بات واضحاً أن موسكو تعمل بشكل جدي على تحقيق هذا التقارب بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية.
زار وفد روسي رفيع المستوى العاصمة السورية دمشق بداية الأسبوع الحالي، وكان في مقدمتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي حطّ رحاله في سوريا بعد غيابٍ دام ثماني سنوات، وذلك لإجراء مباحثاتٍ مباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد، في خطوة قد تؤدي إلى تسريع الحل السياسي للأزمة في البلاد ووقف الحرب الطاحنة التي بدأت قبل نحو عشر سنوات.
وقد سبق وصول وزير الخارجية الروسي إلى دمشق بيومٍ واحدٍ، قدوم وفدٍ روسي آخر برئاسة نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف لإجراء مباحثاتٍ رسمية مع مسؤولين في الحكومة السورية بشأن تطوير التعاون الثنائي وتعزيزه في كافة المجالات، خاصة الاقتصادية والتقنية والعلمية. وهناك لجنة روسية ـ سورية مشتركة مخصصة لمثل هذه الأمور.
وقبل قدوم الوفدين الروسيين إلى دمشق، وُقِعت في موسكو مذكّرة تفاهم مطلع الشهر الحالي، بين مجلس "سوريا الديمقراطية" المعروف اختصاراً بـ "مسد" والذي يمثّل "الإدارة الذاتية" وقواتها العسكرية في شمال سوريا وشرقها، وحزب "الإرادة الشعبية" الذي يقوده رئيس منصّة موسكو قدري جميل، ما يعني حصول روسيا على مفتاحٍ إضافي جديد قد يساهم في المضي قدماً نحو العملية السياسية المتعثرة لحلّ الأزمة السورية.
كما أن زيارة الوفدين الروسيين لدمشق تتزامن مع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على سوريا بموجب قانون قيصر، وقد ركّز الوفد الأول الذي سبق لافروف على المشاريع التجارية وتطويرها مع دمشق، ما يعني أن موسكو تحاول إيجاد مخرّجٍ فعلي للأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا، وبالتأكيد تتطلب معالجتها مزيداً من التعاون بين دمشق والإدارة الذاتية لا سيما وأن مناطق انتشار الأخيرة كالحسكة والقامشلي والرقة غنية بالموارد النفطية والزراعية.
وبات واضحاً أن موسكو تعمل بشكل جدي على تحقيق هذا التقارب بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية، ويبدو أن لدى موسكو بعض الحلول التوافقية للأزمة السورية أكثر من واشنطن، التي قد تسحب ما تبقى من قواتها في سوريا في أي لحظة بطلب الرئيس دونالد ترامب. كما أن انشغال السياسة الأمريكية عن سوريا يمنح موسكو مزيداً من الفرص في حل أزمتها، ولهذا تحاول بشكلٍ جدّي هذه المرة لإبرام اتفاقٍ نهائي بين "الإدارة الذاتية" ودمشق.
لذلك من المتوقع أن يصبح الطريق سالكاً بين القامشلي ودمشق في الأيام المقبلة، بعدما مهّدت موسكو لذلك عبر ورقة التفاهم التي أبرمت مؤخراً بين "مسد" وقدري جميل. وقد سلّم لافروف نسخة منها للمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، لإشراك الإدارة الذاتية في العملية السياسية التي تجري في سويسرا منذ سنوات. وريثما يحصل ذلك، ستكون أبواب دمشق مفتوحة أمام مسؤولي "سوريا الديمقراطية"، خاصة وأن مذكرة التفاهم نصّت على وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة