مكافحة الإرهاب.. رؤية مصرية إماراتية مشتركة
الرؤية المصرية الإماراتية حول مكافحة الإرهاب تتسم بأنها رؤية متقاربة، وتشكل عاملا مهما لصون الأمن القومي العربي والحفاظ على مقدراته
دائما ما توصف العلاقات المصرية الإماراتية بأنها ذات طابع استراتيجي على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية كافة، حيث تتوافق الرؤيتان وتتسمان بالتقارب الذي ظهر جليا في ملف مكافحة الإرهاب.
- دولة الإمارات ومصر.. حليفان في السراء والضراء
- الإمارات ومصر.. علاقات راسخة وتوافق في مواجهة التحديات
ومع تولي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منصبه في 7 يونيو/حزيران عام 2014 حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، على حضور حفل تنصيبه، وساندت الإمارات مصر عقب ثورة 30 يونيو سياسيا واقتصاديا.
وتوالت الزيارات بين المسؤولين في الدولتين لتصل إلى 22 زيارة منذ عام 2014، وتركزت أغلبها حول القضايا العربية المشتركة، وعلى رأسها مواجهة الإرهاب.
من بينها اللقاء الذي جمع وزير الداخلية المصري الأسبق محمد إبراهيم بالفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الإماراتي في 12 يناير/كانون الثاني 2015، ثم لقاء آخر في 18 يناير/كانون الثاني 2015، حيث زيارة الرئيس السيسي للمشاركة في القمة العالمية لطاقة المستقبل.
والتقى خلالها السيسي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وكانت قضية الإرهاب وضرورة تضافر الجهود الدولية للقضاء على العنف حاضرة على أجندة الزيارة.
كذلك زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى مصر في 21 أبريل/نيسان عام 2016، والتباحث بينهما بشأن الإرهاب والفكر المتطرف، إضافة إلى زيارته في 19 يونيو/حزيران عام 2017.
فضلا عن زيارة وفد مصري برئاسة علي عبدالعال رئيس مجلس النواب المصري إلى الإمارات، والذى التقى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والشيخ محمد بن زايد آل نهيان والشيخ سيف بن زايد آل نهيان، حيث ناقشوا أهمية أمن واستقرار البحر الأحمر وباب المندب كمسؤولية مشتركة للدول المطلة عليه.
كما تناولت الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي للإمارات في 25 سبتمبر/أيلول عام 2017 الأزمات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين، وكذلك زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى مصر في 16 مايو/أيار الماضي ناقشت الأوضاع الإقليمية والإرهاب التي تشهدها الدول العربية، إثر تعرض 4 سفن قبالة سواحل الإمارات لهجوم إرهابي.
واليوم تأتي زيارة الرئيس السيسي إلى الإمارات التي تعد السابعة منذ توليه الحكم، وجاءت الكلمات الترحيبية التي عبر بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن عمق العلاقات بين البلدين قائلا "أرحب بضيف البلاد الكبير الصديق العزيز الرئيس عبدالفتاح السيسي"، وتدلل عن خصوصية العلاقات المصرية الإماراتية التعاونية المشتركة على المستويات كافة.
وجرى خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذاكرات التفاهم على الصعيد الاقتصادي، إضافة إلى التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.
وتنظر مصر والإمارات إلى الإرهاب والتطرف باعتباره تهديدا لأمن واستقرار محيطها الإقليمي والدولي وليس فقط تهديدا داخليا، ومن ثم ضرورة التصدي لمن يقوم بتمويل أو تسليح أو تقديم الدعم السياسي والأيديولوجي والإعلامي للإرهابيين.
وتركز الرؤية المصرية والإماراتية تجاه الإرهاب على استراتيجية متعددة الأبعاد فكرياً وأمنياً وقانونياً ودولياً وفقاً للمحاور التالية:
على المستوى الدولي، أكدت القيادة المصرية خلال خطابها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 71 يونيو/حزيران 2016 أن "الإرهاب هو آفة هذا الزمان الذي تبثه دعاوى التطرف والعنف في عقول البشر، لذا علينا أن نغرس في هذه العقول قيم التعايش وقبول الآخر، ولما كانت الثقافة انعكاسا لمنظومة القيم التي يحيا بها الإنسان فعلينا أن نسخر الثقافة والقدرات التكنولوجية لصالح التنمية وتحقيق السلام".
كما شاركت مصر في اجتماعات التحالف الدولي لمحاربة داعش من خلال عضويتها في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ونجحت الدبلوماسية المصرية في رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب داخل مجلس الأمن عام 2016، الأمر الذي فتح المجال واسعا لطرح الرؤية المصرية الشاملة في مكافحة الإرهاب.
ومن خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت بالرياض في 21 مايو/أيار عام 2015، ركزت القيادة المصرية في كلمتها على مواجهة واستئصال الإرهاب من جذوره أمنياً وعسكرياً وسياسياً وأيديولوجياً وتنموياً.
أيضا ترأست الإمارات بالاشتراك مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مجموعة العمل المعنية بالتواصل الاستراتيجي التابعة للتحالف ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، لذا أشاد التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية الصادر في أبريل/نيسان عام 2017 بالجهود الإماراتية في مكافحة الإرهاب.
واستضافت الإمارات في مايو/أيار عام 2017 مؤتمراً دولياً صدر عنه "إعلان أبوظبي حول تجريم الإرهاب الإلكتروني".
وأعلنت الإمارات في ديسمبر/كانون الأول عام 2017 تقديم مساهمة بقيمة 30 مليون يورو لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي لمحاربة ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة.
على المستوى الأمني، اتخذت القيادة المصرية قرارا في 2017 بإنشاء المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف من مختلف مؤسسات الدولة للحد من مسبباته ومعالجة آثاره.
وقامت وزارة الخارجية بإنشاء وحدة معنية بمتابعة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي في تسعينيات القرن الماضي، إيمانا من مصر بحتمية التكاتف الدولي لمواجهة هذه الظاهرة لطبيعتها العابرة للحدود.
كما نفذت مصر العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" التي يقودها الجيش المصري ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية، والتي نجحت في تدمير البنية التحتية للعناصر الإرهابية من الأوكار والخنادق والأنفاق ومخازن الأسلحة والذخائر والعبوات الناسفة والاحتياجات الإدارية والمراكز الإعلامية ومراكز الإرسال، واكتشاف وضبط وتدمير أعداد كبيرة من العربات والدراجات النارية وكميات كبيرة من المواد المتفجرة، والأسلحة، والذخائر، والقنابل، والعبوات الناسفة.
كما تمكنت من القضاء على أكثر من 500 إرهابي، وإلقاء القبض على أعداد كبيرة من الأفراد ما بين عناصر إرهابية وداعمة للإرهاب أو مشتبه فيها بذلك، وعناصر جنائية هاربة من تنفيذ أحكام صادرة عليها، إضافة إلى الحد من محاولات التسلل والهجرة غير الشرعية. وقد شملت العملية ليس فقط سيناء (شمال شرق)، ولكنها امتدت إلى المحاور الثلاثة الاستراتيجية على الحدود الشرقية والغربية والجنوبية للبلاد.
على المستوى القانوني، أنشأت الإمارات قاعدة بيانات تتضمن العناصر المتطرفة والإرهابية في الداخل والخارج والجماعات التي تدعمها وأهدافها ومخططاتها، وشددت الرقابة على الأسلحة والذخائر والمتفجرات من حيث الاستيراد أو التصدير، ووضعت ضوابط بشأن الأسلحة النارية في قانون رقم 11 لعام 1976.
إضافة إلى العديد من الاتفاقيات التي صدقت عليها الإمارات، منها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب 1998، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب 1999 واتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب 2004، واتفاقية الرياض للتعاون القضائي 1999، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب 1999، كما اتخذت القرار رقم 3 لعام 2002 بإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب.
وأصدرت قانون رقم 4 لعام 2002 بشأن تجريم غسل الأموال وتضييق الخناق على المشتبه في ارتكابهم أعمالاً إرهابية وقانوناً آخر في 28 يوليو/تموز عام 2011 لمكافحة الجرائم الإرهابية، وفرضت إجراءات مشددة للرقابة على الحدود ومنافذ الدخول والخروج من وإلى الدولة.
إضافة إلى مراقبة إجراءات الهجرة لمنع تسلل أية عناصر متطرفة، وأصدرت قائمة إرهابية للأشخاص الذين نفذوا أعمالاً إرهابية وتم تعميمها على المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية، وإصدار جواز سفر جديد لمواطني الدولة يحتوي على تقنية مهمة لمنع تزويره، وتم تشديد إجراءات الإبلاغ عن فقد جوازات السفر والتحقيق بشكل صارم بشأنها.
كما أصدرت الإمارات القانون الاتحادي رقم 7 لعام 2014 في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية، والذي تضمن عقوبات مشددة على الأفعال والجنايات التي ترتكب لغرض إرهابي، وكذلك القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية الذي يجرم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة كل أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.
وأصدرت كذلك في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018 قانون "مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة"، الذي يعد بمثابة نقلة نوعية في مسار العمل التشريعي والقانوني لمكافحة تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه.
فضلا عن قيام العديد من الجهات الإماراتية المعنية بتحديث أنظمة قواعدها المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من بينها مركز دبي العالمي، الذي أجرى تحديثا لقواعده ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ضمن برمجة مؤسسية في جهود تحديث البنية التنظيمية المالية.
وشملت أيضا تشريعاً جديداً يحكم عمل مصرف الإمارات المركزي ونشاط المؤسسات المالية، الأمر الذي يعكس نهجاً مؤسسياً لتحديث القوانين المحلية وضمان مواءمتها للمعايير الدولية في مجال مكافحة الإرهاب.
على المستوى الفكري، تنبع الرؤية المصرية الإمارتية من ضرورة مواجهة الأفكار السامة والخبيثة التي يستخدمها الإرهاب لتبرير جرائمه وتجنيد الشباب، واستضافت الإمارات عدداً كبيراً من المؤسسات التي تعمل على تصحيح الأفكار المغلوطة التي يتغذى عليها الإرهاب، من بينها مجلس حكماء المسلمين والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة.
كما استضافت القمة العالمية للتسامح في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018، والتي نظمها المعهد الدولي للتسامح وفعاليات الملتقى الخامس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة تحت شعار "حلف الفضول-فرصة للسلم العالمي".
وتعد الإمارات من أبرز الدول الداعمة لمركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف، والذي تستضيفه عاصمتها أبوظبي، وهي من الأعضاء المؤسسين مع الولايات المتحدة لمركز صواب الذي يهدف لمواجهة أكاذيب تنظيم داعش الإرهابي عبر الإنترنت، من خلال إطلاق حملات توعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما يسهم بالتصدي للخطاب المتطرف.
كما تقوم الإمارات من خلال الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بغرس وتعزيز قيم إنسانية سامية كالاعتدال وقبول الآخر والتعايش والتسامح والوسطية في المجتمع الإماراتي، وقامت بتأسيس مجالس للشباب لتشكل جسرا للتعبير عن آراء الشباب وطموحاتهم.
كذلك قامت مصر بجهود كبيرة لمقاومة الفكر المتطرف من خلال الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية كمركز فكر وسطي معتدل، عبر عدد من المبادرات التي تهدف إلى تعميم ونشر الرسائل الدينية السمحة المعتدلة، وتفكيك البنية الفكرية التي تقوم عليها التنظيمات الإرهابية، ودحض المحتوى المتطرف الذي تروج له هذه الجماعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص.
وأخيراً.. يمكن القول إن الرؤية المصرية الإماراتية حول الإرهاب تتسم بأنها رؤية متقاربة، وتعد هذه الرؤية المشتركة عاملاً مهماً لصون الأمن القومي العربي والحفاظ على مقدراته، نتيجة التنسيق والتعاون المشترك، بما يحقق وحدة الموقف العربي في ظل التحديات غير المسبوقة التي تشهدها المنطقة.