شبكات الطاقة في أمريكا وحصاد تكساس المثير: أواني مستطرقة
عاصفة و18 مليار دولار تعوق التحول نحو الطاقة النظيفة
أدت عاصفة الشتاء أوري التي ضربت ولاية تكساس الأمريكية قبل عامين إلى تداعيات سياسية مهمة بشأن الطاقة.
ألقت دراسة نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي الضوء على الأزمة المتعلقة بشبكات الطاقة التي كشفت عنها عاصفة الشتاء أوري والتي ضربت ولاية تكساس الأمريكية قبل نحو عامين.
وقالت الدراسة إن التداعيات السياسية للعاصفة دفعت المجلس التشريعي بالولاية إلى تبني مجموعة من مشاريع قوانين سياسة الطاقة المثيرة للجدل تحت عنوان SB6 والتي تستهدف استثمارات بقيمة 18 مليار دولار لبناء 10 محطات طاقة تعمل بالغاز الطبيعي.
ووفقا للتحليل الذي نشره المركز، لا ينبغي أن يُنظر إلى الجدل الدائر حول شبكة الكهرباء في تكساس على أنها مجرد قضية محلية، حيث إنها تمثل سياسات سوف تنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة في السنوات القادمة باعتبار أن جوهر المشكلة هو استقرار شبكة الطاقة وكيفية سداد تكلفتها .
مشكلات الشبكة
وأصبحت أعطال شبكة الطاقة شائعة بشكل متزايد، وكان المثال الأكثر وضوحًا هو الانهيار الجزئي لشركة الكهرباء بولاية تكساس في فبراير/شباط 2021 خلال عاصفة أوري. حيث كان مطلوبا فصل الأحمال على نطاق واسع لمنع حدوث انهيار كامل في نظام الشركة، ما قد يؤدي إلى إيقاف تشغيل الطاقة في جميع أنحاء الولاية لفترة أطول.
ورغم هذه الإجراءات، يؤكد 69% من سكان تكساس أنهم فقدوا الطاقة، وخسر ما يقرب من نصف سكان الولاية خدمة المياه وتم تقدير التكلفة التي تتحملها الولاية بما يتراوح بين 80 و130 مليار دولار.
قطع الكهرباء
ولم تكن ولاية تكساس وحدها التي تعرضت لمثل هذه المشكلات حيث إنه في صيف عام 2020، بدأ مشغل الشبكة الكهربائية في كاليفورنيا في قطع التيار الكهربائي بشكل مستمر، للحفاظ على استقرار النظام وسط موجة حر شديدة استمرت يومين، كما شهد صيف عام 2022 موجة حارة استمرت 10 أيام لم تتجنب فيها الانهيار إلا بصعوبة شديدة انقطاع التيار الكهربائي.
وأدت العاصفة إليوت التي ضربت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى إحداث عطلين في الشبكة الكهربائية في الولايات المتحدة، وجاء الأول مع بدء شركة "ديوك إنيرجي" بقطع التيار الكهربائي الذي أثر على 500 ألف عميل على مدار يومين في نورث كارولينا وساوث كارولينا. وبالمثل فقد أُجبرت العاصفة مشغل الكهرباء بولاية تينيسي على بدء مجموعتين من إجراءات قطع التيار الكهربائي.
وبحسب دراسة المركز، لا ينبغي التغاضي عن تلك الأحداث باعتبارها تأكيدا على المخاطر المتزايدة التي يقوم مشغلو الشبكة بالإبلاغ عنها بوضوح إلى الجهات المعنية، وبالتالي يجب دراسة المشكلات بشكل دقيق.
أما مشغل شبكة نيو إنغلاند فيقول إن سيناريوهات إزالة الكربون تشكل مخاطر جسيمة على كفاية الموارد، لأنه مع ارتفاع معدلات استخدام التقنيات الكهربائية بدلاً من التقنيات التي تعمل بوقود الاحتراق، والتحول إلى محطات طاقة أقل في انبعاثات الكربون يؤدي إلى أن تصبح الاحتياطيات التشغيلية ناقصة وفي بعض الأحيان تكون مستنفدة تماما.
وأظهرت التقارير أن الموارد المتاحة لم تتمكن بشكل متكرر في مواجهة وتلبية إجمالي الطلب على الكهرباء وتتوافق هذه المخاطر طويلة الأجل مع مخاطر تتعلق بمدى الثقة في فصل الشتاء على المدى القريب، والتي وصفها مؤخرا مفوض اللجنة الفيدرالية لتنظيم الطاقة بأنها "تجاوز مواردنا وآمالنا بشكل أساسي".
ويشير تقييم شبكات الطاقة لعام 2022 في نيويورك على أنها تواجه أكبر خطر بسبب محدودية التوليد والتحول لخدمة الطلب المتوقع.
وبالانتقال جنوبًا إلى شركة "بي جي إم" التي تغطي 13 ولاية من نيوجيرسي إلى إلينوي, أوضح التقرير أن هناك العديد من الاتجاهات التي توضح أن مخاطر متزايدة في الشبكة الكهربائية تتمحور بشكل أساسي حول أن "حالات تقاعد الشبكات قد تتجاوز بناء موارد طاقة جديدة".
وقد وجدت دراسة بعنوان "تقييم الموارد الإقليمية" لعام 2022 أن هناك مخاطر مستمرة تواجه السعة على المدى القريب مع ضرورة البدء فورا في توفير المواد بهدف الاستثمار.
القضية المركزية
وتشير جميع التقارير إلى أن كفاية القدرات هي القضية المركزية، وبمعنى آخر، هل الشبكات كافية لتلبية الطلب على الكهرباء في أي لحظة في ظل أي مجموعة من الظروف.
أما مشغلو الشبكات فغير متأكدين من هذا الأمر، لأنه دائما ما يؤكدون أن توفير موارد التوليد تتطلب منهم فصل منتظم ومتحكم فيه للأحمال من أجل الحفاظ على التوازن.
وتعد هذه الحالة مستمرة منذ عقد من الزمان لأنه في جميع أنحاء الولايات المتحدة، تم إيقاف عدد كبير من المولدات التي تعمل بالفحم والطاقة النووية والغاز الطبيعي المتقادمة. وبدلاً من ذلك، استخدمت الولايات المتحدة طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وتوليد الغاز الطبيعي التي تعمل بالدورة المركبة. وتعمل سياسات إدارة الرئيس جو بايدن على تسريع هذا الاتجاه.
وتشجع السلطات على توسيع وتيرة انتشار طاقة الرياح والطاقة الشمسية من خلال الإعفاءات الضريبية الكبيرة طويلة الأجل، ولذلك فهناك إقبال غير مسبوق من جانب المطورين في جميع أنحاء البلاد للاستثمار في هذا القطاع بهدف بيع الطاقة لاحقا.
وقد وجه الرئيس الأمريكي وكالة حماية البيئة بإصلاح معايير انبعاثات الفحم والتلوث، ومن المتوقع أن تضيف هذه اللوائح الجديدة الأكثر صرامة تكاليف كبيرة لإنتاج طاقة الفحم في الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى موجة متسارعة من تقاعد محطات الطاقة تلك.
وقد تم وقف العمل في العديد من محطات الطاقة النووية قبل الموعد المحدد لتشغيلها بسبب الظروف الاقتصادية السيئة.
الغاز الطبيعي
وتعتبر أبرز التوقعات لقطاع الطاقة والكهرباء في الولايات المتحدة هو أن يلعب الغاز الطبيعي دورا مستمرًا لتوليد الطاقة، وهو ادعاء له مصداقيته، لأنه على عكس الرياح المتقطعة والطاقة الشمسية، هو مورد قابل للتوزيع. لكن في الوقت نفسه يعد إنتاجه صعبا في ظروف الشتاء. ففي عواصف الشتاء إليوت وأوري، انخفضت بشدة معدلاات إنتاج الغاز الطبيعي.
وحددت لجنة تنظيم الطاقة الفيدرالية ضرورة إجراء تحسينات واضحة على محطات الغاز الطبيعي التي من شأنها تقليل هذه الانخفاضات.
ويشير تحليل المركز إلى أن هناك مجالًا لتحقيق مزيد من الطاقة من محطات الغاز الطبيعي الحالية من خلال الاستثمار في شبكة خطوط الأنابيب لمواجهة العوامل الجوية، الأمر الذي من شأنه أيضًا التخفيف من مشكلات توافر الطاقة.
ويواجه قطاع الطاقة في الولايات المتحدة -المنظمون، والصناعة، وصانعو السياسات، ودافعو التكلفة- مفارقة محورية حول كيف يمكن أن تستثمر في مورد مهم للغاية لرفع كفاءة الشبكة على المدى القريب والمتوسط، ومع ذلك لا يتباطأ الاتجاه نحو التحول عن هذه الطاقة لاحقا؟
بمعنى آخر: فإن قلة الاستثمار ستؤدي إلى مخاطر جدية تتعلق بكفاءة الشبكة، أما الاستثمار المرتفع فيؤخر دون داع الانتقال إلى الطاقة النظيفة ويقوض الأهداف البيئية.