رد فعل الولايات المتحدة بدا ضعيفاً مقارنة بحجم الاستنكار لما حدث؛ على الأقل في التحرك ضد «حزب الله» أو المطالبة بفتح تحقيق
جزء من إشكالية التعامل مع التنظيمات الإرهابية؛ مثل «حزب الله» و«داعش»، وفهمها، هو أنه يتم بمنظور أسطوري ومثالي، بحيث تتحول ممارسات هذه التنظيمات إلى أسئلة محيّرة، تبعاً لأنه يخالف مبادئها أو شعاراتها، في حين أن هذا التعامل يتناسى حقيقة بسيطة وواضحة كالشمس، هي أن من يستبيح قتل الأبرياء؛ بل يعين نظاماً كنظام الأسد على اجتثاث شعبه، أو من يمارس أبشع صور القتل الفوضوي والعدمي دون تفريق بين ضحاياه كتنظيم داعش، كيف يمكن أن نصدم من أن يعقد تحالفاً لسلامة كوادره في مقابل تسليم رفات الطرف الآخر أمام مرأى من العالم كله؟ الأكثر إدهاشاً أن يتم تبرير ذلك بدوافع «إنسانية»، وبمناشدة رقيقة كالتي أطلقها حسن نصر الله!
قيام «حزب الله» بمثل هذا الاتفاق الغامض هو اعتراف ضمني بقوة تغلغل «داعش» في الداخل اللبناني بما يفوق كل جعجعات الحزب، لكنه يؤكد حقيقة مؤلمة؛ وهي ما آل إليه نفوذ الحزب من حالة ابتلاع الدولة اللبنانية وصولاً إلى جيشها
وفي التفاصيل، فإن السماح بخروج أكثر من 600 مقاتل من عناصر تنظيم داعش إلى البادية السورية مقابل الأسير أحمد معتوق وجثامين «حزب الله» وعناصر من الجيش اللبناني، لم يكن مفاجئاً ولا حتى استثنائياً في تاريخ التنظيمات العنفية؛ ثمة كثير من الاتفاقيات التي تمت بين «القاعدة» في أفغانستان ومناطق التوتر التي خاضتها، وبين تنظيمات شيعية أفغانية مقاتلة، وكان المبرر في كل تلك الحوادث ضمن التأصيل الفكري للتنظيم هو العذر الجاهز: «المصلحة الشرعية»، على الرغم من أن تنظيم داعش أكد رفض التنازل مع الغزاة، وأنه من التولِّي يوم الزحف؛ بل يجب إهدار دم من يقوم بذلك، لكن أيضاً فإن التنظيرات «الجهادية» غير مطلقة، فخطاب التمكين والغلبة يختلف تماماً عن خطاب الانكسار والضعف.
على الجانب الآخر، قيام «حزب الله» بمثل هذا الاتفاق الغامض هو اعتراف ضمني بقوة تغلغل «داعش» في الداخل اللبناني بما يفوق كل جعجعات الحزب، لكنه يؤكد حقيقة مؤلمة؛ وهي ما آل إليه نفوذ الحزب من حالة ابتلاع الدولة اللبنانية وصولاً إلى جيشها، لا سيما مع ردود الفعل الصاخبة من المكونات السياسية اللبنانية من جهة، وتأكيدات الحكومة السابقة بأنها لا تنسق مع الحزب أو حتى نظام الأسد في عملياتها لحماية الداخل اللبناني؛ من جهة ثانية، وهو ما بدا منافياً للحقيقة؛ حيث «حزب الله» صاحب الكلمة الفصل في كل ما يجري، وبتوجيه مباشر من نظام طهران الذي حاول التخفيف من رد فعل الحكومة العراقية التي شاهدت انتقال عناصر «داعش» كأنه سيتم إعادة تصديرهم مجدداً، عدا كونه طعنة في الظهر، لا سيما مع وجود عدد كبير من الميليشيات الشيعية العراقية، ومنها «الحشد الشعبي»، تقاتل «داعش» بخبرات «حزب الله» وتدريبه.
رواية «حزب الله» كانت تعمد إلى التبرير، ولكن بصيغة الانتصار، حيث أصر على تكرار مفردة «استسلام» عناصر التنظيم، وخلا خطابه من وصفه الأثير الدائم لهم بـ«التكفيريين»، بينما لم يعلق تنظيم داعش في كل منصاته الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي على الحدث، على كثرتها، وهو ما يمكن أن يفسره التنظيم لاحقاً بعد الخروج من الأزمة على أنه تصرف فردي لا أكثر اقتضته المصلحة الخاصة.
رد فعل الولايات المتحدة بدا ضعيفاً مقارنة بحجم الاستنكار لما حدث؛ على الأقل في التحرك ضد «حزب الله» أو المطالبة بفتح تحقيق، بل تم الاكتفاء بنفي أن يكون التحالف الذي تقوده طرفاً في الاتفاق، وأن ادعاءات الحزب ونظام الأسد بمحاربة الإرهاب تبدو جوفاء بالسماح لإرهابيين بالعبور لأراض خاضعة لسيطرتهم، بحسب تعبير الكولونيل ديلون.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة