نهاية النقرات.. كيف تُعيد متصفحات الذكاء الاصطناعي تشكيل الإنترنت؟

يبدو أننا على أعتاب تحول جذري قد يُنهي التصفح التقليدي ويبدأ عصر الحوار الذكي المستمر مع شبكة الإنترنت.
فلطالما اعتمد الإنترنت على النقرات.. فمليارات منها يوميًا تُغذّي عائدات الإعلانات، وتحدد كيف نكتشف المعلومات ونتفاعل معها. لكن هذا النموذج بات مهددًا. فجيل جديد من المتصفحات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بدأ في الظهور، ويهدف إلى القضاء على النقرات تمامًا.
ووفقا لتقرير لموقع جيز مودو، ففي مقدمة هذا التغيير يأتي Comet، المتصفح الجديد الذي أطلقته شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة Perplexity.
وعلى عكس المتصفحات التقليدية التي تتطلب تفاعلًا مستمرًا من المستخدم — النقر على الروابط، فتح علامات التبويب، مقارنة الصفحات — تم تصميم Comet ليعمل بطريقة تشبه المحادثة. يفهم السياق، ويتبع نية المستخدم، ويتعامل مع المهام المعقدة تلقائيًا. وبدلاً من أن يكون أداة سلبية، يعمل Comet كمساعد رقمي يمكنه البحث، التلخيص، التحليل، والتنفيذ — كل ذلك من خلال طلب واحد فقط.
وتصف Perplexity متصفح Comet بأنه "دماغك الثاني"، قادر على تقليص العمليات المعقدة إلى تفاعلات ذكية وسلسة. يمكنك أن تطلب منه مقارنة خطط التأمين الصحي، أو العثور على سترة رأيتها قبل أيام، أو تلخيص مقال أكاديمي كثيف. ولا حاجة لمطاردة الروابط أو إرهاق نفسك بعشرات علامات التبويب. فقط تحدث معه، وهو سيتولى الباقي.
وكيل ذكي
وهذا التحول يمثل صعودًا لما يُعرف بـ الذكاء الاصطناعي الوكيلي — وهو مجال جديد يُصمَّم فيه الذكاء الاصطناعي ليس فقط للرد على الأسئلة، بل لتنفيذ سلسلة من الإجراءات تلقائيًا لتحقيق هدف المستخدم. هذه الأنظمة قادرة على اتخاذ قرارات متتابعة وأداء مهام متعددة مثل المساعد البشري. وهدف Comet هو أن يتعلم كيف تفكر، ليتمكن من التفكير معك.
وهذه الرؤية تضع Perplexity في منافسة مباشرة مع أحد عمالقة التكنولوجيا: Google Chrome، المتصفح المسيطر على بوابة الدخول إلى الإنترنت لمليارات المستخدمين. ويعتمد نموذج عمل Chrome على تعظيم التفاعل مع المستخدم لتحقيق أعلى عائد من الإعلانات — كل نقرة، وكل بحث، وكل تمرير. أما Comet، فهو مبني على فلسفة مختلفة تمامًا. هدفه تقليل الاحتكاك، لا تعظيم التفاعل. لا يريدك أن تنقر أكثر، بل أن تفعل أقل وتحصل على أكثر.
وليس Perplexity وحده في هذا السباق. فشركة OpenAI، مطورة ChatGPT، تستعد لإطلاق متصفح ذكاء اصطناعي خاص بها. في قلب هذا المشروع توجد أداة Operator، وهي وكيل ذكي قادر على التفاعل تلقائيًا مع صفحات الإنترنت — التمرير، النقر، تعبئة النماذج، إجراء الطلبات — تمامًا كما يفعل الإنسان. وقد تم إطلاق Operator كنسخة تجريبية في أوائل عام 2025، وقد تصبح مكونًا رئيسيًا في متصفح OpenAI الجديد.
إذا تم دمج Operator بالكامل، يمكن لـ OpenAI تقديم بديل متكامل لكل من Google Chrome وGoogle Search — حيث يوفر المعلومات وينفذ المهام ويدير سير العمل داخل واجهة شبيهة بـ ChatGPT. بعبارة أخرى، لا تستهدف OpenAI البحث أو التصفح فقط، بل الاثنان معًا.
عواقب هائلة
وعواقب هذا التحول هائلة. فالمتصفحات المبنية على الذكاء الاصطناعي لا تهدد فقط هيمنة Google، بل تهدد أيضًا بنية الإنترنت القائمة على الإعلانات بأكملها. إذا توقف المستخدمون عن النقر على الروابط وبدأوا في الاعتماد على وكلاء ذكاء اصطناعي لاستخراج وتلخيص المعلومات، قد تفقد المواقع الإخبارية والمعلنين والتجار وصولهم المباشر إلى الجمهور. يمكن أن تصبح المواقع الإلكترونية مجرد مصادر بيانات يُستهلك محتواها من قبل وكلاء ذكيين يتعاملون مباشرة مع المستخدمين.
وقد بدأت غوغل بالفعل تشعر بالضغط. فقد تم استقبال ميزتها الجديدة "تجربة البحث التوليدي" (SGE) بفتور، بسبب دقتها المحدودة وملخصاتها غير المتقنة. وفي الوقت نفسه، يواجه Chrome أزمة هوية، إذ يحاول التوفيق بين جذوره الإعلانية والحاجة لمواكبة ثورة الذكاء الاصطناعي.
ورؤية Comet مختلفة تمامًا. تقول Perplexity إن الإنترنت يجب أن يستجيب لأفكارك، لا أن يقطعها. لا مزيد من فتح عشرات علامات التبويب أو قراءة مقالات محسنة لمحركات البحث. فقط اسأل، والمتصفح سيتولى المهمة.
والمتصفح القائم على الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد فكرة مستقبلية — إنه واقع الآن. وإذا نجح Comet أو متصفح OpenAI القادم، فلن يغيرا فقط طريقة البحث، بل سيعيدان تعريف الطريقة التي نتفاعل بها مع الإنترنت بالكامل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjgg جزيرة ام اند امز