أوضاع العالم لا تُطمئن بوجود الإرهاب الذي بات لا يُفرّق بين المسلم وغير المسلم، والصغير والكبير، لأن الجماعات الإرهابية لا تعيش إلّا على الدماء
عند عجزها عن تحريك القوى الداخلية في حال زعزعة أمنها تلجأ بعض الجماعات الإرهابية لاستعراض أبشع ما لديها من أساليب دموية لإبادة حق الإنسان المشروع في الحياة.
يحملون خبر الموت في أيديهم بنيّة بثّ الرعب في القلوب وتناسوا أن الله يأمر بالعدل والإحسان، إذ باتت أعمال الإرهابيين مقابر جماعية وجزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية في سفك دماء الناس.. جميع الدول والديانات تُحارب الإرهاب لأنه بلا دين ولا ضمير، فالإرهاب هو الشخصية المنبوذة وعنوان الدماء البريئة.
من المُفترض أن تكون لكلمة الإرهاب دور عظيم في حمل رسالة الخوف من الله والفرار لدينه، وليس لتخويف الناس، فصارت الكلمة ذات اتجاه معاكس لا تعني إلّا الخوف والرعب من هذه الجماعات المُتطرّفة.
ومن ضحالة تفكير البعض يظنون أن الإرهاب هو السلاح الذي يتخذه ضعاف النفوس والإيمان كوسيلة للدفاع عن مُعتقدات خاطئة، ولكن لو تمعنوا قليلا فسيتبين لهم أن الإنسان بطبيعته مسالم، وأن الحيوان هو من لا يتوانى عن اتخاذ أشرس سلاح لديه عند مهاجمة الآخرين وهو بالفعل سلاح القتل الذي يتخذه الإرهابي ليبرر موقفه إزاء ما يفعل.
أوضاع العالم لا تُطمئن بوجود الإرهاب الذي بات لا يُفرّق بين المسلم وغير المسلم، والصغير والكبير، لأن الجماعات الإرهابية لا تعيش إلّا على الدماء
أليست نفساً؟ ما حدث في سوريا ألم تُقتل نفوس أبرياء؟ خاصة النفوس الضعيفة من الأطفال؟ أليست نفساً؟ ما حدث من إرهاب في كنائس مصر؟
اليهود والمسيحيون وحتى المشركون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا متواجدين ولهم نشاطاتهم ولم يكفّوا أذاهم عن النبي، لكنه عليه الصلاة والسلام كنبي وقائد ومُربٍّ، لم يُعالج الخطأ بالخطأ، ولم ينصر دينه لمصلحته الشخصية بسبب هذا العداء والإيذاء، ولم يرفع السلاح أو يسعى لاستغلال نُبوّته في الانتقام منهم، وحديث الجنازة التي مرت بحضرة الرسول ورُويت في الصحيحين، والجملة التي صدرت منه صلى الله عليه وسلم "أليست نفساً ؟"، تفوق كل مُتطلبات العلم ومخرجات التعليم وتتفوّق على جميع جمعيات حقوق الإنسان بكافة أشكالها، والنفس التي مرت من أمام رسول الأمة ونبي الرحمة هي نفس فارقت الحياة الدنيوية وانتقلت إلى الحياة الآخرة، فهل هؤلاء الإرهابيون فهموا الإسلام أكثر من الرسول؟ أم أنهم يريدون وضع تشريع جديد لتبرير أفعالهم الإجرامية؟
لم يرد عن النبي أن اتهم أحدهم بالفسوق أو الكفر لمجرد ارتكابه معصية فقط، أو أمر بقتله لمجرد مخالفته للشريعة، بل على العكس حارب سوء الخُلق ونصح بالدين وبالمعاملة الحسنة والنصيحة، وبما أننا بشر نُخطئ ونُصيب، فلا يمكن تصنيف المجتمع بين فاسق وكافر وخلافه، ونحن لا نملك تهميش دور أي إنسان، وإن لم نقتد بالرسول فبمن يا ترى نقتدي؟
أليست نفساً؟
كلمتان كفيلتان بتعليم أمة بأكملها أن حرمة النفس من الضرورات الخمس في الشريعة الإسلامية يحرم المساس بها دون وجه حق، وفي حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم، بأن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي فلمّا مَرضَ زاره النبي، وهذا دليل آخر على أن النفس في حياتها ومماتها لها كرامتها، والشاهد من حديث النبي مع الغلام اليهودي أن هذه النفس قد تدخل الإسلام حتى آخر رمقْ من خلال هذه المعاملة التي يلقاها من المسلمين، فلِمَ نُبيح قتلها وإزهاقها دون وجه حق؟
نحن مُطالبون بالمعاملة الحسنة لغير المسلمين للتخفيف من حِدّتنا لديهم لأننا نملك القرار، قرار (الدين المعاملة)، ولآخر لحظة في حياتهم نحن لا نستطيع تغيير هذه المعاملة لمجرد أنهم ليسوا على ديننا، ربما يفقد البعض صوابه لأننا ندعو للمسامحة مع الأديان.
فأوضاع العالم لا تُطمئن بوجود الإرهاب الذي بات لا يُفرّق بين المسلم وغير المسلم، والصغير والكبير، لأن الجماعات الإرهابية لا تعيش إلّا على الدماء، وربما بعض هذه الجماعات هم الأبناء غير الشرعيين للكفر والضلال، وهم أساس كل بلاء في العالم الإسلامي وشقائه، فهم يظنون أن ما يفعلونه مجرد دور مجهري غُذّي لتتّبع ومحاسبة الآخرين وإنهاء حياتهم بكلمة يرددونها كلما همّوا بقتل النفس، أليست نفساً تُزهق دون أن يأذن بذلك بارئها، فلنُعِد النظر في إنسانية الدين قبل فرضه على الآخرين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة