أن نظرة سريعة على خطابات غالبُ النخبة السياسية الحاكمة أو المعارضة أو بعض ما يطلق عليهم مجازاً «بالمثقفين» تشير إلى أنهم يفكرون ويتحدثون بلغة يمكن أن نطلق عليها لغة خشبية وقديمة
أن نظرة سريعة على خطابات غالبُ النخبة السياسية الحاكمة أو المعارضة أو بعض ما يطلق عليهم مجازاً «بالمثقفين» تشير إلى أنهم يفكرون ويتحدثون بلغة يمكن أن نطلق عليها لغة خشبية وقديمة وخاوية وإنشائية، لغة تتحدث باسم ماضٍ، ألفوه، وربما لم يعرفوه تماماً، ولم يستقطروا روحه وثقافته وفضاءاته. من هنا تبدو خطاباتهم فى مجالات متعددة تتسم بالارتباك والعمومية المفرطة التى تصلح لكل شىء ولا تصلح لشىء، ناهيك عن ركاكة لغة الخطابات وفقدانها لبنية معلوماتية تسوغها، أو ملكة تحليلية للموضوع أو المشكلة أو الأزمة أو الإشكالية التى يدور حولها الخطاب، ناهيك عن استخدام بعضهم اللغة العامية المرتبكة التى تنطوى على عدم تماسك منطقى، وتناقضات! هذه الظاهرة ليست جديدة وترتبط بنمط تجنيد النخبة السياسية لأعضائها - منذ ثورة يوليو 1952-، ومعاييرها، وطرائق اختيارها لشغل المواقع القيادية أيا كانت مستوياتها، فى التشكيلات الوزارية المتعاقبة، وفى تكوين البرلمانات، حيث ساد معيار الولاء الكامل للنظام التسلطى، وليست الكفاءة إلا فيما ندر ثم تدهور هذا المعيار ليغدو تعبيراً من بعض الولاءات الشخصية لبعض العناصر القيادية فى سلطات الدولة وأجهزتها الأساسية، وتناسل من هذا النمط من الاختيارات الزبائنية السياسية والمحسوبية فى الأطر البيروقراطية! من هنا برزت ظاهرة الاستبعادات والإقصاءات للكفاءات والمواهب المصرية اللامعة ومعها ساد رهابُّ الكفاءة والموهبة وخشية النخبة السياسية فى الحكم والمعارضة معاً منها، وظلت ولاتزال تبدو كخطر مسيطر عليها، يهددها نفسياً، وفى بعض الأحيان تبدو وكأنها عدو يهدد مكانة بعضهم ومصالحه. من هنا ظهرت التفاهة وأشكال من «المديوكراتية» و«المنيوكراتية» علامات عليها، وانخفضت مستويات الكفاءة والموهبة فى الدولة والمجتمع، ولم يخرج من دوائرها إلا بعض المثقفين، وقلة قليلة من السياسيين والتكنوقراط الذين سعوا لتطوير قدراتهم ومهاراتهم بعيداً عن مطرقة قتل الكفاءات والمواهب.
أحد الأسباب المركزية للمشكلة أنها نتاج تدهور مستويات التعليم ومناهجه واعتمادها على الحفظ والاستظهار والنقل دون تشكيل العقل النقدى وممارساته الحرة فى السياسة التعليمية ومناهجها المتخلفة عن مواكبة التطور فى النظم التعليمية المتطورة فى عالمنا، بل وفى بعض الدول التى كسرت طوق التخلف التاريخى، كما فى الهند والصين وسنغافورة.. الخ. من ناحية ثانية: تدهور مستوى تعليم اللغة العربية مقارنة بدول عربية أخرى، وهو ما يظهر فى لغة خطاب بعض الوزراء والمسئولين والتكنوقراط وغيرهم كثيرون فى الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى مقارنة بنظرائهم عربياً.. الخ.
من ناحية ثالثة: انفصال المناهج التعليمية عن المكون الثقافى النقدى، وتعليم الطلاب والطالبات على التفكير المنهجى فى مواجهة التفكير الانطباعى، والعفوى والتركيز على الحصول على الشهادات من خلال الأسئلة «والإجابات النموذجية» حولها وحفظها. من ناحية رابعة: تحول الغش فى الانتخابات إلى ثقافة للطلاب والطالبات وأساتذتهم، والأخطر، ثقافة ذويهم دون تصدى حاسم لهذه الظاهرة ومعها الدروس الخصوصية التى أصبحت سمة العمليات التعليمية الموازية، بحيث أصبح التعليم الرسمى شكليا بامتياز رغم الإنفاق الكبير نسبياً المهدور من ميزانية الدولة.
من ناحية خامسة: ضعف تعليم اللغات الأجنبية، ومن ثم تراجع صلة الطلاب بالمعارف المنتجة فى إطار اللغات الأجنبية الكبرى كالإنجليزية والأسبانية والفرنسية والألمانية.
من ناحية سادسة: ضعف صلة مناهج التعليم بالتطورات الكبرى فى عالمنا والاتجاهات الأساسية فى ثقافاته ومشاكله وظواهره السياسية والاجتماعية، ومن ثم كسر أطواق الفكر المحلى المنغلق حول أوهام الهويات الجامدة والأحادية، والخصوصية، ومفاهيم الإجماع والهيمنة الدينية والنقلية والتقليدية على أنماط التفكير السائدة فى المجتمع.
من ناحية سابعة: الدور السلبى لغالب المدرسين والمدرسات وبعض أساتذة الجامعات بين مهمة التدريس الاحترافية ومهاراتها، وبين وظيفة الداعية الدينى والواعظ الذى يكيف المادة التعليمية مع أهوائه واختياراته السياسية الدينية أيا كانت. والسؤال المستمر ما العمل؟.
1- إعداد تقريرين عن حالة التعليم العام والدينى فى مراحله الأساسية، وآخر عن حالة التعليم الجامعى فى تخصصاته المختلفة، فى ضوء النظم التعليمية المقارنة وكيفية الخروج من مشكلات تخلفه.
2- الإعداد لثلاثة مؤتمرات قومية لمناقشة التقارير التى يعدها خبراء ذوو كفاءة ونزاهة.
3- إعداد تقرير قومى حول سياسة ثقافية من أجل تعليم متطور ومختلف.
4- إعداد ترجمات للتقارير العالمية المقارنة حول تطوير النظم التعليمية فى أمريكا، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، والهند، والصين، وسنغافورة.. الخ.
5- برنامج قومى لنشر الثقافة الرقمية ولغاتها فى الدولة وأجهزتها والمجتمع.
*نقلا عن جريدة "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة