق غير المسلمين عملاً إرهابياً صرفاً. فالعالم لا يعترف باحتمال وجود رهاب غير المسلمين أو رهاب الغرب كدافع للقتل. كما أنه لا يعترف أيضاً بمسلم مجنون يريد طعن مارة أو اقتحام كنيسة، فقط لأنه يظن أن العيش في هذا المكان يجب أن يكون حكراً على المسلمين. من وجهة نظر العالم عموماً السبب الوحيد لجرائم الإرهاب التي ينفذها المسلمون هو الجهاد عبر محاربة "الكفار" وقتلهم.
هذا الفهم القاصر للإرهاب جاء في سياق الأحداث، وليس متفقاً عليه دولياً أو قانونياً. وعندما تستخدم كلمة الإرهاب أحياناً لوصف مجزرة كالتي شهدتها نيوزيلندا في مارس 2019 فإن ذلك يكون لغرض وصفي فقط، بمعنى أن المصطلح استدعي لوصف بشاعة الجريمة وليس لتصنيفها، هذا الاستدعاء بحد ذاته ينطوي على عنصرية ضد المسلمين لأنه يعتبر كل جرائمهم بشعة، لدرجة لا تبلغها جرائم غير المسلمين إلا في فظائع كمجزرة نيوزيلندا ومجزرة مسجد كيبيك في كندا عام 2017.
الجرائم الإرهابية وفقاً لهذا لتعريف لديها غاية واحدة فقط، وهي "الوصول إلى الجنة". هنا يصبح القتل طمعاً بالجنة أو الحياة الثانية هو المحدد الأساسي لتصنيف الجريمة بين عمل إرهابي أو غير إرهابي، لا يبدو هذا المحدد عادلاً أيضاً ليس فقط، لأن الدين الإسلامي بريء من هذه المفاهيم المغلوطة للجنة وللجهاد والإيمان، وإنما لأن التفريق بين غاية قاتل في الجنة وغاية قاتل آخر في صفاء العرق أو رهاب الأجانب، من أجل تبرير القتل وتصنيفه بين إرهاب أو جريمة هو خطأ كبير جداً.
تجاهل الجريمة بحد ذاتها والتركيز على الدافع يجعل القتل أمراً ثانوياً أمام الدافع، وكأن الجرم يكمن في الدافع وليس في الفعل، وحتى لو كان الدافع يعكس ثقافة فئة متطرفة، فهل يكفي هذا ليصبح أولوية في اعتبار الفعل مرة جريمة ومرة إرهاباً؟ أليس دعاة نقاء العرق أو خلو البلاد من الأجانب باتوا جماعات وأحزابا يمينية كبيرة وفاعلة في دول الغرب؟ أليس القتل بدافع كراهية الأجانب تعبيرا عن الحلم بجنة أرضية تخلو من هذا الأجنبي؟ هل ثمة فرق بين حلم الجنة الأرضية أو السماوية يبرر القتل؟ لماذا يصنف القتل من أجل الحلم بجنة أرضية جريمة؟ ويصنف القتل بدافع حلم الجنة السماوية كإرهاب يشكل خطراً على البشرية جمعاء؟
هذا التفريق الخاطئ في الجرم على أساس الدافع وليس الفعل، هو ما عزز متلازمة الإسلام والإرهاب. وبينما تقع مسؤولية مواجهة هذا التفريق على عاتق الغرب بمثقفيه وإعلامييه وسياسييه يتوجب على دعاة الدين الإسلامي والمؤسسات التي تمثله أن يصوبوا أخطاء جماعات الإسلام السياسي وبؤر التطرف، ويحاربوا أفكارهم المسمومة التي نشروها لعقود في الغرب والشرق، فتحولت مع الزمن إلى أمراض نفسية وسلوكيات غير أخلاقية تسيء للإسلام أولاً وللإنسانية عموماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة