سينشغل العالم اليوم بمراسم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، في أجواء متوترة أمنياً وسياسياً،
سينشغل العالم اليوم بمراسم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، في أجواء متوترة أمنياً وسياسياً، ومخاوف من وضع ضبابي تدخله الولايات المتحدة مع إدارة جديدة جعلت الجميع في حيرة من أمرها. فلأول مرة في التاريخ الأمريكي تقريباً يفجر حفل تنصيب رئيس في البيت الأبيض جدلاً وخلافات وغضباً وتظاهرات مناوئة ومقاطعين، من بينهم شخصيات رئيسية في الدولة الأمريكية.
في لحظة فارقة، سيودع الأمريكيون إدارة الرئيس باراك أوباما الذي حكم ثماني سنوات، واعتبر على نطاق واسع أنه رئيس فريد بين حكام واشنطن، لأنه عكس التنوع الأمريكي، وكان أول رئيس أسود له جذور إسلامية، نسبة إلى أبيه حسين أوباما، ولكنه رُمي، في آخر عهده، بالضعف وعدم الحفاظ على الحضور الأمريكي في الخارج، بينما تقدمت لملء الفراغ دول أخرى مثل روسيا التي استعادت في زمن قياسي جانباً كبيراً من ميراث النفوذ السوفييتي. وقد كان لهذه القناعة لدى نسبة كبيرة من الأمريكيين تأثير في انتخابات نوفمبر الماضي بحثاً عن «رجل قوي» للبيت الأبيض، ولكن هذا الرجل القوي، وهو ترامب، كان مخيباً للآمال أيضاً، يثير من الهلع أكثر مما يمنح من الطمأنينة، وفرض بغموض توجهاته حيرة كبيرة، خصوصاً عندما أعاد التذكير بوعوده المتعلقة بالعلاقات الدولية وقضايا محلية أخرى. ومن مفارقات يوم التنصيب والوداع أن تكون شعبية الرئيس المتخلي أوباما في قمتها بنحو 60 بالمئة، بينما شعبية الرئيس الجديد ترامب لا تتجاوز 40 بالمئة، بحسب استطلاع أجرته صحيفة «إندبدنت» البريطانية قبيل 24 ساعة من انتقال السلطة رسمياً، وهو ما يزيد الحدث إثارة وتشنجاً وخشية حقيقية من المستقبل.
لا يبدو أن حفل التنصيب وخطاب الاتحاد هما محل التشويق في واشنطن، بل اليوم التالي حين يباشر ترامب مهامه على رأس أعظم دولة في العالم. ومن غرائب المصادفات، أن هذه الإدارة الجديدة تأتي إلى الحكم من دون أن يكون حلفاؤها الدوليون معروفين وواضحين، بينما من يرجح أنهم أعداؤها فيصعب تعدادهم سواء في الولايات المتحدة أو خارجها. ومن العوامل التي صعدت التوتر أن ترامب، وقبل تنصيبه بثلاثة أيام، فتح النار على الأوروبيين الحلفاء التقليديين لبلاده، فاعتبر أن الحلف الأطلسي منتهياً ولا ينسجم مع السياسات الأوروبية عموماً، وعليه سيعيد النظر في العلاقة بين واشنطن وهذه القارة التي ولدت من ثقافتها وبيئتها دولة الولايات المتحدة بحضارتها ونفوذها، وهذا الأمر يطرح قضايا كثيرة ويحيل إلى أحداث غيرت في وقت من الأوقات وجه العالم. ومما يطرح في هذا التوقيت أن يبادر ترامب إلى إعادة القوة الأمريكية تدريجياً إلى ما وراء الأطلسي، بعدما كان الرئيس الديمقراطي وودرو ويلسون قد عبر بها المحيط إلى أوروبا قبل قرن كامل في العام 1917 للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، فانتصر فيها مع الحلفاء وفرض مبادئه الأربعة عشرة الشهيرة. ومنذ ذلك التاريخ ظلت الإدارات الأمريكية تتوارث الحضور الأمريكي في أوروبا حتى هذا العام، حين جاء ترامب وأعلن عزمه مراجعة هذا الإرث. وبقطع النظر عما إذا كان سينجح في هذه المهمة أم سيخفق، فإن دلالات ما يقول ويتعهد به تؤكد القناعة بأن العالم أجمع تعاد هندسته بناء على مفاهيم ومصالح جديدة لم تكن قبل وقت قصير ظاهرة للعيان، ولم يفطن لها كثيرون.
*نقلاً عن "الخليـــج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة