قطعت المعاهدة الطريق على المزايدين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية وأصحاب الشعارات الذين يستخفون بعقول العامة ويستغلون عواطفهم.
أوجدت معاهدة السلام أجواءً مناسبة في المنطقة، يمكن للفلسطينيين اغتنامها وفتح الباب بروح وثّابة وبرؤية متفائلة للمستقبل، مسنودين بإرادة عربية ودولية في إطار «حل الدولتين». فمع كسر الحواجز النفسية سيسلِّم الإسرائيليون بمبدأ السلام مقابل الأرض، ومع الإصرار والمثابرة سيصبح المستحيل ممكناً.
وفي السياق الفلسطيني، أكد تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة «فتح»، أن دولة الإمارات تراعي دوماً مصالح الشعب الفلسطيني العليا، بتوظيف كل علاقاتها في إطار استراتيجية تهدف للتخلص من الاحتلال، ونيل الشعب الفلسطيني حقَّه في الحرية والاستقلال.. داعياً إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام.
ومن إيجابيات انعكاس المعاهدة على الموقف الدولي، دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون الرئيسَ عباس لزيارة باريس، للتشاور حول الأوضاع المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث جدد التأكيد على ضرورة التسوية سياسية وفق «حل الدولتين» والقانون الدولي.
لقد قطعت المعاهدة الطريق على المزايدين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية وأصحاب الشعارات الذين يستخفون بعقول العامة ويستغلون عواطفهم، وقد اعتاشوا لسنوات على القضية، ومنهم أردوغان وإيران و«حزب الله» و«حماس» وميليشيات الحوثي.
ويعج تاريخنا العربي المعاصر بسلسلة من الخيبات التي تسبب بها المزايدون ومرجفو المدينة الذين أوصلوا القضية الفلسطينية إلى وضعها الراهن، وقد سجّل تاريخ القضية الفلسطينية ولادة فصائل ومنظمات وتيارات عديدة.. جميعها كانت تقتات على موائد الأنظمة التي تسيّرها، ولم تسجل تحرير شبر واحد من الأرض الفلسطينية، بينما مدافعها الصوتية تصم الآذان.. ثم كانت النتيجة أن تعرّت كل الشعارات أخيراً!
لم يستوعب المزايدون وحرّاس الوهم القدامى الدروس جيداً، ولا زالوا يكبلون الجيل الجديد من الفلسطينيين بأوهامهم، ويحاولون حجب ضوء الشمس عنهم، ويكابرون في غيِّهم، إذ ليس فيهم رجل رشيد، وإلا لما أعادوا كرّة التحريض مباشرةً بعد الإعلان عن معاهدة السلام التي تبنتها الإمارات وأميركا وإسرائيل، وبدل أن يناقشوا مغزى المعاهدة، طفقوا يمارسون الاتهام والسب واللعن في حالة هستيرية متخلّفة، تملقاً لدول تعانق إسرائيل منذ عام 1996، ويرفرف المكتب التجاري الإسرائيلي في عواصمها منذ ذلك التاريخ أو حتى قبله، وأمور أخرى تحت الطاولة، أما زعيمهم أردوغان فهو الذي وقّع مع إسرائيل مذكرة التفاهم المذيلة بالعبارة: «أنقرة عاصمة تركيا والقدس عاصمة إسرائيل»، وذلك سنوات عديدة قبل اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وتذكِّرني هذه الواقعة بحكاية خليجية قديمة من البحر: كان «سلّوم» عبداً لعمه (سيده) في «البوم» (السفينة)، وبعد عقود من الخدمة طلب من عمه تسجيل «البوم» باسمه؟ فوافق، فكتب ورقة: «البوم لسلّوم، وسلّوم والبوم لعمه»، فكانت فرحة سلّوم عارمة لا تُصدق! وهكذا أيضاً كانت فرحة أردوغان!
إن هذا التخبط الفلسطيني هو نتاج سبعين عاماً ظلت خلالها الإرادة العربية مرهونةً لأهواء المزايدين والمرجفين الذين أضروا بالقضية الفلسطينية أكثر من غيرهم، ووفق القاعدة الذهبية، فإن الذي صنع المأزق لا يمكنه إيجاد المخرج منه، لكن يمكن للأجيال الفلسطينية الجديدة صاحبة الرؤى الجديدة إيجاد ذلك المخرج، وقد آن لها أن تتسلّم القيادة، وتحرر نفسها من رِبقِة حرّاس الوهم القدامى، وأن تأخذ المبادرة بعقلية وطنية جديدة متحررة من قيود الفشل السابقة، وتستثمر الفرص التي خلقتها معاهدة السلام الجديدة، بما لاقته من ترحيب وإشادة على المستويين العربي والدولي.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة