تردي الأوضاع الأمنية في أفريقيا لا يرجع إلى الإرهاب فقط وإنما يعود بالإضافة إلى ذلك إلى تنامي الجريمة المنظمة والصراعات المحلية
عندما تتم دراسة الأعمال الإرهابية في غرب أفريقيا يُستنتج وجود خطر غير مرئي يقترب، وهو أسوأ في طبيعته من الفكر الجهادي نفسه، ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه تم التحضير للظاهرة الإرهابية في هذا الجزء من أفريقيا ودراستها قبل البدء في الاستفادة من بعض الظواهر المحلية التي تسهم في توسّع الإرهاب أضعافاً مضاعفة.
تشير التوقعات الخاصة بعموم أفريقيا للعقدين المقبلين إلى تعزيز صفوف الإرهابيين بمقاتلين محليين لهم ما يكفي من الدوافع للقتال من أجل قضية يعتبرونها مشروعة، وهو ما يُحتّم على أعدائهم البدء في التفكير في أن النزاع أبعد من أن يكون مجرد صراع عسكري
من الصعوبة بما كان التكهن على المدى المتوسط حول إمكانية تغيير المجندين الشباب، الذين انضموا لهذه الجماعات الإرهابية وتعلموا الوصول لأهدافهم عن طريق العنف وقوة السلاح، سلوكهم وإعادة إدماج أنفسهم في المجتمع، وإذا تم القضاء على مشكلة الإرهاب في أفريقيا يجب توقّع بقاء ظاهرة الإجرام التي خلّفتها تلك الجماعات.
في أثناء غزو الإرهابيين شمال مالي بين عامي 2012 و2013 فرضوا قانونهم على السكان دون أي تردد في تطبيق الحدود، كالجَلد أو الرجم أو قطع الأيدي أو القتل، وهو أمر يصعب أن ينساه السكان، اضطر دروكدال، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلى تحذير مقاتليه من القسوة والتشدد، ناصحاً إياهم بأن يكونوا أكثر ليونة حتى لا يُواجَهوا برفض السكان تعاليمهم، ومن ثم يتولد شعور الكراهية تجاههم، وهو ما سيقودهم حتماً إلى الفشل.
هذه هي حالة تنظيم القاعدة، أما إذا اتجهنا قليلاً نحو الجنوب فإن الشيء ذاته يحدث مع تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، الذي استفاد من خطئه، إن التكتيك الجديد لكليهما هو الفوز برضى المجتمعات المحلية.
وفي الوقت الذي نعتقد فيه أن تردّي الأوضاع الأمنية في أفريقيا يرجع إلى الإرهاب فقط، فإن سببه الحقيقي يعود إلى تنامي ثلاثة قضايا، وهي الجهاديون، الجريمة المنظمة والصراعات المحلية، وتقدّم الجماعات الإرهابية نفسها كفرصة للتغيير ضد الممارسات التي تُعتبر مسيئة وتجاوزات بعض النخب المحلية والحكومة.
وفي مالي، لطالما دافع محمدو كوفا، رئيس كتائب تحرير ماسينا الموالي للقاعدة حالياً، وقبل ذلك مع حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، عن فكرة التخلي عن التسلسلات الهرمية التقليدية وسلطة الدولة؛ لأنها -حسب وجهة نظره- تُعدّ وسيلة للفساد كما أن تعاليمها غريبة على الثقافة المحلية، وأسهمت خطبه بشكل كبير في تشجيع التجنيد في أوساط المجتمعات التي ينشطون فيها.
ويقوم تنظيم أنصار الإسلام بالشيء نفسه، لكن في بوركينا فاسو يتم ذلك على شكل ثورة وتمرد مسلح ضد النظام الاجتماعي، خاصة لدى جماعة بيول العرقية، إنهم يتحدّون الطبقات الاجتماعية والطوائف ويحاربون العبودية، ويسمح الانضمام إلى هؤلاء الإرهابيين للعناصر المنضمة بالتشكيك ونزع القدسية عن النظام الاجتماعي القائم.
ويقترن كل ذلك بحقيقة؛ وهي أن هذه الوقائع تحدث في البلدان التي ترتفع فيها معدلات الفساد، وفي كثير من الأحيان يقع بعض التقصير من قبل أولئك الذين يجب أن يدافعوا عن مصالح المواطنين بعد الحصول على مقابل بائس يصب في مصلحة الإرهابيين، ويُشير ذلك إلى أن خطط ماكرون لإنشاء قوة أفريقية لمحاربة الإرهابيين سوف تتبدد عندما تنتهي ولايته الرئاسية بسبب ضعف المعرفة بما يسمى في عالم الاستخبارات بـ"ذكاء الثقافات" أو الذكاء الثقافي.
وبناء على ما سبق، هناك سؤال يطرح نفسه بقوة وهو: ما الذي نواجه؟ هل نواجه جماعة إرهابية أم تياراً من الإرهابيين والأفراد الرافضين لوضعيتهم الاجتماعية، الاقتصادية أو العرقية ويستغلون هذا الواقع لفرض موقفهم؟
وسوف تتغذى هذه الظاهرة من الانفجار السكاني الأفريقي المتوقع بحلول عام 2050، مما سيزيد من عدد الأشخاص الذين توفرت لهم حجج كافية وقناعات للثورة ضد واقعهم، وهو ما يجعلهم يتخذون من الإرهاب وسيلة للاحتجاج.
ويُسهّل مرور الإرهاب بتلك المناطق عمليات تهريب السلاح، المخدرات، الدراجات النارية، الوقود، سرقة أو احتجاز المواشي، استخراج الذهب بطرق غير قانونية أو الصيد غير المشروع. وعلى الرغم من أن كل ذلك غير قانوني إلا أنه يوفر مصدر رزق للسكان ويجعل بعضاً منهم يؤيدون الإرهابيين، وهو ما يقلل من إمكانية تغيير الواقع، فحتى لو تم حلّ مشكلة الإرهاب سيكون من الصعب جداً القضاء على طرق الكسب غير القانونية التي اعتاد السكان ممارستها.
ويمكن أن تظل الأسلحة الخفيفة وذخائرها صالحة للاستعمال لمدة 50 عاماً، وهو ما يعني أنه إذا لم يُفضِ القضاء على الإرهابيين إلى التخلص من معداتهم الحربية يمكن أن يُغذي ذلك (كما يحدث بالفعل) نوعاً آخر من الصراع المميت في مكان أفريقي آخر قد يتم من خلاله تغيير المشهد، لكن دون القضاء على المشكلة من جذورها.
وتشير التوقعات الخاصة بعموم أفريقيا للعقدين المقبلين إلى تعزيز صفوف الإرهابيين بمقاتلين محليين لهم، ما يكفي من الدوافع للقتال من أجل قضية يعتبرونها مشروعة، وهو ما يُحتّم على أعدائهم البدء في التفكير في أن النزاع أبعد من أن يكون مجرد صراع عسكري.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة