الثابت أن تركيا أوقفت عمليتها العسكرية دون تحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى قنديل والقضاء على حزب العمال الكردستاني.
فجأة وبطريقة أقرب إلى الصمت، أعلنت تركيا عن وقف عمليتها العسكرية ضد إقليم كردستان العراق وتحديدا ضد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، جاء ذلك بعد نحو ثلاثة أشهر على بدء العملية التي شارك فيها آلاف الجنود وعشرات الدبابات والطائرات. فلماذا أوقفت تركيا عمليتها العسكرية فجأة خاصة وأنها لم تحقق هدفها الأساسي، أي القضاء على حزب العمال الكردستاني والوصول إلى معقله في جبال قنديل كما أعلن أردوغان ذلك مرارا ؟
في الواقع، ثمة أسباب كثيرة وراء قرار إنهاء العملية التركية، وهي أسباب تعبر عن فشل هذه العملية من جهة، ومن جهة ثانية عن عدم دقة الحسابات التركية، ومن جهة ثالثة عن تخبط أردوغان في قراراته وخطواته العسكرية هنا وهناك، ولعل من أهم الأسباب :
1- المقاومة الكبيرة التي أبداها مقاتلوا حزب العمال الكردستاني وتحديدا في منطقة حفتانين التي تحولت إلى مقبرة للجنود الأتراك، من خلال الكمائن المحكمة التي أوقعت عشرات الجنود بين قتلى وجرحى.
2- اقتراب فصل الشتاء، وهو ما يعني فقدان الجيش التركي القدرة على القتال في ظروف جوية سيئة، فضلا عن صعوبة سحب الآليات العسكرية والتقدم في مناطق يصل فيها ارتفاع الثلوج إلى أمتار، مقابل قدرة حزب العمال على القتال في ظل هذه الظروف الجوية، وهو ما يعني أن الهزيمة ستكون مضاعفة إذ أبقت تركيا قواتها هناك .
3- فشل استراتيجية تركيا في خلق فتنة كردية – كردية بعد أن حاولت ذلك مرارا، حيث كانت قيادة إقليم كردستان العراق واعية لهذه القضية الحساسة رغم كل المحاولات التركية لجعل هذه الفتنة أمرا واقعا، من خلال الضخ الإعلامي بهذا الخصوص، و وضع العملية في خانة مكافحة الإرهاب، لكن جميع المحاولات التركية في هذا السياق فشلت .
4- تقدم أولوية المواجهة العسكرية التركية مع اليونان، بعد أن صعدت تركيا ضد الأخيرة، وهو ما استوجب موقفا أوروبيا متضامنا مع اليونان وفشلا للاستراتيجية التركية في الإبقاء على الانقسام الأوروبي إلى ما لانهاية، حيث للأزمة مع اليونان حسابات تركية مختلفة في غاية الأهمية، وهي حسابات لها علاقة بالطاقة والحدود والصراع الجاري في عموم بحري إيجة والمتوسط، ومحاولة فرض تركيا سياسة أمر الواقع على الجميع، في وقت بدأت تحس فيه بأن العصا الأوروبية الغليظة سترفع في وجهها مع اقتراب موعد القمة الأوروبية المقررة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
5- إن حالة "الستاتيكو" في الأزمة الليبية على وقع الخطوط الحمر التي رفعتها مصر في سرت والجفرة، وكذلك تفجر الأزمة بين حلفاء أردوغان في طرابلس وغير ذلك جعل من العملية العسكرية التركية في كردستان العراق أقل أهمية من أولوية التركيز على ملف الأزمة الليبية التي هي على علاقة وثيقة بملف التصعيد الجاري مع اليونان.
6- في ضوء العوامل السابقة، بدا لأردوغان أن عمليته العسكرية في كردستان العراق ليست سوى استنزاف متواصل لقدرات تركيا العسكرية والأمنية دون القدرة على تحقيق التقدم المنشود، ولعل ما ضاعف من خشية تركيا، هو تصاعد الغضب الشعبي في كردستان العراق، والمطالبة الواسعة بوضع حد للعدوان التركي وإجبار تركيا على سحب قواتها من القواعد والمراكز العسكرية والأمنية التي أقامتها في الإقليم وعموم شمال العراق. الثابت أن تركيا أوقفت عمليتها العسكرية دون تحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى قنديل والقضاء على حزب العمال الكردستاني وهو ما يعد فشلا ذريعا وهزيمة موصوفة، خاصة وأن العملية كلفت ملايين الدولارات وأودت بحياة عشرات الجنود الأتراك، كما أن وقف العملية تم دون اتفاق أو حتى من خلال وساطة عبر طرف ثالث مع حزب العمال الكردستاني، وهو ما يعني انتصارا للحزب الكردستاني.
ولعل النتيجة الوحيدة للعملية التركية هي إلحاق الأذى بالمدنيين في مناطق من إقليم كردستان العراق، وهو ما يذكرنا بالعبارة الشهيرة التي قالها الروائي الفرنسي الشهير فيكتور هيوغو قبل نحو مئة وخمسين عاما عندما قال: ( من هنا مر الأتراك، فأصبح كل شيء خرابا ).
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة