ملتقى أبوظبي الاستراتيجي.. العلاقات الدولية تسيطر على يومه الأول
الملتقى يعقد برعاية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، ويبحث مفهوم القوة في العلاقات الدولية، عبر 6 جلسات.
ألقى المشاركون في فعاليات اليوم الأول من "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس"، الأحد، الضوء على "مفهوم القوة في العلاقات الدولية، عبر 6 جلسات.
وينظم الملتقى مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، وذلك في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
وبحث الملتقى، الذي يعقد برعاية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، وبمشاركة نخبة كبيرة من صناع القرار وخبراء تحليل السياسات والباحثين المختصين من مختلف بقاع العالم، مفهوم القوة في العلاقات الدولية، وذلك عبر 6 جلسات، تناولت محاورها العديد من القضايا الدولية والإقليمية الشائكة.
- انطلاق ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس بمشاركة دولية واسعة
- قرقاش: الإمارات تدعم سياسات أمريكا للتصدي لتهديدات إيران الإرهابية
وفي الكلمة الرئيسية بالجلسة الافتتاحية للملتقى، قال الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، إن "القيم التي صاغت شعبنا وصاغت علاقاتنا مع العالم هي قيم الشيخ زايد، التي تتمثل بالاعتدال والتسامح والتعاون والتعاطف التفاؤل، وهي القيم التي تجسدت في حيوية دولتنا وتحولها إلى مركز اقتصادي وإعلامي وتكنولوجي في الإقليم".
وذكر الدكتور قرقاش أن المنطقة تمر باضطرابات وتحديات غير مسبوقة، وأن الإمارات تنطلق في مجابهة هذه التحديات من مبادئ أساسية هي احترام السيادة والتعددية والتعاون ودعم الاستقرار.
وأوضح قرقاش أن هناك مجموعة عناصر تقوي الاستقرار في المنطقة، أولها الحاجة إلى تحالف عربي لمعالجة التحديات الأمنية القائمة، والذي لابد من أن يرتكز على السعودية ومصر لدورهما القيادي المنطقة، كما يعد مجلس التعاون الخليجي لاعبا رئيسيا في هذا التحالف.
أما العنصر الثاني لدعم الاستقرار في المنطقة، يتمثل في احترام السيادة الوطنية وإنهاء التدخل في شؤون الآخرين، وهذا يتطلب مجابهة سلوك إيران الداعم للمليشيات والمزعزع لأمن الدول، وفي هذا الصدد أكد قرقاش أن دولة الإمارات تدعم سياسة الرئيس الأمريكي ترامب تجاه إيران.
ودعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في كلمته، الحوثيين إلى خفض التصعيد والبدء بمحادثات جديدة، كما دعا المجتمع الدولي إلى المساهمة في التوصل إلى حل سلمي للصراع من خلال دفع الحوثيين إلى المشاركة في مباحثات السلام، وقطع السلاح والتمويل الذي يصل إليهم من إيران.
فيما يخص الأزمة الإنسانية المتفاعلة في اليمن، أشار قرقاش إلى أن الإمارات قدمت ما يقرب من مليار دولار في شهر مارس/آذار الماضي إلى الأمم المتحدة، كما أعلنت عن حزمة مساعدات بقيمة 70 مليون دولار لدفع رواتب المعلمين حتى في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وفي الكلمة الافتتاحية للملتقى، قالت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات، إن الملتقى يهدف منذ تدشينه إلى مساعدة صانعي القرارات على العمل في بيئة أقل غموضا وتعقيدا، وذلك من خلال تطوير وتنويع منهجيات تحليل القضايا الاستراتيجية الكبرى؛ وتفكيك تفاعلاتها وتداخلاتها، وفهم حركيتها وأسبابها، والتنبؤ بتأثيراتها ومآلاتها.
وأضافت أن الملتقى في نسخة هذا العام يسعى إلى سبر أغوار التحولات الجيواستراتيجية والجيواقتصادية الدولية والإقليمية، وتفكيك الشيفرة الوراثية للسياسة الدولية وتداعياتها على المنطقة والإقليم، وتقديم تجربة الإمارات في بناء القوة الناعمة وتوظيف القوة الذكية كنموذج في بناء القوة؛ واستقراء تغير مفهوم القوة وتوزيعها دوليا وإقليميا، إذ تبقى القوةُ "الجينَ" المهيمنَ على السياسة الدولية والمسؤولَ عن التحولات الجيواستراتيجية والجيواقتصادية.
إغراء القوة الأمريكية
في الجلسة الثانية من الملتقى، جرى مناقشة إغراء القوة في السياسات الأمريكية، وتقييم السياسات الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب، وهل تتسم "بالإحساس بالعظمة" و"الأحادية"، أم أن الواقعية والعقلانية السياسية هي أساس الاستراتيجية الأمريكية.
وهنا، قال روبرت مالي الرئيس والرئيس التنفيذي لـ"مجموعة الأزمات الدولية"، إن القوى الناعمة في السياسة الخارجية الأمريكية كانت فعالة خلال الإدارات الأمريكية السابقة، لكن اليوم هناك مراجعة بهدف الحد من فاعلية أدوات القوة الناعمة، لافتا إلى وجود حالة من عدم الرضا عن سياسة ترامب.
بدوره، قال مايكل روبن الباحث المقيم في "معهد المشروع الأمريكي"، إن تأرجح السياسة الأمريكية سوف يزداد، مبينا أنه ليس هناك خلاف على أن الرئيس ترامب مثّل اختلافا جذريا، ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة تملك نظاما مبنيا على سيادة القانون، الأمر الذي يضطر الرئيس الأمريكي إلى التنسيق مع الكونجرس والمؤسسات الأخرى في إدارة السياسة الخارجية.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في كلية الدراسات الدولية دانييل ماركي، إن هناك انفصال واضح بين ما يقوم به الرئيس الأمريكي وما تقوم به إدارته، الأمر الذي أربك المراقبين، فيما تبني أمريكا حساباتها على تكهنات غالبا ما تكون خاطئة.
وأشار ماركي إلى أن السعودية والإمارات تواجهان توسع إيران وحلفائها في المنطقة، وأن هناك ارتباكا شديدا في واشنطن حول هذا الأمر، واصفا هذا الارتباك بالخطير.
فيما قال أندرو باراسيليتي مدير مركز الأمن والمخاطر العالمية في "مؤسسة راند"، إن ما يميز أمريكا هو وجود مؤسسات إلى جانب الرئيس الأمريكي، الأمر الذي ينفي الفوضى المتوقعة من تعلق الأمور بالنمط الرئاسي وحده، حيث أن هناك وزراء ملتزمين بالسياسة بالخارجية الأمريكية، والذي يحدون من قدرة ترامب على العمل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
جدل القوة الروسية
أما الجلسة الثالثة، تناولت محور طموح القوة في السياسات الروسية، وتقييمها موضوعيا والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها وتحد منها.
وقالت البارونة بولين نيفيل-جونز عضو مجلس اللوردات البريطاني، إن الديمقراطيات الغربية تختلف عن الرؤية الروسية في مقالات العلاقات الدولية، التي تعمل مستندة إلى ميزة استخدام القوة لتحقيق أهدافها.
من جانبه، قال أندريه كورتونوف مدير عام مجلس الشؤون الدولية الروسي، إن التطورات الأخيرة في المنطقة تقتضي إدخال تعديلات مهمة على الاستراتيجية الروسية؛ وكشف عن صعوبة تأسيس تحالفات، مع تعقد الصراعات الإقليمية في المنطقة، مؤكدا أن بلاده لا تحاول استبدال دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهي تدرك حجم النفوذ الأمريكي في المنطقة لكنها تحاول تغييره، فهدف روسيا تربوي تقريبا.
صعود القوة الصينية
الجلسة الرابعة في الملتقى، ركزت على محور حدود القوة الصينية، وطرح المتحدثون قضية الحدود الجغرافية والاقتصادية والبنيوية والثقافية لقوة الصين، وموقعها في النظام الدولي، مقابل تصاعد احتمالات صعودها كقوة عالمية في المستقبل.
سونيا لي مسؤولة دبلوماسية بمؤسسة التواصل بين الشعوب، قالت إنه يتعين فهم تأثير الثقافة الصينية على السلوك الخارجي الصيني قبل إطلاق الأحكام وتوجيه الانتقاد لها، مضيفة أنه من الطبيعي أن نتوقع انخراطا أكبر للصين في قضايا الشرق الأوسط ضمن مبادرة الحزام والطريق، لكن بكين لا تريد التورط في صراعات المنطقة مثل الولايات المتحدة.
الدكتور زانج يويان مدير معهد الاقتصاد والسياسة العالمية في الأكاديمية الصينية، أكد أن تقييم الصين يتوقف كقوة إقليمية أو عالمية بشكل كبير على أداة القياس، وبالنظر للناتج المحلي للصين فهي في المرتبة الثانية كقوة اقتصادية عالمية.
فيما قالت سارة كيرجبيرغر من معهد سياسات الأمن في جامعة كيل الألمانية، إن الحزام والطريق الصينيين يضمنان للغرب وأوروبا بدائل استراتيجية لخطوط الإمداد والنقل في حال حدوث أية صراعات أو حالات طوارئ في طرق النقل العالمية، لكنها تنطوي أيضا على عدة مخاوف، خاصة في إطار تنامي العلاقات الروسية الصينية، وتعزيز التعاون العسكري بين الطرفين.
تحديات قوة أوروبا
تناولت الجلسة الخامسة موضوع "بحث أوروبا عن القوة"، وأشار المتحدثون إلى أن أوروبا تعيش في مرحلة تحول، وأن الاتحاد الأوروبي عليه أن يتغلب على التحديات الداخلية التي تهدد المنظومة الأوروبية حتى يستطيع أن يُعيد إلى أوروبا دورها في النظام العالمي.
وأشار الدكتور جان-مارك ريكلي مدير برنامج المخاطر العالمية والمرونة في مركز جنيف للسياسات الأمنية، إلى أن أوروبا تواجه مصدرين من التحديات، الأول: التحديات الداخلية المتمثلة بصعود الشعبوية والنزعات اليمينية والقومية، وما قد ينتج عنه من تفكك الاتحاد الأوروبي، كما حدث بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد "البريكست".
أما المصدر الثاني من التحديات فهو ما ينفع من تحدي إدارة التحالف مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس ترامب، التي ترفض التعددية في العلاقات الدولية والنظام العالمي.
السير مايكل لي الزميل الأول في "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" في بروكسل، قال إن الإشكالات الناتجة عن الاندماج في أوروبا وسلبيات العولمة، أسهمت في تغذية دعوات الشعبوية والنزعة القومية في أوروبا.
وتوقّع أن يزداد عدد أعضاء الأحزاب الشعبوية واليمينية في البرلمان الأوروبي، خلال الانتخابات المقررة في مايو المقبل، مشددا على أنه ليس من الحكمة التهوين من التبعات الخطيرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "البريكست" على الطرفين معا.
أفريقيا.. قوة كامنة
وفي نهاية فعاليات اليوم الأول للملتقى، ركزت الجلسة الأخيرة "واقع القوة الأفريقية في ميزان القوى العالمي وإمكانية تحويلها من قوة كامنة إلى قوة فاعلة في النظام الدولي".
واعتبر فيكتور بورخيس وزير الخارجية السابق لجمهورية الرأس الأخضر، أن أفريقيا لديها شراكات استراتيجية غير متوازنة، وعلى الأفارقة أن يتعلموا الدروس في إعادة هيكلة الشراكات الاستراتيجية.
بينما قال عبد الله ولد أباه أستاذ الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة نواكشوط إن هناك انتباها عربيا تجاه الطاقة الكامنة في أفريقيا، فبعد الانقلاب الحوثي شعرت دول الخليج بأهمية شرق أفريقيا والقرن الأفريقي (إريتريا، إثيوبيا، الصومال، جيبوتي)، والتوجه العربي نحو أفريقيا أصبح واقعا واضحا، في الخليج ومصر.
ومن المقرر أن تستمر جلسات الملتقى غدا الإثنين، لبحث موضوعات عدة مثل: صفقة القرن وتفكيك شفرتها بعيدا عن التهويل فيها والتقليل منها، في محاولة لفهم إعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه العالم العربي داخليا وإقليميا مثل الحرب في سوريا والوضع في اليمن وليبيا.
ومن المقرر أن تتناول جلسات غد الإثنين، بحث سوق الطاقة المضطرب في ظل التحولات الجيواقتصادية الدولية، كما ستبحث جلسات الملتقى التقييم الحقيقي للقوة التركية المتخيلة، وخرافة القوة الإيرانية ووهم القوة لدى قطر.