الإخوان والـ"سي آي إيه".. أصدقاء الأمس.. أعداء اليوم
عرابين الصداقة بالأمس، قد تتحول بين ليلة وضحاها إلى حبل مشنقة، وهو ما قد ينطبق على العلاقة التي جمعت بين جهاز الاستخبارات والإخوان.
عرابين الصداقة بالأمس، قد تتحول بين ليلة وضحاها إلى حبل مشنقة، وهو ما قد ينطبق على العلاقة التي جمعت بين جهاز الاستخبارات الأمريكي CIA وجماعة الإخوان.
المؤشرات تؤكد تصنيفها "إرهابية" خلال الأيام القليلة القادمة وربما الساعات، لكن هل ما يمتلكه جهاز الاستخبارات الأمريكية من وثائق قد يُستخدم كدلائل لإدانة الجماعة التي طالما تم توجيهها في السابق لخدمة الأهداف الأمريكية بالخارج قبل أن تخور قواها بفعل ضربات سياسية قوية بمنطقة الشرق الأوسط وفي مصر خاصة!
هل يمكن أن تفرض على الجماعة عقوبات بالاستناد لوثائق المخابرات الأمريكية سي آي إيه؟
وثائق الـ CIA
يقول الدبلوماسي المصري جلال الرشيدي، الذي عمل سفيراً سابقاً بالأمم المتحدة، إن هذا هو الاحتمال الأقرب للتحقق، فيلفت النظر إلى التصريحات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية التي قالت في صيغتها نسعى لتصنيف الإخوان تنظيماً إرهابياً، و"نسعى" هنا تعني عكوف المؤسسات على جمع الدلائل الموثقة مقروءة أو مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية بحوزة جهاز السي آي إيه وأجهزة الأمن الأخرى في البلاد، وكل ما من شأنه إثبات تهمة "الإرهاب" على الجماعة، بحيث يصدر الكونجرس الأمريكي موافقة سريعة على القرار الرئاسي بحظر الإخوان.
وفي تصريحات خاصة لـ"العين" أوضح الرشيدي أن الكونجرس لديه استعداد كبير لهذه الخطوة لاسيما وأن اثنين من أعضائه أحدهما السيناتور تيد كروز، تقدما العام الماضي بمشروع قانون يحظر الإخوان، لكن لم ييُبت بشأنه، وكان ذلك قبل ظهور ترامب في المشهد.
وفيما يتعلق بالرأي الذي يؤكد اختلاف الرؤى السياسية بين دونالد ترامب وجهاز الاستخباراتCIA، قال الرشيدي، إن الخلاف انتهت مرحلته يوم التنصيب، وتحديداً بعد أن اختار ترامب مقر الاستخبارات، ليشهد أول عمل رئاسي له، حيث زاره والتقى بالقيادات وأكد أنهم الأساس الذي يحفظ أمن أمريكا، وهو ما يؤكد توافق الرؤى بين المؤسستين، والاتفاق ضمناً حول مصير الإخوان.
69 سنة تعاوناً
ربما الاعتقاد بصداقة تاريخية تربط بين الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم الاخوان الإرهابي، ساذجاً طالماً أن مصالح مشتركة تتحقق للطرفين على مدار علاقتهما، فالمنطق يؤكد خشية القوى العظمى على أمنها من الإرهاب، وعندما نضع عدسة مكبرة على أسرار هذه العلاقة والهدف الحقيقي منها والمصلحة المشتركة، ينمو للأذهان حجم ما يمتلكه جهاز الاستخبارات الأمريكية من أدلة إدانة لإرهاب الإخوان.
سامح عيد، الباحث في شئون جماعة الإخوان الإرهابية والمنشق عن الجماعة، يلقي الضوء على البداية التاريخية، فيقول إن وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه خصصت إدارة كاملة بها تحت اسم "الإخوان المسلمين"، كان ذلك في أربعينيات القرن الماضي وتحديداً عام 1948 من الميلاد، وسارت في ذلك على نهج وكالة الاستخبارات البريطانية التي سبقتها بـ7 سنوات وخصصت إدارة بها لمراقبة الإخوان المسلمين عام 1941 من الميلاد.
السي آي إيه الأمريكية استهدفت من هذه الإدارة الخاصة تتبع واختراق الجماعة والتعاون معها وتوجيهها بما يحفظ أمن أمريكا ويخدم مصالحها في الخارج، ولذلك بدأت بالتواصل آنذاك مع القيادي سعيد رمضان صهر حسن البنا مؤسس الجماعة بمصر، وبدأت فوراً بإنشاء مراكز إسلامية لهم بالولايات المتحدة الأمريكية ومراكز بحثية ليتسنى للجانبين التعاون بشكل مُنمق أمام العالم، وبدأ التعاون الذي خلف فيما بعد حرب أفغانستان والحرب على العراق التي كانت الجماعة طرفاً قوياً في إنجاحها.
وأكد عيد في تصريحات خاصة لـ"العين" أن العلاقة ستظل مستمرة لأن المصلحة بين الطرفين مستمرة، فالولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الغربي مقتنعون بأن المنطقة العربية إذا خلت من الحروب الطائفية ستتجه لمحاربتهم، ولذلك فقد خططوا لحروب طائفية تستمر عشرين عاماً قادمة، وقوتهم الأساسية بها جماعة الإخوان المسلمين التي تحرك الفتن بأجنحتها المسلحة في المنطقة العربية، والجماعة مازالت تحلم بالعودة والوصول إلى مراكز الحكم، وتستمتع بالمظلة السياسية التي توفرها وستستمر الولايات المتحدة الامريكية في توفيرها لهم عبر جهاز الاستخبارات سي آي إيه.
ويقول ثروت الخرباوي، القيادي الإخواني المنشق وشاهد العيان على عدة مراحل بهذه العلاقة، إن الـ(إف.بي.آي FBI) أو مكتب التحقيقات الفيدرالية، ووكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه CIA) أكبر جهازين أمنيين بالولايات المتحدة الأمريكية، الأول منوط به حفظ الأمن السياسي الداخلي بعكس وكالة الاستخبارات المعنية بالأمن الخارجي للبلاد.
جماعة الإخوان الإرهابية تسببت في خلاف كبير بين الجهازين، فالتحقيقات الفيدرالية تود التخلص منها بأي طريقة لخطورتهم على المجتمع الأمريكي، بينما ترى الاستخبارات أنهم جماعة نفعية والأفضل مواصلة اختراقها وتوجيهها بما يتفق والمصالح الأمريكية، وهي الرؤية التي انتصر لها البيت الأبيض ودعمها بقوة.
يقول الخرباوي لـ"العين": شهدت الفترة ما بين حكم جورج بوش الابن انتهاء بحكم باراك أوباما، حلقات مترابطة من مسلسل التعاون السياسي بين الإخوان ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والذي بدأ أول مشاهده في خمسينيات القرن الماضي.
نظرة عن قرب
إحدى الفترات التي كان آخر مدير للوكالة، جون برينان مازال ضابطاً بالمخابرات، وكان رئيساً لقسم الإسلام السياسي بالشرق الأوسط، تم تكليفه من قبل جورج بوش الابن عقب أحداث 11 سبتمبر باختراق الجماعة وعقد صلات معها، وأسفرت جهوده الأولى عن الوصول إلى مركز "كير" بنيويورك، أحد أهم مركزين إسلاميين تديرهما الجماعة، وكان يديره آنذاك القيادي حسان حتحوت، وعقد برينان حينها اتفاقات معه تسمح للإخوان بحرية التحرك، وتيسير جميع الأمور المتعلقة بـ"كير" و"ماس" أكبر المراكز التي تسيطر عليها الإخوان بأمريكا، وذلك مقابل دعم سياسات الولايات المتحدة المتجهة آنذاك لضرب أفغانستان انتقاماً لأحداث 11 سبتمبر، ثم ضرب العراق في خطوة تالية، وعلى ذلك تعهد الإخوان بالتزام الصمت التام بمنطقة الشرق الأوسط أثناء تنفيذ الضربة المرتقبة في أفغانستان.
ويواصل الرواية التي كان شاهد عيان عليها: ثم بدأ جون برينان عام 2003– كان وقتها رئيس قسم بالمخابرات - بالتواصل مباشرة مع قيادات الإخوان في مصر عن طريق شخصيات عرفت بالوساطة بينن الجانبين، وجلس إلى قيادات معروفة آنذاك بينها عصام العريان ومحمد مرسي – رئيس مصر المعزول – وسعد الكتتاتني، وحدثت توافقات كبيرة كشف عنها برينان في عام 2005 في خطاب بخط اليد، وجهه إلى خيرت الشاطر أهم القيادات بمصر قال فيه، إن أمريكا مستعدة لدعم الجماعة للوصول إلى حكم مصر بشرط الاستمرار في دعم تحركاتها بالشرق الأوسط ودعم مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما للوصول إلى الحكم، وبالفعل اشترك الإخوان في حملة أوباما الانتخابية، وحضرت قيادات كبيرة منها خطاب الرئيس الشهير بجامعة القاهرة.
وتابع الخرباوي: توثقت العلاقة وبلغت مداها في الفترة الثانية من ولاية أوباما، وبدأت 12 شخصية إخوانية مباشرة أعمالهم من داخل البيت الأبيض في مواقع تنفيذية واستشارية، بينهم سيدة تدعى "هوما عابدين".
وظلت علاقة الرئيس السابق باراك أوباما بالإخوان ممتازة حتى اللحظات الأخيرة قبل الرحيل من البيت الأبيض، فقبل 3 أيام من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، التقى أوباما بمحمد سلطان نجل القيادي المحبوس في مصر صلاح سلطان، وقال الخرباوي: هذا اللقاء ربما رتبه الإخون لاستقراء مستقبلهم بعد رحيل أوباما، وربما لأخذ النصيحة في كيفية التعامل مع الرئيس الجديد، ليغلق أوباما بهذا المشهد فصلاً من التعاون الاستخباراتي الضخم بين الجماعة وأمريكا.
وأشار الخرباوي إلى أن تعاون الـ CIA مع الجماعة لدعم أمن أمريكا الخارجي أمراً مفروغاً منه، وسيتم تطويع دونالد ترامب لقبول هذه النتيجة وإن كان الثمن إعلان الجماعة إرهابية في الداخل، لكنها ستظل تعمل في المنطقة الرمادية تحت رعاية الاستخبارات الأمريكية، وسيساعدها في ذلك أنها لا تعمل هناك تحت مسمى الإخوان وإنما باسم المراكز الإسلامية الشهيرة لها كير وماس، لكنها ستباشر عملها كجماعة محظورة كما كانت تعمل في مصر في السابق، وستحترف التأثير على القرار الأمريكي لأنها تجيد العمل في الخفاء، فضلاً على أنها ستلجأ للقضاء الفيدرالي إذا ما صدرت أية قرارات بتقييد حركته، وسيتم رفع الحظر عنها.
وأوضح إلى أنه حتى هذه اللحظة تصريحات ترامب لم تتخذ موقفاً حاسماً من الجماعة، فقد قرر تأجيل أمرها إلى ما بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، ويبدو أن التقارير التي ستُرفع للرئيس الجديد من وكالة الاستخبارات الأمريكية ستكون ملزمة إلى حد كبير.
aXA6IDMuMTQ3Ljc4LjI0MiA= جزيرة ام اند امز