أغلب السويديين عندما يأتي ذكر الإمارات في جلساتنا الخاصة، يأتيك الجواب سريعا: "كم أتمنى زيارة هذا البلد الجميل أو العمل فيه"، عندها تشعر بالفخر كعربي أن لدينا بلداً يطمح الأوروبيون إلى العيش والعمل فيه
قبل أيام من حادث الدهس الإرهابي الذي نفذه الأوزبكي رحمت عقيلوف في وسط العاصمة السويدية ستوكهولم، والذي أودى بحياة (٤) أشخاص وإصابة (١٥) شخصاً آخرين، كانت الأوساط الإعلامية والسياسية في السويد منشغلة بالتقرير الذي أصدرته الوكالة الوطنية للطوارئ حول وجود تنظيم الإخوان المسلمين في السويد، وسعى التنظيم إلى بناء مجتمع مواز للمجتمع السويدي، مخالف له في القيم والتقاليد، وارتباط أكبر (٤) منظمات إسلامية بشكل غير معلن بهذا التنظيم المثير للجدل وللمخاوف في الوقت نفسه في العديد من الدول الأوروبية، بسبب الخطاب المزدوج لاتباع خطاب معلن يؤمن بالديمقراطية ويتماشى مع قوانين الدول الغربية، والآخر خطاب مليء بالبغضاء ومعاداة الآخر والتحريض وزرع الفتنة!!
حدثان لا يقل أحدهما عن الآخر في الإساءة للإسلام، ويقدمان صورة نمطية سلبية عن الأغلبية المسلمة في البلاد، رغم أن هذه الأغلبية اكتوت بنار الإرهاب الذي ضرب بلدانهم قبل الهجرة إلى السويد، ونار الطائفية والبغضاء التي أشعلها الكثير من شيوخ الفتنة تحت غطاء الدين، والتي بسببها سقط الكثير من الشباب المسلم في مستنقع الإرهاب والقتل وسفك الدماء الذي يعتبره بعض شيوخ الفتنة "جهاداً"!! ولهم في القرضاوي أسوة سيئة! حيث أسهمت فتاوى أهل الفتن في صنع أجيال من المتطرفين الذين أساؤوا لدينهم وأوطانهم!!
إن الهاجس الأكبر الذي يؤرق أوروبا اليوم هو الإرهاب والتطرف، وهو سبب في ارتفاع أسهم اليمين المتطرف الذي يعادي الإسلام والمسلمين، والمؤسف أن بعض رجال الدين والتنظيمات "الإسلاموية" المتطرفة والمنظمات الإرهابية، تقدم نموذجاً سيئاً عن الإسلام والمسلمين حتى وإن كانوا قلة منبوذة! حتى بات على الأغلبية المسلمة في أوروبا أن تذكر الشعوب الأوروبية دوماً "أن الارهاب لا دين له" وأن المسلمين أول من تضرروا من هذه النماذج المتطرفة!
أغلب السويديين عندما يأتي ذكر الإمارات في جلساتنا الخاصة، يأتيك الجواب سريعا: "كم أتمنى زيارة هذا البلد الجميل أو العمل فيه"، عندها تشعر بالفخر كعربي أن لدينا بلداً يطمح الأوروبيون إلى العيش والعمل فيه
ورغم وجود جهات لا تقل تطرفاً في الجهة الأخرى، ولا تتردد في إعلان عدائها للإسلام والمسلمين، إلا انها غالبا ما تستخدم ذرائع يقدمها لها متطرفون يحسبون أنفسهم على الإسلام، أو يقدمون أنفسهم على أنهم الممثل الشرعي للمسلمين، ولو كانوا كذلك فعلا لاستخدموا طرقاً أكثر حضارية في إقناع المقابل بمشروعهم في بناء الإنسان أو الدفاع عنه، بدلا من أن يكونوا أول من يحرض على الفتنة ومعاداة الآخر.
الشعب السويدي (على سبيل المثال) بطبعه ليس متطرفاً، ويعامل الإنسان كإنسان مهما كان دينه أو مذهبه طالما أن الآخر يؤمن باحترام القانون والتعايش السلمي، والحكومات السويدية اعتادت تقديم الدعم المعنوي والمادي للمنظمات الدينية والجمعيات الإسلامية وتشاركها في مناسباتها بشكل مستمر، وسمحت ببناء المساجد في الكثير من المدن، لذلك يعد مسجد ستوكهولم الكبير الذي يقف شامخاً وسط العاصمة كأحد أبرز معالم التعايش السلمي واحترام الأديان.. هذا المسجد بناه المغفور له الشيخ زايد حتى بات من أهم المراكز الإسلامية في الدول الاسكندنافية، حتى إن الكثير من السويديين والعرب يطلقون عليه اسم "مسجد الشيخ زايد"، حيث ترك "رحمه الله" أثراً إسلامياً يلجأ اليه الآلاف من المسلمين في دول الشمال الأوروبي.. فشتان بين ما قام به زايد من أثر، وبين ما يقوم به دعاة الفتنة والتحريض من "الإسلامويين" الذين يحسبون أنفسهم ممثلين عن المسلمين في أوروبا.
والأثر الآخر الذي تركه الشيخ زايد في السويد هو بناؤه لدولة متحضرة وعصرية أصبحت حلماً للكثير من الأوروبيين، وليست دولة يهرب منها شعبها بحثاً عن العدالة والاستقرار.
ولفت انتباهي كثيرا أن أغلب السويديين عندما يأتي ذكر الإمارات أو أبو ظبي ودبي في جلساتنا الخاصة، يأتيك الجواب سريعا: "كم أتمنى زيارة هذا البلد الجميل أو العمل فيه"، حتى تشعر بالفخر كعربي أن لدينا بلداً يطمح الأوروبيون إلى العيش والعمل فيه أو على الأقل زيارته لمرة واحدة.
ما الأثر الذي صنعه "زايد" ومن معه من بناة هذه الدولة العربية لتكون قبلة للعالم وحلماً للجميع؟
إنه السلام وحب الآخر والتعايش مع الجميع في بلد بات أنموذجا لعالم مصغر فيه كل جنسيات الكرة الأرضية!! وليس الإرهاب والتطرف والغلو الذي يهدر دم الآخر ودم ذوي القربى تحت راية تدعي "الإسلام"!
علينا أن نبحث عن أثر "زايد" في ترسيخ الإسلام من خلال ما بناه من مساجد حول العالم، وليس من خلال ما هدمه المتطرفون أو الإرهابيون من أماكن عبادة مخالفة لعقائدهم؟
وعلينا أن نبرز أثر "زايد" في بناء دولة حضارية يرنو لها العالم بإعجاب، لا أن نساند "عصابات" يقودها إرهابيون لهدم أفكار شعوبنا والإساءة لدينهم تحت راية متطرفة أبعد ما تكون عن الإسلام.
فشتان ما بين الأثر الطيب والأثر الخبيث.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة