نجوم العرب هزموا إرهاب داعش بـ"السهام المارقة"
المسلسل يكشف المستور عن تنظيم داعش الذي أساء لكل مسلم بأفكاره السطحية المشبعة بالعنف والتوحش والمأخوذة من كتب لا تقل توحشاً.
أكثر من سبب يجعل مسلسل "السهام المارقة" هو أفضل مسلسل درامي عرض هذا الموسم من كل النواحي الفنية بل والاجتماعية والسياسية دون الخوف من أفعل التفضيل أو الشعور بأي نوع من المبالغة.
فالمسلسل الذي يعرض حصريا على قناة أبوظبي يكشف المستور عن تنظيم داعش الظلامي الذي أساء لكل مسلم بأفكاره السطحية المشبعة بالعنف والتوحش والمأخوذة من كتب لا تقل توحشاً وطموحات مجموعة من المرضى بأحلام الخلافة الزائفة، مع عرض نماذج أخري لضحايا تورطوا في فخ هذا التنظيم إما تحت الأسر وتنظيم السلاح وإما مخدوعين من كل أنحاء العالم تصورا أنهم ذاهبون في نزهة أو لاهثين خلف فكرة وهمية للتحرر ومحاربة الكفر.
المسلسل الذي صنعته مجموعة من "سهام" الدراما النفاذة وعلى رأسهم الباحث معز مسعود وشيرين وخالد ومحمد دياب وآخرين من صناع أهم الأعمال التي فرضت نفسها علي الساحة مؤخراً واخترقت المهرجانات مثل كان وغيرها علي طريقة فيلم "اشتباك"، لا ينقل مجرد أفكار مباشرة أو يتبني وجهة نظر جامدة أو متطرفة في مواجهة هذا التنظيم أو غيره.
ومن الناحية الفنية يطرح المسلسل وبنفس الرؤية المستنيرة وجهة نظره فيما يحدث مستخدماً كل العناصر الفنية المذهلة من تصوير وإضاءة وإيقاع وبناء سيناريو جعل من المسلسل طوال حلقاته مدرسة في الدراما المشوقة منذ الحلقة الأولي، كما أنه يفضح جرائم مرتزقة "داعش" ويشحن المتفرج منذ اللحظات الأولى ضد هؤلاء الإرهابيين الجبناء الذين قتلوا وحرقوا بل وسلبوا الذهب وألعاب الأطفال من ضحاياهم ليهديها أحدهم لزوجته ملطخة بدم الأبرياء.
ليبدأ بعد ذلك استقبال المعتقلين الجدد بعد شحنهم في سيارات تشبه الترحيلات بالإعلام السوداء قبل الذهاب إلى معسكرات تشبه بدورها معتقلات النازي في الحرب العالمية وتوزيعهم علي الثكنات، ليكشف لنا المسلسل عن أبوأنس السوري قائد الجناح العسكري وأبوعمار المصري الذي يتكفل بتدريب المعتقلين المنضمين قسراً للتنظيم.
المسلسل يستكمل بعد ذلك علي مدار حلقاته استعراض ما يحدث علي أرض الخلافة المزعومة من جرائم وتجاوزات بشكل فني تتعقد فيه العلاقات وتتشابك بصورة تشعر المتفرج بحجم المأساة وكم الضحايا الذين فوجئوا بحجم الخديعة كما في سوق الرقيق الذي يستوي فيه سعر النساء مع أسعار الجوارب الرجالي التي تباع في نفس السوق، واضطهاد حتى الأطفال الممنوعين من رسم الصور أو ممارسة الألعاب البريئة حتى لا يحدث اختلاط، كذلك التفسير الملتوي للدين لخدمة أغراض قائد التنظيم وتكفير المجتمعات الإسلامية الأخرى المختلفة.
ويستخدم المخرج محمود كامل أسلوب" كافكا" الكابوسي، حيث يحاصر المتفرج طول الوقت بالسواد في الملابس الخاصة بالنساء فمن غير المسموح بارتداء غير هذا اللون والسواد في الإضاءة القاتمة وأصوات طلقات النار وصراخ من وقت لآخر مع أجواء السجن الذي يشبه سيارة الترحيلات في فيلم "اشتباك" لكاتب السيناريو محمد دياب، حيث يصبح السجن واحداً والقتل من كل اتجاه ومع تضاءل إمكانية النجاة من هذا الطقس البدائي المتوحش، بينما نتابع تلك الخلطة العربية التي تجمع من كل الجنسيات كتوانسة وعراقيين وسوريين ومصريين ولبنانيين وأوروبيين، ليكشف عن حالة المحنة التي يعيشها العالم العربي، وكيف تحول حلم داعش لدى هؤلاء إلى كابوس لا يمكن الفكاك منه.
ووسط حكايات أم جويرية وأم أُبي وحذيفة وحبيبة ومريم وسيف وعمار، المأساوية والتي نسجتها ورشة كتابة محمد دياب وشيرين دياب ودعاء حلمي ومحمد الدباح وبيشوي يوسف ومحمد فوزي عبدالرحيم، والتجسيد المدهش لشريف سلامة وشيري عادل ووليد فواز وهاني عادل وعائشة بن أحمد ويسرا المسعودي وهشام فقيه ومحمد عرقاوي، بمهارة واقتدار، وإخراج محمود كامل المشوق بالتفاصيل الصغيرة بما فيها سيارات إحدى الشركات اليابانية التي أثارت الجدل الفترة الماضية لدورها في دعم التنظيم، ورغم ارتفاع صوت الموسيقى في معظم المشاهد مما أثر على وضوح الحوار أحياناً، يتأكد أننا أمام واحد من أهم الأعمال الدرامية التي صنعت عن تنظيم داعش المرتزق على مدار السنوات الأخيرة.
فالسهام المارقة هو نموذج لدراما جادة وبحث فني جيد وتجسيد مدروس بعناية ووعي دون استسهال أو كليشيهات، فهو عمل يدعو للتأمل والسؤال أيضاً عن الجاني والضحية في هذا الموضوع بصورة أكثر عمقاً، وهو تقريباً نفس السؤال الذي طرحه فيلم (اشتباك) قبل ذلك.