لعل الحلقة الأقوى عند التنظيمات الإرهابية هي آلية التنظيمات في التجنيد واستقطاب العناصر لما لها من وسائل وطرق بالغة في السرية والتشعب
كما أن الإرهاب لا دين له كذلك لا أسلوب له، بل إنه يتطور ولا يفتر، باحثاً عن ثغرة أو فرصة بل حتى ظرف، مهما كان مأساويًّا ليظهر بفكر جديد وتكتيك جديد، وفي ظل الظروف العالمية الصعبة التي يعاني منها العالم أجمع في زمن جائحة "كورونا" لم تمر دون أن تظهر دعوات إرهابية لاستغلالها على غرار ما حصل في تونس منذ أيام؛ إذ قام أحد المتطرفين بدعوة أصحاب السلوك الإرهابي إلى استغلال فيروس "كورونا" بل استخدامه كسلاح لتوجيه ضربات إرهابية قائمة على جهاد -على حد تعبير المتطرف التونسي- المصابين بفيروس كورونا من خلال العطاس والسعال في أماكن وجود قوات الأمن التونسية أو في وجوههم لنقل العدوى إليهم.
دعوات وإن كانت من حيث الشكل تدعو للاستهزاء والسخرية كما تناولها العديد من رواد وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنها تنبئ عن تفكير جد خطير لا سيما في أنها تشير إلى استمرار الفكر المتطرف ونشاطه على مستوى الخلايا النائمة فيما يخص التخطيط والابتكار، والعمل على إيجاد ثغرات في ظل هذا الارتباك العالمي المشغول بمواجهة الأوضاع الصحية الطارئة وما ينجم عنها من تحديات اقتصادية، الأمر الذي يمكن قراءة خطورته على المستوى الأمني من خلال ما توفره هذه الظروف من أجواء مثالية للفكر المتطرف على منحيين مرعبَين:
الأول: التجنيد: لعل الحلقة الأقوى عند التنظيمات الإرهابية هي آلية التنظيمات في التجنيد واستقطاب العناصر؛ لما لها من وسائل وطرق بالغة في السرية والتشعب، لدرجة أنها تعد من المعضلات الأمنية العالمية؛ إذ لطالما تتفاجأ وكالات الاستخبارات والعالم أجمع بظهور التنظيم الإرهابي، وكأنه ولد بين ليلة وضحاها مما يدل على أن تلك العمليات التنظيمية والتجنيدية كانت تتم على غفلة من تلك القوى الاستخبارية، على الرغم من الاستقرار الذي تنعم به تلك الوكالات، الأمر الذي يجعل تلك المؤسسات الأمنية في ظل التخبط السياسي وتركيز الجهود على احتواء الجائحة العالمية "كورونا" من جهة، ومن جهة أخرى الركود الناشئ عن الحظر والحجر الصحي العالمي الذي بات بسببه كل سكان المعمورة في ضيق اقتصادي وركود نفسي وفكري ضمن المنازل، أمام مناخ اقتصادي ونفسي وحتى اجتماعي، علاوة على المناخ الأمني المتمثل بالتركيز الدولي على مواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية المترتبة على الجائحة الفيروسية، يمكن وصفه بالمثالي لتلك التحركات في التجنيد واستقطاب العناصر الإرهابية.
لعل الحلقة الأقوى عند التنظيمات الإرهابية هي آلية التنظيمات في التجنيد واستقطاب العناصر، لما لها من وسائل وطرق بالغة في السرية والتشعب، لدرجة أنها تعد من المعضلات الأمنية العالمية
الثاني: التخطيط، لا يخفى على أحد أن الظروف العالمية الحالية، وما نتج عنها من تداعيات سياسية واقتصادية كان على رأسها انخفاض وتيرة العمليات العسكرية ومحاربة التنظيمات الإرهابية بعدما ضاق المواطن العالمي ذرعا بالظروف الصعبة التي يعيشها جراء جائحة "كورونا" ونقمة المواطن في العديد من الدول المتقدمة على الحكومات متهما إياها بتهميش الواقع الصحي والإنفاق على الحروب التي بنظر الكثير من المواطنين لا طائل منها إذا لم نُعد ترتيب الواقع الخدمي والصحي والاقتصادي.
الأمر الذي يعطي تلك التنظيمات فرصة لالتقاط أنفاسها وإعادة ترتيب صفوفها بل فرصة لإعادة التخطيط وإعداد السيناريوهات الأكثر فتكا بما يتوافق وظروفها التنظيمية والميدانية التي باتت تعاني منها، ومن ثم اختيار مواقع عملياتها ونقل مقراتها، وهو التكتيك الذي لطالما انتهجته تلك التنظيمات المتربصة لترى الثغرات التي ستحصل في أي نظام أمني أو حتى سياسي في ظل التوقعات الكثيرة اليوم بأن ما بعد كورونا ليس كما قبلها، ولا سيما على الواقع السياسي المرتبط عضوياً بالواقع الاقتصادي الذي ينذر بكوارث حادة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه لفترة طويلة مما يهيئ المناخ المناسب لنمو التنظيمات وإحكام مخططاتها الإرهابية.
لا شكّ أن الأسلوب الإرهابي الذي دعا إليه ذلك المتطرف التونسي ليس بالجديد وهو المعروف بتكتيك "الذئاب المنفردة"، وإن اختلف السلاح في هذه الدعوة الإرهابية باستغلال الفيروس القاتل واعتماده كسلاح إلا أن الدلالات التي يجب علينا فهمها من هذا الفكر تتمثل في أن السلوك الإرهابي ما زال يعمل وما زال يبحث عن متنفس ليخرج من عنق الزجاجة التي حوصر بها، بل ما زال يبتكر ويبحث عن أسلحة وتكتيكات جديدة، الأمر الذي لا يجعلنا مغالين إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مثل هذه المخططات لا بد وأنها تفكر في مناطق جديدة وبؤر أخرى لتظهر فجأة وكأن تلك الحروب لم تكن إلا هباء منثورا فلا بد من التنبه لهذا الأمر وأخذه على محمل الجد شأنه شأن "كوفيد19".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة