المشكلة تكمن في بقاء عشرات آلاف الجهاديات وغالبيتهن أجنبيات في مخيماتٍ تقع في مناطق سوريّة تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية
منذ إعلان قوات سوريا الديمقراطية التي تُعد "وحدات حماية الشعب" الكردية أبرز مؤسسيها، القضاء النهائي على تنظيم "داعش" الإرهابي في بلدة الباغوز السورية على الحدود مع العراق، أواخر شهر مارس/آذار الماضي، باتت تواجه هذه القوات الّتي يقاتل فيها الأكراد والعرب والسريان والأرمن وغيرهم جنباً إلى جنباً ضد الإرهاب، عدّة مشاكل.
المشكلة الأولى تكمن في بقاء عشرات آلاف الجهاديات وغالبيتهن أجنبيات في مخيماتٍ تقع في مناطق سوريّة تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية مع أطفالهن الّذين تصل أعدادهم إلى نحو 50 ألف طفل، وهم يشكلون العدد الأكبر من سكان تلك المخيمات.
وهؤلاء الأطفال مع أمهاتهم يضعون عبئاً كبيراً على كاهل السلطات المحليّة التي يديرها الأكراد مع حلفائهم المحليين في المنطقة، فالمنظمات الدوليّة الّتي كانت تساعدهم في المخيمات، انسحبت من مخيماتهم مع الغزو التركي الأخير لمناطق قوات سوريا الديمقراطية ودخول قوات الحكومة السورية إلى بعض المناطق هناك، وبالتالي باتت "الإدارة الذاتية" لشمال سوريا وشرقها هي المسؤول الأول عن رعايتهم.
وما يزيد من تعقيد هذه المشكلة عدم قدرة "الإدارة الذاتية" على محاكمة أولئك الجهاديات ووضعهن في سجونها، فقوانين المحاكم في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، لا تسمح بذلك، لا سيما أنهن لسن سوريات، بل أجنبيات ينحدرن من عشرات الدول الأوروبية والآسيوية والعربية في بعض الأحيان. ومعظم هذه الدول تمنع عودتهن إلى بلادهن، ناهيك بوجود أطفالهن معهن، هناك أطفال يتامى لمقاتلي "داعش" لا يُعرف إلى الآن ماذا سيكون مصيرهم.
إن هؤلاء المقاتلين المعتقلين وزوجاتهم الجهاديات، يشكّلون تهديداً أمنياً على العالم برمّته، لا على المدن التي تقع فيها سجونهم ومخيماتهم فقط، لذلك من واجب المجتمع الدولي أن يسهم في إيجاد حلٍّ عاجلٍ وسريع بالتعاون مع السلطات المحلية لدى "الإدارة الذاتية" وقوات سوريا الديمقراطية
ولا تقع الأعباء الاقتصادية وحدها على كاهل مؤسسات "الإدارة الذاتية" من تأمين الأطعمة والأدوية والخيم وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية، بل تواجه هذه المؤسسات تحدّي تأمين مناطقها من مخاوفهن، لا سيما أن أغلبهن يطمح لإعادة ما يُطلق عليه تنظيم "داعش" "دولة الخلافة".
ويوم أمس أقدمت جهاديات في مخيم الهول الّذي يقع بريف محافظة الحسكة الشرقي على قتل جهادية أخرى خنقاً وهي تركستانية الجنسية، وذلك لعدم التزامها باللباس الشرعي حسب اعترافات الجهادية القاتلة، وفق ما نشرت بعض وسائل الإعلام المحلّية. وهذه ليست الجريمة الأولى التي ترتكبها الجهاديات في هذا المخيم، فعشرات الجرائم المشابهة حصلت في الأشهر الماضية، حتى إن بعضهن حاول قتل عناصر من الشرطة المحلية التي تقوم بحراسة المخيم، بالإضافة إلى تعدّيهن على الصحافيين.
وبالرغم من هذا كله، لم يتجه المجتمع الدولي لحلّ هذه المشكلة بالتعاون مع "الإدارة الذاتية" الّتي ناشدت مراراً الدول التي ينحدر منها هؤلاء الجهاديات لإعادتهن، ولم تلبٍّ سوى عدّة دول استعادت عشرات الجهاديات مع أطفالهن. وباعتقادي أن هؤلاء الجهاديات يضعن استقرار المنطقة على المحك وسط تزايد آمالهن بإعادة خلافتهن المزعومة مع الهجوم التركي الأخير على شمال شرقي سوريا، لا سيما أن أعداداً كبيرة منهنّ يواصلن تربيّة أطفالهم على الطريقة الداعشيّة، في حين تمكّن بعضهن الآخر من الفرار من مخيمٍ يقع في ريف الرقة.
ويُضاف لمشكلة الجهاديات وأطفالهن، المشكلة الثانية وهي أزواجهن المعتقلين في سجون "الإدارة الذاتية"، فهؤلاء أيضاً يعلقون آمالهم على أنقرة وهجومها العسكري، ليتمكنوا من الفرار من سجونهم وظهر عدد من هؤلاء المقاتلين المعتقلين في مقابلات تلفزيونية ضمن الفيلم الوثائقي المصوّر الّذي أنتجته قناة العربية الإخبارية مؤخراً بعدما تمكّن مراسلها من الدخول للسجون الّتي يقبعون فيها.
وما يبدو واضحاً من شهادات هؤلاء المقاتلين في ذلك "الوثائقي"، هو إصرارهم على مواصلة "الجهاد" وكذلك إصرارهم على اعتبار أنقرة صديقتهم وحليفتهم، فهي لم تمنع دخولهم إلى الأراضي السورية قبل سنوات، بل ساعدتهم في ذلك على حدّ قولهم، وها هم اليوم يرتدون ثياباً موحدة باللون البرتقالي وينتظرون الجيش التركي وعلمه الأحمر، لتحريرهم ومساعدتهم في العودة مجدداً لإرهابهم.
وبالتالي فإن هؤلاء المقاتلين المعتقلين وزوجاتهم الجهاديات، يشكّلون تهديداً أمنياً على العالم برمّته، لا على المدن التي تقع فيها سجونهم ومخيماتهم فقط، لذلك من واجب المجتمع الدولي أن يسهم في إيجاد حلٍّ عاجلٍ وسريع بالتعاون مع السلطات المحلية لدى "الإدارة الذاتية" وقوات سوريا الديمقراطية، ففرارهم من سجونهم ومخيماتهم سيضع العالم كلّه أمام دولة خلافةٍ جديدة لا سيما أن أعداد الجهاديات وأزواجهن تصل إلى أكثر من مئةِ ألفِ شخص، وهؤلاء قد يشكلون معاً جيشاً جديداً يسيطر مجدداً على سوريا والعراق المجاور.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة