الإرهاب في غرب أفريقيا.. خبراء يرسمون لـ«العين الإخبارية» سيناريوهات 2024
أعمال إرهابية وتهديدات أمنية نجمت عن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي شهدتها منطقة غرب أفريقيا في 2023.
ويرى محللون أن أسبابا متعددة أدت لانتشار الإرهاب في تلك المنطقة، منها فشل الأنظمة الحاكمة في احتواء الغضب الشعبي، الأمر الذي ساهم في توسيع الفجوة بين مكونات المجتمع، وظهور معضلة التعددية الإثنية، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، بالإضافة إلى التعامل الأمني مع المعارضين ما أدى لحالة من الرفض المجتمعي للسلطات الحاكمة، والبحث عن بديل حتى لو كانت تنظيمات إرهابية.
ووفقا للإحصائيات فإن بوركينا فاسو تأتي في المركز الثاني بقائمة مؤشر الإرهاب العالمي، بعد أن سجلت أول هجوم إرهابي لها في 2015، وتشير الإحصاءات الدولية المتخصصة في الربع الأول من عام 2023 عن الهجمات الإرهابية، إلى أنها أدت إلى مقتل 1300 شخص في نيجيريا و2300 في بوركينافاسو و1000 في مالي و300 في النيجر.
ويرى خبراء أن الربع الأخير من هذا العام قد شهد انخفاضا كبيرا لهذه العمليات.
تلك المنطقة شهدت أيضا خلال 2023 عدة انقلابات عسكرية غيرت أنظمة الحكم، كما قررت الأنظمة الجديدة قطع الصلات مع فرنسا، المستعمر القديم، في ضربة قوية لمصالح باريس في تلك المنطقة.
ولكن هل تنجح دول تلك المنطقة في التصدي للإرهاب؟.. "العين الإخبارية" تستطلع في هذا التقرير رأي عدد من الخبراء حول مستقبل الإرهاب في الساحل الأفريقي خلال 2024
مشهد غامض
محمد أغ إسماعيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي قال من جانبه إن منطقة المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر شهدت أحداثا كثيرة في عدد من القرى التي بها عمليات إرهابية غير مسبوقة بالإضافة إلى هجرة ونزوح للمواطنين لأكثر من 2 مليون في تلك الدول.
وأوضح إسماعيل في حديثه لـ "العين الإخبارية" إنه منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي حدث هناك تطور جديد، حيث استطاع التحالف الجديد بين الدول الثلاث القيام ببعض العمليات الدفاعية وضربات للجماعات الإرهابية في المثلث الحدودي، مما أثر على سيطرة هذه الجماعات هناك، رغم سيطرتها من قبل على بعض المناطق مثل "تمبكتو"، في ظل وجود البعثة الأممية.
وأضاف أنه بعد انسحاب القوات الفرنسية وخروج القوات الأممية حدث تطور نوعي يؤشر إلى استعادة الجيوش الوطنية في الدول الثلاث لقدراتها القتالية، وأن التنسيق الأمني بينهم ساعد كثيرا بجانب الدعم الروسي من خلال طائرات حربية في المثلث الحدودي.
وأشار إلى أنه حتى الآن لا تزال بعض المناطق في هذه الدول سواء في وسط وشمال مالي وبوركينا فاسو تعاني من الإرهاب، لافتا إلى أن الجماعات الإرهابية تنشط فترة وتهدأ أخرى، إلا أنه هناك حالة من الهدوء النسبي منذ أكتوبر الماضي.
المحلل المالي قال إنه لم تعد هناك هجمات مؤثرة، مؤكدا ضرورة حدوث حوار سياسي في الدول الثلاث.
وأضاف: "تعودنا من هذه الجماعات أنها تهدأ فترة ثم ترجع بقوة، ومستقبل الإرهاب في المنطقة مرتبط بالاستقرار السياسي في هذه الدول، وكذلك رؤية الأنظمة السياسية والتنسيق الأمني والعسكري بينها، وأيضا له علاقة بالتحولات الإقليمية والتقلبات التي يشهدها العالم في ظل هذا الصراع الدولي على أفريقيا عموما ومنطقة الساحل على وجه الخصوص".
وشدد إسماعيل على أن مستقبل الإرهاب في المنطقة لا يزال غامضا.
انخفاض نسبي
وبدوره، قال منير أديب الباحث المصري المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب الدولي إن انخفاض العمليات الإرهابية في غرب أفريقيا في الربع الأخير من عام 2023 لا يعني بالضرورة نجاح المواجهة وضعف هذه الجماعات.
وقال أديب لـ "العين الإخبارية" إن هذا الانخفاض نسبي ومرتبط باستراتيجية هذه التنظيمات الإرهابية".
وأضاف "على العكس فهذا مقلق، لأن هذه التنظيمات متنامية وسوف تعود بضربات أعنف"، مشيرا إلى أن كل التنظيمات الإرهابية قد أصدرت بيانات في الفترة الأخيرة منذ بداية الحرب على غزة بعدم القيام بأي عمليات في المناطق التي تتواجد فيها، موضحا أن مؤشر الإرهاب سوف يزداد بصورة كبيرة عالميا.
وأرجع أديب ذلك إلى انشغال المجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه الخصوص في الصراعات الدولية سواء في أوكرانيا أو غزة، إضافة إلى خروج القوات الفرنسية مرغمة من غرب أفريقيا، علاوة على وجود أنظمة ضعيفة سياسيا وعسكريا في هذه البلدان، مع وجود تنظيمات قوية وعنيفة في منطقة الساحل.
وأعرب عن عدم تفاؤله إزاء مستقبل الإرهاب في عام 2024 في المنطقة، وقال "سنشهد عمليات إرهابية كبيرة في غرب أفريقيا في الفترة المقبلة وفق الأسباب التي تؤكد ذلك".
تصاعد الإرهاب
أما محمد سيدي الباحث والمحلل السياسي النيجري فقال إن عام 2023 شهد أعنف العمليات الإرهابية في مالي وبوركينافاسو والنيجر، والتي أدت إلى مقتل المئات.
وأضاف سيدي لـ "العين الإخبارية" إن "النيجر شهدت عددا من الهجمات الإرهابية منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز الماضي راح ضحيتها العشرات، موضحا أن منطقة "تيلابيري" هي أخطر المناطق التي شهدت عمليات إرهابية بالبلاد.
واعتبر أن الهجمات الإرهابية في نهايات 2023 كانت مؤثرة وخطيرة، ولا يتم الإعلان عنها، متوقعا حدوث تصاعد للعمليات الإرهابية في غرب أفريقيا، بعد خروج القوات الفرنسية والأممية والتي كانت تساند بشكل كبير الجيوش الوطنية هناك.
وقال إن "الجماعات الإرهابية كانت تريد هذا الخروج للقوات الدولية، لتغتنم هذا الخروج لزيادة انتشارها في هذه البلدان الغنية بالثروات الهائلة".
وتوقع تصاعد الهجمات الإرهابية في الفترة المقبلة، وهو ما سيؤدي إلى أزمة أمنية خطرة، كما توقع زيادة أعداد النزوح واللجوء بسبب تزايد هذه الهجمات الإرهابية في المستقبل.
وقال إن قادة بوركينا فاسو ومالي والنيجر يؤكدون أنه سيفعلون ما في وسعهم لكسر شوكة الإرهاب وطرد الإرهابيين من أراضيهم بشكل نهائي وإذا توافرت العزيمة والإرادة والتنسيق بين هذه الدول يمكن توجيه ضربة قوية للإرهابيين".
وأضاف أن الرئيس المعزول محمد بازوم استطاع بمحاولة جيدة تقليل الهجمات الإرهابية في النيجر بصورة كبيرة، كما قام في فترة حكمه بإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية في محافظة "ديفا".
وأشار إلى أن المجلس العسكري الحالي أعلن عودة كبيرة للنازحين، وإعادة تشغيل 200 مدرسة كانت قد تضررت من الهجمات الإرهابية، وأنه تم اتخاذ كافة التدابير لحماية هذه المدارس.
المواجهة ممكنة
أما الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشأن الأفريقي فقدم وجهة نظر مختلفة.
وقال جاكو لـ "العين الإخبارية" إن "المنطقة لم تشهد أي عمليات إرهابية مؤثرة منذ خروج القوات الفرنسية"، متهما باريس بأنها هي التي وجهت المرتزقة بعد انهيار نظام معمر القذافي في ليبيا للذهاب إلى غرب أفريقيا، وهي التي شجعت الأزواد في شمال مالي على ذلك.
واعتبر أن التحالف بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر يستطيع أن يواجه الجماعات الإرهابية بالمنطقة بمساعدة روسيا التي تدعمه بالأسلحة النوعية.
وأضاف أنه رغم الحرب الروسية الأوكرانية إلا أن موسكو تدعم بذكاء النواحي الاقتصادية والتنموية بشكل حقيقي، وتساعد كثيرا في مواجهة الأسباب التي أدت إلى تغلغل الجماعات الإرهابية هناك، وتدعم المناطق المهمشة وكسبت ولاء الشباب المحليين".
وأوضح أن الأوضاع في الصومال مختلفة بسبب وجود قوات أفريقية تعاني دولها من هذا الإرهاب على عكس غرب أفريقيا التي بها قوات غربية وأمريكية تبحث عن مصالحها واستمرار تواجدها.
وقال إن المشكلة في أفريقيا عموما هي غياب الثقة بين الحاكم والمحكوم، والأنظمة الجديدة في غرب أفريقيا تحاول استعادة هذه الثقة بقوة ملحوظة".
وأضاف أنه "في الأشهر الثلاثة الأخيرة تشهد منطقة الساحل وخصوصا في مالي سيطرة تامة للقوات المالية على أراضيها بعد طرد الإرهابيين منها، وكل الهجمات عبارة عن كر وفر وليس هناك أي سيطرة للإرهابيين على الأرض".
وأوضح أن بوركينافاسو تم تحرير قرابة 70% من أراضيها من الإرهابيين، كما ضعفت حركة بوكو حرام في نيجيريا تماما ولم تعد لها أي هجمات مؤثرة.
وتوقع أن يشهد عام 2024 نجاحا في مواجهة الحركات الإرهابية، وقال إن "هذا مرهون بمدى عمل فرنسا لزعزعة الاستقرار بالمنطقة لتغيير الأنظمة التي انقلبت على وجودها بغرب أفريقيا".
ما الحل؟
ويبقى القول إنه لا يمكن الفصل -وفق الخبراء- بين الأوضاع السياسية والاقتصادية والبيئية والأمنية الهشة من جهة، وانتشار التنظيمات الإرهابية وتغلغلها في دول الساحل من جهة أخرى، فهناك علاقة وثيقة بين الأوضاع الداخلية المتردية للبلاد، وانتشار العنف والصراعات المسلحة، فالدول التي تعاني حالة عدم استقرار دائمًا ما تصنف بالأعنف، لذا فإن مواجهة المشكلات الداخلية لدول الساحل، ينبغي أن تتم عبر استراتيجية ومنهجية متعددة الأبعاد، تشمل مقاربات تنموية واجتماعية واقتصادية، ومنح فرص التمكين السياسي لكافة الأطياف السياسية بجانب بعدها الأمني، ويعد كل ما سبق بمثابة ركيزة أساسية لمواجهة معضلة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية.
aXA6IDE4LjIyNi4xNy4yMTAg جزيرة ام اند امز