عائلة "دوابشة" الفلسطينية.. نيران إسرائيلية اغتالت الأجساد والأحلام
الرضيع علي دوابشة أحرق حيا أثناء نومه، فلحقت به أمه ومن ثم أباه، واليوم العائلة تروي بحزن أحداث اليوم الأسود
بعد نحو 70 جلسة تحقيق في جريمة حرق عائلة فلسطينية على يد مستوطنين بالضفة الغربية، في صيف ٢٠١٥، مُنح أفراد على قيد الحياة الحق في التعبير عن ذلك اليوم الأسود الذي اغتال الأجساد والأحلام.
أمام القضاة الإسرائيليين في محكمة اللد المركزية، جلس حسين دوابشة والد ريهام التي قضت مع زوجها ورضيعها في هجوم شنه مستوطنون على منزلهم، في يوليو/تموز عام ٢٠١٥، يبكي وهو يروي المأساة التي حلّت بهم منذ تلك الجريمة.
وبتأثر كبير روى الجريمة "أحرق بيت ابنتي ريهام وزوجها سعد في 31 يوليو 2015، ودخلت المستشفى، وتوفيت جراء الحروق التي أصابتها بنسبة 90% يوم عيد ميلادها الثامن والعشرين الذي يصادف التاسع من سبتمبر(أيلول) ".
وباكيا، تابع والد ريهام "ابنتي كانت كل شيء في حياتي، كانت عمود البيت، هذا العمود هُدم بثوان".
في ذلك اليوم، أُحرق الرضيع علي دوابشة (18 شهرا) حيا أثناء نومه في منزل العائلة في قرية دوما شمال الضفة الغربية المحتلة.
وتوفي والداه سعد وريهام متأثرين بحروقهما بعد عدة أسابيع، في حين نجا شقيقه أحمد الذي كان يبلغ من العمر حينها خمس سنوات.
"ارحمني"
"سكنت المستشفى سنة كاملة لأتابع وضع ابنها أحمد الناجي الوحيد الذي كان عمره خمس سنوات. نحن نعيش مع أحمد مأساته، لقد امتلأ جسمه بالندوب والحروق. هو عاجز عن ارتداء سراويل قصيرة".
وأكمل حديثه بنما كان يعرض صورا للطفل "لا يستطيع الذهاب إلى حوض سباحة ولا يزال بحاجة إلى عمليات، وعندما يصبح عمره 18 عاما ستزرع له أذن".
وأحمد الذي صار عمره عشر سنوات كان يفترض أن يحضر هذه الجلسة ليواجه المتهم ويتحدث عن معاناته، لكنه أخبر جده:" ارحمني، يكفي ما أعيشه كل يوم. هل تضمن أن الكوابيس لن تراودني وتلاحقني".
وبعيدا عن تأثره بوفاة فلذة كبده، تحدث الرجل بفخر عن ابنته ريهام "التي أنهت دراسة الرياضيات وحصلت على شهادة البكالوريوس وكان لديها أحلام كبيرة".
وفي 18 مايو/آيار الماضي، أعلنت محكمة اللد، إدانة الإسرائيلي عميرام بن أوليئيل من مستوطنة شيلو شمال الضفة الغربية، بـ"الشروع بالقتل العمد والتآمر لارتكاب جريمة عنصرية".
وعند وصول المتهم الذي كان يضع طاقية بيضاء ويخفض بصره للأرض إلى المحكمة، قالت له زوجته "كل شعب إسرائيل فخور بك".
لكن أعضاء الكنيست العرب الذين تواجدوا في المحكمة، صرخوا في وجهها، وقال لها النائب أحمد الطيبي "عليك أن تخجلي من نفسك".
سقوط الأحلام
كان سعد يحلم بأن يكون طبيبا أو رساما، لكن نار الحقد والكراهية كانت أسرع من كل الأحلام".. هكذا يخبر نصر دوابشة شقيق الراحل.
يقول نصر إن أخيه الذي تزوج ابنة عمه ريهام "كان يحلم بتكوين عائلة وبأن يكون أطفاله من أحسن أطفال فلسطين".
واستطرد "نحن ستة أشقاء، سعد هو الأوسط بيننا ونعيش كعائلة واحدة. أبي كان مريضا وكنا نجتمع في بيته في ذلك اليوم الأسود. سهرنا وتناولنا العشاء وكان أطفالنا يلعبون معا ويمرحون، لم أتوقع أنني سأحمل بعد ساعات الرضيع علي متفحما وجثة".
"عندما دخلت البيت كان أشبه بجهنم. الحرارة مرتفعة جدا والدخان يغطي المكان. دخلت مع الدفاع المدني فاصطدمت رجلي بشيء طري، كانت جثة الطفل علي. نقلناه للمستشفى وكان متفحما وعندما شرحوا جثته تبين لهم أن بعض أعضائه غير موجودة". يكمل نصر بشأن اليوم الأسود.
وقال "سألت الأطباء أين يديه ورجليه؟ فأجابوا: لو بقي نصف ساعة إضافية لما وجدته، كانت النار ستقضي على ما تبقى منه".
وأردف "بعد أسبوع من الحريق أبلغوني في المستشفى أن شقيقي سعد توفي. كانت الصدمة على أمي وأبي شديدة جدا. فأبي فقد بصره لشدة الحزن.
"توفي سعد في عيد زواجه السادس" "لقد احترقت عائلته ثلاث مرات، جسدا وأحلاما ومستقبلا".
فصول من المعاناة تترجم واقع بيوت العائلة التي باتت "أشبه بسجون مغطاة بقضبان حديد خوفا من المستوطنين".
وسيصدر الحكم على بن أوليئيل (25 عاماً) خلال هذا الشهر الجاري، في وقت طالبت فيه المدعية العامة بإنزال ثلاثة أحكام بالمؤبد بحقه.