مئات التفجيرات الإرهابية التي تضرب كل قارات العالم سنوياً، التي يسقط فيها عشرات الألوف من الضحايا ما بين قتيل وجريح،
تزداد معها معاناة هؤلاء الضحايا وأسرهم. في ظل غياب الحقوق الخاصة بهم، وهنا تبدو المعاناة الحقيقية الموزعة ما بين وجع الإرهاب وإهمال المجتمع.
صحيح هناك جهود حثيثة لوقف نزيف العمليات الإرهابية، وكثيرًا ما ينجح المجتمع الدولي وأجهزة الأمن ببعض البلدان في تفكيك بعض الخلايا والتنظيمات المتطرفة، ولكن تبقى جهود حماية حقوق ضحايا الإرهاب والناجين منه دون المستوى المطلوب!
خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 أغسطس/آب من كل عام، كيوم دولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وإجلائهم، ولكن ما زال هؤلاء الضحايا في حاجة ماسة إلى الدعم المادي والمعنوي معًا، كما يبقى الناجون في حاجة إلى التكريم الحقيقي ورد الجميل.
ضحايا الإرهاب لهم حقوق لا يمكن التغافل عنها أو نسيانها، ولا يمكن أن يأخذها هؤلاء الضحايا قبل مواجهة هذا الخطر، الذي بات يُهدد الجميع؛ لا بد أن تُرد هذه الحقوق لأصحابها قبل أن يكونوا ضحايا، وبعد أن صاروا كذلك، فالمجتمع بأكمله مدين لكل من قدم حياته فداءً للوطن.
المحافظة على حقوق ضحايا الإرهاب من أهم الأولويات التي تقع على كاهل الدول والحكومات؛ خاصة إذا كانت هذه الحقوق ترتبط بحياتهم وبقائهم على وجه الأرض.
منع الإرهاب أو وقف نشاطه والقضاء على ملاذاته من أهم حقوق الضحايا الذين يسقطون، جراء كل عمل إرهابي، وهنا يبدو مشروعًا الوقوف أمام كل ما من شأنه وقف نزيف الدماء وسقوط ضحايا جدد، وهنا يبدو دور المجتمع لوقف هذا النزيف.
فلا تقتصر هذه الحقوق على دعم الضحايا الذين يسقطون في العمليات الإرهابية فقط، وإنّ كان هذا النوع من الدعم واجبًا لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن الأهم هو وقف خطر الإرهاب حتى لا يسقط ضحايا محتملون.
يتخذ بعض المتطرفين حرية الرأي وحقوق الإنسان ذريعة لنشر خطاب الكراهية أو توفير الملاذات الآمنة للتطرف والإرهاب معًا، وهنا قد ينشغل البعض أو يُطالب بتوفير هذا المناخ دون أن يُراعي حقوق ضحايا الإرهاب، وسياق الاعتراض على توفير المناخات التي توفر بيئة للعنف والتطرف وإهمال حقوق ضحاياه وليس على حرية الرأي ولا على حقوق الإنسان.
صحيح دشنت الأمم المتحدة يومًا دوليًا تُحيي من خلاله ذكرى ضحايا الإرهاب ويحل علينا بعد أيام قليلة، ولكن المجتمع الدولي أهمل كثيرًا واجب الوقوف أمام وقوع ضحايا جُدد يُعانون وجع الإرهاب ومن إهمال المجتمع لهم.
تقع مسؤولية كبيرة على المجتمع ترتبط بدعم أسر ضحايا الإرهاب الذين يُقدرون بمئات الألوف من البشر والناجين من العمليات الإرهابية أو المصابين فيها؛ فحقوق هؤلاء لا تقل عن حقوق ضحايا الحروب والنزاعات الدولية.
فلا بد أن يُقدم لهؤلاء الضحايا كل الدعم من قبل الدولة وأجهزتها ومن قبل المجتمع الدولي عامة، ففوق وسام الشرف، الذي لا بد أن يُوضع على صدور هؤلاء الصامدين، لا بد من احتوائهم وعدم تذكية أي مناخات للتطرف كانت مسؤولة عن أوضاعهم وأوجاعهم من قبل.
لا بد أن يدعم المجتمع الدولي هؤلاء الضحايا بشكل عملي، وأن تتبنى الأمم المتحدة مبادرة للوقوف أمام سقوط ضحايا جدد للإرهاب، فما فائدة إحياء ذكرى ضحايا الإرهاب بينما المجتمع الدولي ما زال عاجزًا عن الوقوف أمام مسببات العمليات الإرهابية، أو أنه لا يجد غضاضة أمام وجود التنظيمات المتطرفة بدعوى دمجها في الحياة السياسية، أو استثمار وجودها لمصالح سياسية ضيقة، فيظل بذلك الخطر قائمًا وتظل المعاناة مستمرة.
وهنا نؤكد أن استمرار الأسباب التي أدت إلى حدوث العمليات الإرهابية سوف يؤدي إلى مزيد من الضحايا ومعه تغيب حقوق هؤلاء الضحايا، وتعلو نبرة الأنين ويزداد الوجع، دون أن يحصل الضحايا القدامى ولا الأحدث منهم على أي حقوق، وبالتالي سوف يستمر نزيف العمليات الإرهابية دون توقف.
منع الإرهاب حق من الحقوق المنسية للضحايا، فلا يمكن أن يتصور الحديث عن حقوق ضحايا الإرهاب، بينما هناك من يدعم الإرهاب ولا يستجيب للمطالب الدولية في وقف نشاطه على أراضيه، أو وضعه على قوائم الإرهاب، وهو مطلب يمكن تحقيقه لو تبنته الأمم المتحدة وفرضت قيودًا على الدول التي تدعمه تحت دعاوى كثيرة.
تبدو دولة الإمارات الأولى عربيًا في مواجهة الإرهاب ودعم ضحاياه، وصاحبة تجربة رائدة في هذا السياق، كما أنها قدمت خدماتها لكل من يُريد أن يواجه الإرهاب أو أن يستفيد من تجربتها، خاصة أنها ترى أن خطر التنظيمات الإرهابية يُهدد أمن العالم وليس أمن الدول التي يوجد على أراضيها.
نجحت القاهرة في وقف نزيف الدماء المتصاعد من قبل الجماعات والتنظيمات المتطرفة، فتم رعاية مبادرات فكرية وفقهية أنتجت أشخاصًا تركوا العنف وفرّغوا أنفسهم لتفكيك أي أفكار تدعو أصحابها لممارسة العنف، فكانت مبادرة وقف العنف في العام 1997.
ومن رحم هذه المبادرة ولدت مبادرات أخرى، ثم تم دمج من راجعوا أفكارهم داخل المجتمع، فنجحت الدولة بذلك في حماية حقوق ضحايا الإرهاب من خلال منعه ووقف نزيفه المتصاعد في نفس الوقت، مع الوضع في الحسبان معاقبة كل من أدين في جرائم تتعلق بالإرهاب.
لا بد من إنشاء صندوق عربي ودولي هدفه دعم ضحايا الإرهاب، ولا بد من دعم هذا الصندوق من قبل الدول الأعضاء، وأن يُقدم الدعم لكل أسر وضحايا الإرهاب بغض النظر عن لونه أو جنسه أو حتى دينه.
لا بد أن تكون الرعاية كاملة لكل ضحايا الإرهاب، رعاية صحية واجتماعية، وألا يتم التقصير في حق هؤلاء الضحايا، وأن توضع لائحة تنظم فكرة الدعم، وإذا تمت إعاقة إنشاء هذا الصندوق بهذا المعنى دوليًا، فلا بد من أن ترعاه بعض الدول العربية، كجزء أساسي من فكرة مواجهة تنظيمات العنف والتطرف.
إلى كل الذين ضحوا من أجل أوطانهم أو فقدوا جزءًا عزيزًا من أعضائهم من أجل ألا يفقد الوطن جزءًا من أرضه، لولاكم ما كانت هناك مواجهة، فأنتم كنتم وما زلتم بأسركم الكريمة حائط الصد أمام مواجهة الجماعات والتنظيمات المتطرفة ودعاة الكراهية وكارهي الحياة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة