دول أكلها التضخم المفرط.. التاريخ الأسود لـ«لص» الشعوب الشريف
مع دخول العالم عام 2024 على آمال انخفاض التضخم، جاءت أزمة الشحن في البحر الأحمر لتعيد التوقعات بعودة ارتفاع أسعار المستهلكين مرة أخرى.
وتتجه توقعات عدة مؤسسات مالية إلى عودة ارتفاع التضخم في ظل أزمة الشحن بسبب الأحداث في البحر الأحمر، مما يضطر السفن للعبور من رأس الرجاء الصالح واستغراق وقت أطول، مما يزيد من تكلفة الشحن، وهو ما يعيد للأذهان المستويات القياسية للتضخم التي شهدتها الدول.
ومرت عدة دول بزيادة سريعة وخارجة عن السيطرة بنسبة 50% أو أكثر في أسعار السلع والخدمات خلال فترة زمنية محددة (تضخم مفرط) على مر التاريخ، ما تسبب في تآكل قيمة العملات وعدم الاستقرار الاقتصادي.
التضخم في 2023
بحسب صندوق النقد الدولي، شهدت أربع دول مستويات قياسية للتضخم في 2023، تجاوزت 100%، هي فنزويلا وزيمبابوي والسودان والأرجنتين.
وشهدت فنزويلا أعلى معدل تضخم في العالم وسط زيادة سنوية في أسعار المستهلكين تقدر بنحو 360% على مدار العام، وسجلت في 2018 تضخمًا مفرطًا بلغ 65,000% في عام 2018.
ويعد استخدام الدولار الأمريكي في المعاملات أمرًا شائعًا بين المواطنين في فنزويلا مع تراجع ثقتهم في العملة المحلية المتقلبة.
وسجلت زيمبابوي معدل تضخم بلغ 315%، ثم السودان 256%، والأرجنتين 122%.
وعلى مر التاريخ شهدت عدة دول حالات تضخم مفرط، منها المجر ويوغوسلافيا وزيمبابوي، وفقا لدليل روتليدج للأحداث الكبرى في التاريخ الاقتصادي، الذي حرره راندال باركر وروبرت ويبلز.
التضخم في المجر
شهدت المجر مستويات قياسية في التضخم خلال الفترة من من أغسطس/آب 1945 إلى يوليو/تموز 1946، حيث كانت الأسعار تستغرق نحو 15 ساعة للارتفاع، ما جعل التضخم يزيد يوميا بمعدل 207%.
وحدث التضخم المفرط في المجر عندما حاول صناع القرار إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح بعد الحرب العالمية الثانية، فاستخدمت الحكومة التضخم كضريبة على مواطنيها للمساعدة في دفع تعويضاتها بعد الحرب وتسديد المدفوعات للجيش السوفياتي.
أثرت الحرب العالمية الثانية على اقتصاد المجر بشكل كبير، حيث جعلت نصف قدرتها الصناعية مدمرة وبنيتها التحتية في حالة فوضى، ما جعل هدف الحكومة تحفيز الطلب الكلي لاستعادة القدرة الإنتاجية، التي تسببت في تضخم مفرط.
وبدلاً من محاولة السيطرة على التضخم من خلال خفض المعروض النقدي وزيادة أسعار الفائدة، قررت الحكومة ضخ أموال جديدة عبر القطاع المصرفي لتمويل أنشطة ريادة الأعمال، للمساعدة في استعادة القدرة الإنتاجية والبنية التحتية والنشاط الاقتصادي.
وتمكنت حكومة المجر من استعادة القدرة الصناعية إلى سابق قدرتها قبل الحرب بحلول الوقت الذي عاد فيه استقرار الأسعار أخيرًا مع إدخال الفورنت، وهي العملة المجرية الجديدة، في أغسطس/آب 1946.
التضخم في زيمبابوي
سجلت زيمبابوي تضخما مفرطا في الفترة من مارس/آذار 2007 إلى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2008، حيث كانت الأسعار تتضاعف كل 24.7 ساعة، ما جعل التضخم يبلغ 98% يوميا.
بعد حصول زيمبابوي على استقلالها عام 1980، اتبعت الحكومة سلسلة من السياسات الاقتصادية التي تميزت بالحكمة المالية والإنفاق المنضبط، لكن في أواخر 1997، بدأ الإنفاق الحكومي المسرف في إثارة المتاعب لاقتصادها.
واجه صناع السياسة عددا متزايدا من التحديات، بما فيها الاحتجاجات الجماهيرية ضد الضرائب المرتفعة والمدفوعات الكبيرة المستحقة لقدامى المحاربين، بالإضافة إلى مقاومة لخطة الحكومة للاستحواذ على المزارع المملوكة للبيض لإعادة توزيعها على الأغلبية السوداء.
وتفاقم الوضع المالي للدولة بالإضافة إلى أزمة العملة، حيث انخفض سعر الصرف، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الواردات، ما نتج عنه التضخم المفرط.
التضخم في يوغوسلافيا
شهدت يوغوسلافيا حالة تضخم مفرط في الفترة من أبريل/نيسان 1992 إلى يناير/كانون الثاني 1994، حيث كانت الأسعار تستغرق 1.41 يوم لتتضاعف، وبلغ التضخم اليومي 64.6%، فيما سجلت الدولة أعلى تضخم شهري بمعدل 313,000,000%.
ومرت تفكك يوغوسلافيا بمستويات تضخم قياسية في أوائل عام 1992 بعد تفككها واندلاع الحرب بين كرواتيا والبوسنة والهرسك، لتسوء الأمور عام 2000 بعدما ترددت أصداء تأثير مبادرات الإصلاح الزراعي الحكومية من خلال الاقتصاد، بجانب عدة عوامل، مثل سوء الإدارة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والصراعات الإقليمية.
ومع تزايد معدلات التضخم انخفضت الثقة في الدينار اليوغوسلافي، وتوقفت الشركات عن قبول العملة الوطنية، وأصبح المارك الألماني العملة التي يعتمد عليها الناس، فرضت الأمم المتحدة حظراً تجارياً دولياً على الجمهورية الاتحادية بين مايو/أيار 1992 وأبريل/نيسان 1993.
وتسببت العوامل السابقة في تفاقم مشكلة انخفاض الإنتاج، التي كانت أقرب إلى هلاك القدرة الصناعية للدولة، ومع انخفاض الناتج وانخفاض الإيرادات الضريبية، تفاقم العجز المالي للحكومة، حيث ارتفع من 3% من الناتج المحلي الإجمالي في 1990 إلى 28% عام 1993.
ولتغطية العجز، لجأت الحكومة لطباعة العملة، وبحلول ديسمبر/كانون الأول 1993، كانت دار سك العملة توبتشايدر تعمل بكامل طاقتها، إذ كانت تصدر نحو 900 ألف ورقة نقدية شهريا كانت جميعها عديمة القيمة بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى جيوب الناس، ما تسبب في تضخيم المعروض النقدي بشكل كبير.
وبعدما أصبحت الدولة غير قادرة على طباعة نقود كافية لمواكبة قيمة العملة المتدهورة بسرعة، انهارت الدينار رسميًا في 6 يناير/كانون الثاني 1994، لتتوقف الشركات عن قبوله، وأصبح المارك الألماني العملة التي يعتمد عليها الناس.