إذا كانت طهران تطمع في إعادة تشكيل الإمبراطورية الساسانية والهيمنة على المنطقة العربية، فـ"تل أبيب" تحلم أيضا بالسيطرة لتحقيق إسرائيل الكبرى من الفرات شرقا إلى النيل غربا
كشفت وسائل الإعلام مؤخرا عن مخطط إسرائيلي للاستيطان في العراق تحقيقاً لحلم إسرائيل الكبرى، ووفقا لهذه التقارير، فإن المخطط يعتمد على نقل اليهود الأكراد من إسرائيل إلى مدينة الموصل ومحافظة نينوى في شمال العراق، تحت مزاعم زيارة البعثات الدينية والمزارات اليهودية القديمة. تتحدث التسريبات أيضا عن أن اليهود الأكراد بدأوا منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بشراء الأراضي في المنطقة التي يعتبرونها ملكية يهودية تاريخية. وهناك اهتمام خاص من قبل المسؤولين الإسرائيليين بأضرحة الأنبياء يونس ودانيال وغيرهما التي ينظر إليها الكيان الإسرائيلي على أنها جزء من إسرائيل، حال القدس والضفة الغربية التي يسمونها يهودا والسامرة.
أيضا، شن الموساد الإسرائيلي هجمات عبر فرق تابعة له إلى جانب مجموعات من المرتزقة على العراقيين في كل من الموصل وأربيل والحمدانية، وألصقتها بتنظيم القاعدة، بغية تهجيرهم بالقوة وإفراغ المنطقة التي تخطط إسرائيل للاستيلاء عليها، وذلك بهدف توطين اليهود الأكراد محل الأهالي الأصليين. ويبدو أن هذا المخطط يتم برعاية دول غربية كبرى. إن هذه العملية تمثل إعادة لعملية اقتلاع الفلسطينيين من فلسطين أيام الانتداب البريطاني وإحلال اليهود مكانهم.
هذا عرض مختصر للأطماع الإسرائيلية في العراق، لكن هل إسرائيل وحدها من يطمع في الأراضي العراقية؟ الواقع أن إسرائيل ليست الوحيدة التي تطمع في الأراضي العراقية وتعمل على استغلال الأوضاع الراهنة التي تعيشها، بل إن إيران أيضا - ذلك الجار اللدود للعراق- تهيمن على مخيلة نظامها السياسي الرغبة الجامحة في النيل من وحدة أرض العراق واستقلالها. وإذا تجاوزنا الخصومة التاريخية بين بغداد وطهران وشعارات الخميني التي كانت تقول "الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء"، وحرب الثمان سنوات (-1980 1988)، وانتقلنا إلى عهد ما يسمى بـ"الحكومة المعتدلة" في إيران برئاسة حسن روحاني، نجد أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين تؤكد على استمرارية الأطماع القومية الفارسية في أرض العراق العربية. فعلى سبيل المثال أطلق الجنرال يحيى رحيم صفوي، مستشار خامنئي للشؤون العسكرية تصريحات قال فيها:
"إن حدود إيران الحقيقية تنتهي عند شواطئ البحر المتوسط عبر الجنوب اللبناني، وإن حدودنا لا تتوقف عند شلمتشه على الحدود مع العراق بل تصل إلى جنوب لبنان، وهذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر المتوسط". 8/2/ 2014، (صحيفة رسالت).
أيضا لا ينبغي تجاهل توغل الجيش الإيراني في العمق العراقي أكثر من 40 كيلومترا بمزاعم مواجهة تنظيم داعش في الداخل العراقي وعدم السماح له بالاقتراب من الحدود العراقية الإيرانية، وكأن هذا التنظيم أو غيره من التنظيمات الإرهابية تشكل خطرا على الأمن الإيراني!! والواقع أن داعش بالنسبة لإيران مجرد أداة لإحكام قبضتها على هذه الدولة، كذلك لا يمكن تجاهل ما حدث قبل نحو عام من الآن عندما انتهك آلاف الإيرانيين الحدود العراقية دون الاعتراف بنقاط العبور الحدودية أو حتى الالتفات للقوات العراقية في استباحة كاملة وإهانة صريحة لاستقلال العراق وكأنه أصبح محافظة إيرانية. هذا الأمر قد يتكرر في الأسابيع القليلة القادمة في ما يسمى بـ"الأربعين الحسينية".
الأخطر من هذا كله تلك التصريحات التي أطلقها علي يونسي، مستشار الرئيس حسن روحاني، التي تكشف بجلاء موقع النظام الإيراني من العراق. يقول يونسي: "إن إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي". (8 مارس 2015). إن كانت هذه الأقوال تؤكد على عدم اعتراف النظام الإيراني باستقلالية العراق وأنها جزء من حلم إعادة تكوين الامبراطورية الفارسية، فإن الأفعال على الأرض تتناغم مع فحوى هذه التصريحات والأهداف الحقيقية تجاه العراق. إن تشكيل الميليشيات الطائفية ودعمها من قبل الحرس الثوري الإيراني، والعمل على تغيير ديموغرافية العديد من المدن والمحافظات العراقية وتهجير أهلها من السنة والتنكيل بهم وقتلهم على الهوية وإجبارهم على النزوح؛ ما هي إلا مؤشرات واضحة وجلية لتلك الأهداف والأطماع.
الواقع أن العراق في الوقت الراهن يواجه ظروفا قاسية واستثنائية بسبب الانقسام العرقي والطائفي الذي تعمل إيران على تغذيته من خلال سكب المزيد من الزيت على النار، ولعل آخر مراحل هذا التجييش الطائفي تشكيل ما يعرف بجيش التحرير الشيعي، ولقد كان المجتمع العراقي إلى وقت قريب أبعد ما يكون عن التجاذبات الطائفية لكن النظام الإيراني نجح -بمساعدة عناصر في الداخل العراقي- في إشعال هذه الفتنة. إلا أن الخطورة الكبرى التي تنتظر العراق تتمثل في سلامة وحدة أراضيه واستقلالها حيث أصبحت محاصرة بأطماع إسرائيلية وإيرانية، لعل القاسم الأوحد بينهما العداء لهذه الأرض العربية العروبية، واستدعاء مزاعم تاريخية لتبرير المشاريع الراهنة سواء كانت يهودية أو فارسية. وإذا كانت طهران تطمع في إعادة تشكيل الإمبراطورية الساسانية والهيمنة على المنطقة العربية، فـ"تل أبيب" تحلم أيضا بالسيطرة لتحقيق ما يسمى بإسرائيل الكبرى، تمتد من الفرات شرقا إلى النيل غربا.
ولعل المخرج الوحيد للعراق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه يكمن في يقظة شعبية تستشعر الخطر وتعيد العراق إلى حضنه العربي، ووأد الأطماع الخارجية، فالعراق في نهاية المطاف ورغم كل الصعوبات قوي بامتداده العربي ضعيف بدونه، وسوف تتقطعه المشاريع التوسعية سواء رفعت شعارات عقدية أو قومية أو غيرها، والكلمة الفصل في يد شعب العراق الأصيل أو من نجا من مشاريع الأدلجة والبرمجة الخارجية. حمى الله العراق وأهله!
*نقلا عن جريدة "الوطن أون لاين"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة