الفنان حسن شريف.. رسم شغفه وواقعه ومضى
عاش ليخرج بأعمال فنية من واقعه المعاش، من "آلانه" ومن لحظاته. واليوم بغيابه تفقد الساحة الثقافية مؤسسا ورائدا في مجال الفن المعاصر.
عاش ليرسم وعاش ليخرج بأعمال فنية من واقعه المعاش، من حاضره، من "آلانه" ومن لحظاته. واليوم بغيابه تفقد الساحة الثقافية مؤسسا ورائدا في مجال الفن المعاصر في الإمارات. مجال تيتم برحيل أب روحي قدم أعمالا تجريبية فريدة حلقت خارج إطار اللوحة الفعلي وذاك المتخيل..
هو الفنان حسن شريف الذي توفي مساء الأحد عن عمر 65 عاماً بعد صراع مرير مع المرض. هو الذي ندر حياته للابتكار وحمل همّ التجديد وإغناء الفنون البصرية بطرق غير تقليدية فجمع في أعماله "غرائب" تعكس الواقع كما يراه، من دون تجميل ومن دون الالتفات إلى جمالياته. في كل هذا ذهب شريف إلى تجريب قلة كانوا يجرؤون عليه فجمع في أعماله القماش والمعادن والأسلاك والبلاستيك وأي مواد تخلق فكرا يريد إيصاله. أعمال "تقتحم وتتعمق في الإنتاجية الفضولية الخصبة والمتهكمة لترك علامات استفهام عديدة عن الحياة الاستهلاكية المعاصرة"، كما كتب شريف في إحدى مقالاته.
تقدم شريف حركة التجديد، لا بل أحدث تغييرا شاملا في مفهوم الفن في الإمارات ومنطقة الخليج في تجربة مؤثرة أسهم فيها بتأسيس جمعية الإمارات للفنون الجميلة، ومجموعة "الخمسة" للفن المفاهيمي والتي شملت كلا من محمد كاظم، ومحمد أحمد إبراهيم، وعبد الله السعدي، وحسين شريف.
وبالرغم من تقدميته ووصول أعماله إلى العالمية، كتب شريف يوماً "لا أحب أن أوصف بأنني الأول، أنا فنان وأعمالي تُعبِّر عن تفاعلي مع المجتمع ومع الحياة اليومية، فتعكس طريقة سير الناس ورؤيتهم للأشياء وشغفهم بالحياة ورُدود أفعالهم. أنا مُشاهد. أعمالي آنية وتُعنى بالحاضر، أي بـ "الآن". أُصنِّف نفسي فناناً "واقعياً".
انقلاب في مفهوم الفن
تجديد شريف يسميه الفنان والنحات محمد يوسف بـ"الانقلاب"، فيقول لـ"بوابة العين"، "حسن الشريف أحدث انقلاباً في مفهوم الفن في المنطقة، وأدخل إليها مدارس عالمية لم نطبقها قبله هنا، فتخطى مفهوم الجمال اللااستهلاكي وركز على المفهوم العام للعمل الفني، مستخدماً ما يوصل رسائله بعيداً من عالم الجمال".
"رحيل حسن شريف خسارة لا تعوض، لأنه كان بالنسبة للإمارات ومنطقة الخليج مدرسة قائمة بحد ذاته لتطبيق مدارس عالمية وأساليب ما كنت منتشرة هنا"، يؤكد يوسف، معتبراً أن "غيابه سيشكل فراغاً لأنه كان رائداً ومعلماً وموجهاً وباحثاً في ثقافة التغيير.. عمل بصمت وبإصرار، وكل النقد الذي تلقاه لم يجعله يتوقف بل دفعه إلى تكريس المزيد من الجهد في بحوثه وترجماته وأعماله".
نافذة جديدة على الفن
فتح شريف برأي الفنان علي العبدان نافذة جديدة على الفن خارج إطار اللوحة التقليدية والنحت التقليدي، متبنياً خروج الفن منذ عشرات السنوات من قيود الأعمال الفنية التقليدية، فقدم التركيب والتجميع وهو ما قوبل في بداية الثمانينيات بالرفض واتهم بتخريب الفن"، ويضيف العبدان "نظرة شمولية للفن تؤكد أنه يتم رفض كل جديد، ربما لعدم تقبله أو لعدم فهمه، لكن ها نحن اليوم نجد أعمال التركيب والتجميع في كل المنطقة ونشاهدها في الإمارات في فعاليات مختلفة من آرت أبوظبي ودبي وبينالي الشارقة ومعرض سكة الفني وغيرها".
لكن من جهة ثانية يقول العبدان إنه "يعارض الفن الذي يتهكم من المشاهد والذي يصعب فهمه، فأهمية الفن تكمن بأن يوصل المشاهد إلى مرحلة أدبية راقية لا أن يتهكم من المشاهد. على الفنان أن يقدم قيمة جمالية، قد تكون مثالية غير متحققة في الواقع لكن يجب أن نسعى إليها".
الحاجة إلى التهكم الجارح
من بداية على صفحات المجلات والصحف في السبعينيات قدم فيها نظرته التهكمية للحياة برسومات كاريكاتيرية في فترة السبعينيات والتي يقول عنه بنفسه إنها كان "غرق في المعمعة، انتبهت إليها وخرجت منها، لهذا أعتبر أعمالي الفنية التي ترجع إلى بداية الـ80 أكثر تهكماً لأننا بحاجة إلى تهكم جارح ولسنا بحاجة إلى تنكيت كاريكاتوري". وأسهم في إنتاجه أعماله هذا التحاقه لاحقاً في عام 1980 بكلية بايام شو للفنون (جزء من سنترال سانت مارتينز ) وتأثره بأعمال الفنان تام جيلز، رئيس قسم الفن التجريدي والتجريبي في الكلية في حينه. وأدى ذلك الاهتمام الى تبلور الفكر الابداعي لشريف واهتمامه بالحركة المفاهمية الفنية التي رأى فيها التعبير الأقرب عن داخله.
وبعد تخرجه عام 1984، أسهم حسن شريف في بث روح جديدة في أجواء الفن التشكيلي بين الأجيال الجديدة في الإمارات، فقام بتأسيس مرسم الفن في مسرح الشباب في دبي، كملتقى فني وفكري للفنانين والمفكرين في الفن الحديث.
وحسن شريف عضو "البيت الطائر" للفن في دبي الذي أسسه شقيقه رجل الأعمال عبد الرحيم شريف في عام 2008 بمثابة فضاء جديد للعرض ولحفظ وثائق فنية كانت مكدسة في صناديق.
معارض عربية وعالمية
قدم الفنان الراحل أعمالا في مجموعة لافتة من المعارض الفردية في دول العالم الغربي والعربي، من أول معرض فردي له للكاريكاتير في المكتبة المركزية العامة في دبي في العام 1976 ومعارضه في الشارقة ضمن بينالي الشارقة وخارجه بين 1985 و2003، وفي العام 2011 نظمت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث معرض "تجارب وأشياء" للفنان حسن شريف، كان الأول له في العاصمة أبوظبي، وتضمن أعمالاً من مراحل مختلفة، بدءاً من عام 1979 حتى 2011، مقدماً بانوراما تشكيلية للفنان. وعن هذا المعرض فاز شريف في العام 2012 بجائزة هي الأهم من نوعها على مستوى العالم في مجال الفن المعاصر حيث منح المجلس العالمي للفن المعاصر (جوائز أليس) جائزته في فئة "المعارض الفردية العامة".
واعتبر المجلس العالمي للفن المعاصر أن المواد التي يستخدمها الفنان "تعكس ظروف الإنتاج التي يعيش ويعمل في ظلها: مجتمع ما بعد الحداثة والمجتمع العالمي. وتعكس أيضا النواحي المختلفة لعصرنا الراهن واهتماما بالنشاط الإنساني بصفة عامة، بحيث لا ينحصر الأمر بالفن فقط بل بجوانب الحياة انسانية ككل".
وكانت هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة قد أصدرت كتاباً خاصاً عن الفنان الإماراتي شريف كواحد من الفنانين الذين عرضوا أعمالهم في إطار "ركيزة أبوظبي للفنون البصرية" في بينالي البندقية 2011، ووصفته بـ“الأب الروحي للساحة الفنية المعاصرة” في الإمارات.
وفي العام 2012 أيضاً أقام الفنان معرضا فنيا فرديا في نيويورك وآخر بانوراميا لأعماله بين 1980 و2012 في بيروت، إضافة إلى معارض متعددة في دبي وباريس ومشاركات في معارض جماعية في لندن والبندقية وسلوفانيا وسويسرا وغيرها.
aXA6IDMuMTQ1LjM3LjIxOSA=
جزيرة ام اند امز