الناخب الجزائري.. من التصويت العقابي إلى المقاطعة
أيام قليلة تفصل الجزائر عن انتخاب سادس برلمان تعددي في تاريخ البلاد.
أيام قليلة تفصل الجزائر عن انتخاب سادس برلمان تعددي في تاريخ البلاد، لكن المتجول في بعض المدن الجزائرية وفي عاصمتها لن يجد أجواء ما يحلو لبعض السياسيين تسميته "بالعُرس الانتخابي"، فلا مظاهر لعرس أو لانتخابات إلا من خلال ملصقات القوائم الانتخابية أو لوحات "سمع صوتك".
"سمع صوتك" ليس مجرد تشجيع على التوجه إلى مراكز الاقتراع فقط، بل اعتراف ضمني من السلطات الجزائرية كما يجمع المراقبون الذين تحدثت معهم بوابة "العين" الإخبارية، بوجود "صمت رهيب مخيف" أو "بالسكوت الذي يسبق العاصفة" الذي تتخوف منه السلطة والأحزاب في الجزائر، والذي تحول إلى ظاهرة يرى فيها المتابعون للشأن الجزائري "بوادر احتجاج سياسي من نوع جديد"، انتقل من الاحتجاج "بالتصويت العقابي" على الطبقة الحاكمة كما حدث في بداية التسعينيات عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، إلى "عدم التصويت العقابي" الذي ارتفعت وتيرته مع بداية الألفية الثالثة، حيث فاقت نسبة المقاطعة في آخر انتخابات نيابية سنة 2012 الخمسين بالمائة أي أكثر من نصف عدد الهيئة الناخبة.
لكن انتخابات هذا العام في الجزائر بحسب المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تصاحبها كما يرى المراقبون، قد تكرس لتعميق الفجوة بين كل الطبقة السياسية والشعب، أو تكرس "لنظام سياسي اجتماعي مُوازٍ" في الجزائر تقوده الأغلبية المقاطعة إذا ما اعتمدنا على نسب المقاطعة في آخر انتخابات نيابية، يكون عنوانه "لكم سياستكم وبرلمانكم ولنا مقاطعتنا وصوتنا".
فالسلطات الجزائرية وجدت نفسها تبذل جهوداً دعائية إضافية وبسرعة قصوى لإقناع الناخبين بالمشاركة في التشريعيات القادمة، كان آخرها إدخال المساجد على خط إقناع المصلين بضرورة إسماع صوتهم يوم الرابع مايو/أيار المقبل، دون أن ننسى الوعود التي قدمها الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في آخر رسالة إلى الجزائريين بأنه سيضمن شفافية استثنائية على نتائج التصويت.
أما مختلف الأحزاب المشاركة الموالية والمعارضة، فاعترف عدد من قيادييها ومناضليها أنهم وجدوا أنفسهم في "مواقف لا يحسدون عليه" في بعض التجمعات الانتخابية التي تجاوز عدد الوفد المرافق لهم عدد الحاضرين لتجمعاتهم، ما دفعها إلى رفع نسق تحركاتها في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية، حتى في المقاهي والمقابر، وحتى من رفع مستوى الوعود المقدمة إلى الناخب الجزائري بتحويل الجزائر إلى نموذج اقتصادي وسياسي لا يقل عن تركيا وماليزيا، ليختم الجميع الحملة الانتخابية التي يُجمع المراقبون أنها كانت باردة بكل المعايير، بتحميل المقاطعين النتائج السلبية على مسار الإصلاحات السياسية وعلى الوضع الاقتصادي الصعب وحتى التحديات الأمنية، لعلها تكون الورقة المقنعة لهم بالتصويت يوم الاقتراع.
وفي الوقت الذي لا توجد في الجزائر مراكز لسبر الآراء يمكن الاعتماد عليها، إلا أن المظهر العام في الشارع الجزائري لا يوحي فقط بالمقاطعة، بل بلامبالاة بكل ما يدور حوله من تحركات وتجمعات وإجراءات انتخابية كما صرح عدد من المحللين لبوابة العين الإخبارية، الذين أعطوا قراءات متعددة ومتداخلة في أسباب وظاهرة العزوف السياسي للجزائريين.
أستاذ العلوم السياسية، عبد العالي رزاقي، قال في حديث مع بوابة "العين" الإخبارية "إن خطاب الأحزاب المشاركة في الحملة الانتخابية حمل الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات أكثر من طرح البديل الذي يفترض أن تتبناه الأحزاب المحترمة، وهو ما اضطر الرئيس الجزائري إلى التدخل برسالة وعود".
كما أرجع المحلل السياسي حالة العزوف المبكر للجزائريين في عز الحملة الانتخابية إلى "دخول رجال الأعمال أو كما تسمى في الجزائر بالشكارة وعلى رأس القوائم الانتخابية، ويشترون حتى قوائم بأكملها، إضافة إلى فضائح الرشاوي التي هزت عدداً من الاحزاب والحزب الحاكم"، مضيفاً أن هذه الأمور "تؤدي إلى التكريس لبرلمان خاص برجال الأعمال لا يعرفون قضايا الشعب، وهي النقطة التي أفاضت كأس المترددين في المشاركة من عدمها".
المحلل السياسي، عبد الرحمن بن شريط، في حديثه مع بوابة "العين" الإخبارية، قال "إن الحملة الانتخابية التي انتهت أثبتت أنها جاءت ببرامج بعيدة عن تطلعات الجزائريين، وبوعود كاذبة لا يمكن تصديقها، خاصة لتلك الأحزاب التي تتبنى برنامج رئيس الجمهورية وتعد الناس بما لا يتوافق مع هذا البرنامج".
وأردف بن شريط قائلاً: "إن البرلمان السابق ساهم بشكل كبير في امتناع الجزائريين حتى عن الاهتمام بمجريات الحملة الانتخابية، فكان برلمان التصويت على مشروعات قوانين ضد إرادة الشعب كقانون العمل والتقاعد وغيرها، ويضاف لها الغياب الدائم لأكثر من نصف عدد نواب البرلمان عن الجلسات، وكذا المستوى التعليمي المتدني لعدد لا يستهان به من النواب، فكان برلماناً استفزازياً للجزائريين".
دخول المال السياسي إلى الانتخابات، يرى فيه المحلل السياسي أحد الأسباب التي "قضت على الآمال بمشاركة قوية في الموعد القادم"، لكنه أصر على أن "الخطاب المستعمل من قبل القيادات الحزبية سواء الموالية أو المعارضة والذي يعكس المستوى السياسي لكثير منها يدفع الشباب تحديداً إلى مقاطعة الانتخابات، خاصة أنهم يقارنون مستوى هذه الأحزاب بتلك الموجودة في أوروبا وغيرها".
لكن المحلل السياسي، اعتبر أن "ظاهرة العزوف الجزائرية لا تعبر بالضرورة عن الجهل بما يجري، بل عن وعي تام بكل ما يحدث وما سيحدث"، داعياً السلطة والاحزاب "إلى ضرورة رفع مستوى الخطابات والسياسات مع هذا الوعي".
كما جدد المحلل السياسي ما ذكره لبوابة "العين" الإخبارية مع بدء الحملة الانتخابية، حيث قال "إن هذه الحملة وللأسف زادت من قناعة عدد كبير من الشباب بأن الانتخابات لن تمثل في ظل هذه الوجوه والخطابات فرصة للتغيير السياسي المرجو، والأحزاب ساهمت بشكل كبير في تعميق الهوة بين كل الطبقة السياسية والشباب الذي انتقل من الناقم عليها إلى عدم رؤيتها وسماعها".
أما أستاذ العلوم السياسية، لزهر ماروك، فيرى أن ظاهرة المقاطعة "موجودة في كل دول العالم بما فيها الجزائر"، مضيفاً لبوابة "العين" الإخبارية، أن "الأحزاب لم تستفد من التغيرات الحاصلة في المجتمع الجزائري ولم تكيف خطاباتها وبرامجها مع هذه التغيرات".
مضيفاً أن "الجزائريين أثبتوا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أنهم مطلعون على كل ما يجري في العالم بأسره وأصبحوا يقارنون بلدهم بالكثير من البلدان، ويحلمون ببلد متطور، وهي الأمور التي تفوق المستوى السياسي وحتى التعليمي لكثير من الاحزاب، وتغفل عنها أحزاب أخرى".
وأردف قائلاً: "لمست رغبة في التغيير عند كثير من الشباب، وقد تكون الانتخابات المقبلة فرصة ثمينة لتحقيق هذا التغيير، ولهذا لا أتوقع نسب مقاطعة بالحجم الذي تصوره بعض وسائل الإعلام والشخصيات المعارضة".
أما المتابع للشأن الجزائري، الدكتور حسني عبيدي، فقال لبوابة "العين" الإخبارية، إن متابعته لمجريات الحملة الانتخابية "أكدت أن نسب المقاطعة في الانتخابات القادمة قد تكون قياسية مقارنة بكل الانتخابات التي جرت في الجزائر"، مستغرباً في الوقت ذاته من أن "نسب المقاطعة المعلن عنها في الانتخابات التي جرت في عهد التعددية تفوق بكثير تلك المعلن عنها في عهد الحزب الواحد"، مضيفاً أن "الجزائريين لا يثقون في العملية الانتخابية ولهذا يلجأون إلى العزوف الانتخابي، وهو موقف سياسي سلمي وواع ومعارض لكل التركيبة السياسية المتواجدة".
وعن أسباب عدم اهتمام الجزائريين بالحملة الانتخابية، واحتمال انعكاس ذلك على نسب المشاركة في الاقتراع القادم، أرجع الدكتور عبيدي هذه المقاطعة "إلى الوضعية الاقتصادية والسياسية التي تمر بها الجزائر التي تزيد من امتناع الناخبين"، حيث اعتبر أن "تزامن الوضع الاقتصادي المتردي في كل مرة وفي كل انتخابات يزيد من الناقمين على السلطة والأحزاب".
المحلل السياسي، إسماعيل معراف، أرجع في اتصال مع بوابة "العين" الإخبارية ظاهرة العزوف قبيل الانتخابات إلى "اقتناع الجزائريين أن البرلمان القادم سيكون كسابقه، ومنبراً لتمرير المشروعات الحكومية ومشروعات رجال الأعمال، ووسيلة لاستمرار الفساد"، ومن هذا المنطلق وصف المحلل السياسي عملية الاقتراع القادم "بالتزكية للمنظومة الحالية لا أكثر مهما كانت نتائجها، وهناك قناعة لدى كثير من الجزائريين أن كثيراً من أحزاب المعارضة ما هي إلا وجه آخر لأحزاب السلطة".
ورغم المخاوف من مقاطعة قياسية للتشريعيات، إلا أن عدد الأحزاب المشاركة يعتبر قياسياً أيضاً بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، إذا ما استثنينا حزب طلائع الحريات لرئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس والمنافس السابق للرئيس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية سنتي 2004 و2014، وحزب جيل جديد، لجيلالي سفيان، اللذين أعلنا مقاطعتهما لهذه الانتخابات، والتي استندت في قرارها على الظروف الاقتصادية والاجتماعية وإخفاقات الحكومات المتعاقبة في إيجاد الحلول لنفس المشاكل.
حيث برر بن فليس قرار حزبه "برفض المشاركة في مسرحية سياسية من تأليف وإخراج السلطة" على حد تعبيره، واعتبر أنها لن تكون "مخرجا لحل الازمة التي تعيشها الجزائر"، كما تعهد بن فليس "بإكمال هذه المقاطعة من خلال مطالبة الجزائريين بالمقاطعة أيضاً.
أما جيلالي سفيان، فقد أرجع قرار المقاطعة في حديث سابق مع بوابة "العين" الإخبارية إلى "انعدام شروط نزاهة الانتخابات، وأن موقف حزبه ثابت من خلال تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم والإشراف على الانتخابات وسحبها من وزارة الداخلية".
غير أن عدداً من المحللين الذين تحدثت معهم بوابة "العين" الإخبارية، استبعدوا أن يكون لهذه الأحزاب قدرة على إقناع هذا العدد من الجزائريين بالمقاطعة، وفي هذا الشأن يرى الدكتور عبد العالي بوكروح، أستاذ علم الاجتماع السياسي، بأن أسباب العزوف الانتخابي والسياسي في المجتمع الجزائري يعود "إلى اليأس المتراكم في المجتمع تجاه الأحزاب السياسية، فالشباب يرون أنهم وسيلة فقط لهذه الأحزاب للصعود إلى المناصب ومقاعد البرلمان، ولا تعتمد عليهم الأحزاب إلا في طموحاتها السياسية الظرفية".
وأضاف الدكتور بوكروح في اتصال مع بوابة "العين" الإخبارية "أن ظاهرة العزوف المتزايدة مع كل موعد انتخابي وفي هذا الموعد تحديداً تعود أيضاً إلى حالة الإحباط الذي فرضه البرلمان السابق الذي جاء هو الآخر بعد ترسانة من الوعود، لكن الجزائريين لا يرون أنها تجسدت".
كما لفت الدكتور الجامعي إلى نقطة لطالما تحدث عنها الشباب الجزائري، حيث قال لـ"العين" "إن من أسباب العزوف، الواقع المر الذي ينتظر المتخرجين من الجامعة، والممارسات التي يتعرضون لها عند البحث عن فرص العمل من بيروقراطية ومحسوبية وتمييز، ومنهم نسبة لا يستهان بها من البطالين، وعوض تفكيرهم بالانتخاب وتغيير واقع مجتمعهم أي المنفعة العامة يفكرون بالهجرة وبالتالي تغيير حالهم أي البحث عن المنفعة الخاصة".
أما أستاذ العلوم السياسية، محمد زغادة، في حديثه مع بوابة "العين" الإخبارية فقد استبعد أن تكون المقاطعة الحالية أو القادمة على علاقة بمقاطعة هذه الأحزاب، حيث قال "إن كل الأحزاب المقاطعة تحاول دائما اعتبار المقاطعين للمواعيد الانتخابية ضمن صفوفها، وأنهم استجابوا لنداءاتهم"، مضيفاً أنه "رغم قِدم التجربة الديمقراطية في الجزائر إلا أننا لم نصل إلى درجة أن يقنع حزب الجزائريين بالامتناع عن التصويت ولا حتى بفكرة التصويت".
حيث اعتبر أن "المقاطعة والمشاركة في المجتمع الجزائري لطالما كانت مرتبطة بالظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية التي شهدتها الجزائر"، مضيفاً: "رغم رغبة الجزائريين في التغيير لكن كيف لهم أن يثقوا أيضاً في معارضات خرجت من رحم السلطة وتبوأت مناصب حكومية في أوقات معينة ولم تفعل شيئاً لهذا الشعب".
معتبراً أن "مثل هذه النماذج التي تطرح نفسها بديلاً سياسياً والتي ما هي إلا وجوه قديمة ساهمت بشكل كبير في تعمق حالة اليأس لدى الجزائريين واقتناعهم بعدم جدوى الأحزاب والانتخابات، يضاف لها خطابات الأحزاب المشاركة التي تتميز بالشعبوية وحتى الأسلوب السوقي في بعض الحالات".